توظيف «الحرس الثوري» و«حماس» لصراع غزة

https://rasanah-iiis.org/?p=24943

سلّط الصراعُ الذي استمرَّ 17 يومًا في غزة، الضوءَ على العلاقة المتنامية بين «الحرس الثوري» الإيراني وحركة «حماس»، فضلًا عن التقدّم في التخطيط الإستراتيجي والتكتيكي للحركة. زوّدت طهران الحركةَ بالأسلحة عبر طُرُق التهريب الجوفية، وكان «الحرس الثوري» أكثر علانيةً في دعمه لحركة «حماس» من أي وقتٍ مضى، وادّعى الفضل في أي ضرباتٍ ناجحة وخسائر نجمت عن الصراع. ولا تزال غزة في طليعة العقيدة الدفاعية الإيرانية المتقدمة، وقد تفاخر قائدُ سلاح الجو في «الحرس الثوري» الإيراني العميد أمير علي حاج زاده في 02 يناير 2021م قائلًا: «غزة ولبنان على الخطوط الأمامية لهذه الحرب، لقد كانت قدراتهما الصاروخية متزايدةً بسبب دعم جمهورية إيران الإسلامية». وقال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يوم 12 يناير 2021م أثناء إشادته بقاسم سليماني: إنه «ساعد الفلسطينيين على الوقوف والمقاومة».

كما شكرَ إسماعيل هنية في خطاب متلفز، إيران التي «لم تتردّد في تقديم المال والسلاح والدعم التقني». واتصل قائد «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني اللواء إسماعيل قآاني في 16 مايو 2021م بهنيّة، وأشاد «بالأداء المتميز والناجح لقوات المقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي». وعلى الرغم من هذه العلاقة الواضحة بين «الحرس الثوري» الإيراني و«حماس»، حاولت طهران التستُّر على آثارها من خلال الإنكار المعقول لتجنُّب مزيدٍ من العقوبات. ومع ذلك، لا يمكن أن يكون دعمها المالي وخطوط إمدادها لـ«حماس» سريّةً بالكامل.

كما ذكرنا، تُعتبر غزة منطقةً مثالية لعقيدة الدفاع الإيرانية المتقدمة. من هنا ركَّزت طهران على تعزيز القدرات القتالية لـ«حماس» لتحقيق مصالحها الإستراتيجية؛ ولأن تهريب الأسلحة ينطوي على مخاطرَ كبيرة، اختار «فيلق القدس» نقلَ المعرفة وتطوير وحدات الإنتاج إلى غزة. لذلك حقّق نقلُ الصواريخ وتصميماتُها معًا مع المعرفة، بعضَ النجاح لإيران. على الرغم من أن إسرائيل تقول إنها دمَّرت أكثر من عشرين مصنعًا لتجميع الصواريخ في غزة، فقد بقيت مئات المقذوفات وأجزاءٌ أخرى كثيرة في مستودعاتٍ سرية. وقد أدّى نموذج الإنتاج هذا إلى إطلاق وابلٍ من الصواريخ على إسرائيل، مع فشل نظام دفاع القبة الحديدية في اعتراض ما يقرُب من 10% منها. جرى التعرُّف على «بدر-3» على يد الخبراء، على أنه نسخةٌ من «قاصم» الإيراني من ترسانة «حماس»، لكنه يفتقرُ إلى التحديثات المختلفة التي يمتلكُها «الحرس الثوري». كما اعتبروا طائرةَ «شهاب» المسيَّرة مشابهةً للطائرة المسيّرة الانتحارية التي يستخدمُها الحوثيون.

لحيلةِ إيران في تطوير قاعدةٍ معرفيةٍ محلية في غزة مزايا عديدة، أولًا: أن هذا لا يُنهي فقط خطر تعطُّل خطوط الإمداد من وكالات «إنفاذ القانون»، بل ويُنهي الصداع اللوجستي ويُقلّل التكاليف. ثانيًا: يمكن أن تؤدي الموادّ التي يُحصَل عليها محليًّا لإنتاج الصواريخ الرخيصة إلى تحديثٍ سريع وخطّ إمدادٍ وفير في نفس الوقت. ثالثًا: يمكن لطهران أيضًا التهرُّب من اللوم على توريد الأسلحة والمواد؛ وبالتالي تحويل التركيز بعيدًا عن وحدات الإنتاج المحلية.

مع ذلك، لم تخدع خطةُ إيران للتهرُّب من لعبةِ اللوم، القوى الإقليمية والمجتمعَ الدولي. على سبيل المثال، كشفَ استخدامُ «حماس» صاروخًا يصلُ مداه إلى 250 كيلومترًا بصمةَ إيران، فيما يُزعَمُ أن مصنع الطائرات المسيَّرة الذي يزودُ حماس ومسلحين آخرين بطائراتٍ مسيَّرة، استُهدف بانفجار قنبلة.

أدّى الانفجار الذي وقع في شركة صناعة الطائرات الإيرانية، التي تُنتج مجموعةً متنوعة من الطائرات والطائرات المسيَّرة، إلى إصابة عديدٍ من الأشخاص في أصفهان. قد يكون هذا التخريب الأول منذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس»، لكنه بالتأكيد لن يكون الأخير.

تجدُ إيران صعوبةً في إخفاء انخراطها العسكري مع «حماس»؛ وبالتالي ستختفي طبقةٌ تلو أخرى من غطاء الإنكار المعقول. ستُحمِّلُ إسرائيلُ إيرانَ المسؤولية المباشرة عن أيّ اعتداءٍ على أراضيها، ولن تسكُت عن استباق تصرفات «حماس» والقضاء على تهديدها. ستستثمرُ طهران في قُدرة «حماس» على الوصول إلى الأجزاء والموادّ المتاحة تجاريًّا بقدر ما ستُنفقُه تل أبيب على تجديد وتحديث دفاعاتها الجوية واستخباراتها البشرية في غزة، وعلى الرغم من أن الصواريخ والمقذوفات ستُنتَج في وحداتٍ محلية، فستستمرُّ تكلفةُ الدفاع عن تل أبيب في الزيادة، وقد تتزايدُ الإجراءات العقابية التي تتخذُها إسرائيل ضدَّ إيران إذا توصَّلت إلى اتفاقٍ نوويٍ جديد مع واشنطن.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير