دروس من الاحتجاجات في العراق

https://rasanah-iiis.org/?p=18820

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

يشهد العراق منذ بداية شهر أكتوبر الماضي موجة من الاحتجاجات المتواصلة ضد الفساد الإداري والمالي والسياسي، وتستهدف هذه الاحتجاجات النخب السياسية العراقية بشكل كامل ودون استثناء. كذلك ركّز المحتجّون الشباب على التعبير عن امتعاضهم من التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي العراقي. ويمكن أن تقدّم هذه الاحتجاجات كثيرًا من الدروس المباشرة للنظام الإيراني في المقام الأول.
أولًا: يظهر أن العراق يمرّ بحالة من الصحوة الوطنية والقومية، تلمّسَت بشكل صحيح أسبابَ الفساد في البلاد بكلّ أشكاله، ويقود هذه الصحوة الوطنية جيل من الشباب في أغلبه ممن كبر وترعرع خلال مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وشهد طبيعة التدخّلات الإيرانية في العراق والولاء السياسي والأمني والاقتصادي لغالبية النُّخَب الحاكمة في العراق لإيران. ولعلَّ تسريب أكثر من 700وثيقة إيرانية مؤخرًا يكشف حجم التدخّلات الإيرانية في الشأن العراقي، وقد زاد اقتناع المواطن العراقي البسيط بحقيقة الدور الإيراني التخريبي في البلاد.
ثانيًا: تجاوز الشباب العراقي مرحلة غسل الأدمغة الآيديولوجي الذي كان السمة البارزة خلال السنوات الماضية، وقد عبّر عن رفضه لدور المرجعية الدينية في البلاد باعتبارها جزءًا من المشكلة، وبالتالي رفضه بشكل كامل للإسلام السياسي، وتجاوز الآيديولوجيا إلى الانتماء الوطني في المقام الأوّل، ورفضه رفضًا قاطعًا للولاء العابر للحدود بكل أشكاله، وعلى رأس ذلك الولاء الآيديولوجي.
ثالثًا: بعد حالة من اليأس في أن تغيِّر إيران من سياستها تجاه العراق، وبخاصة بعد تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي التي اتهم فيها ولاء المحتجّين العراقيين واللبنانيين بالولاء لأجندات خارجية وتنفيذها، رفَع المواطن العراقي من وتيرة تعبيره ورسائله تجاه طهران، فاستُهدفَت البعثات الدبلوماسية الإيرانية في النجف وكربلاء، وهما مدينتان لهما رمزيتهما المذهبية، كما مُنِع زوّار إيرانيون من الدخول إلى مواقع المزارات الدينية في النجف أيضًا، وأُحرقَت صور الرموز السياسية الإيرانية والعلَم الإيراني. معظم مَن قام بذلك مِن اتباع المذهب الشيعي في العراق، وهذا يؤكّد مدى التذمّر الشعبي العراقي، وبخاصة بين الشباب، من التدخّلات الإيرانية في العراق.
مثل هذه الرسائل الواضحة من الشعب العراقي تجاه إيران تؤكّد أنّ العودة إلى الخلف أصبحت ضربًا من المستحيل، وهذا الأمر يمكن سحبه على الحالة اللبنانية أيضًا، التي شهدت حالة مشابهة من التذمّر من النُّخَب السياسية في البلاد وعلى رأسهم حزب الله وحركة أمل، ولعل خير شاهد تعليق رجل الدين الشيعي الأمين العام السابق لحزب الله، الشيخ صبحي الطفيلي، على مطالب الانتفاضة، مشددًا على أنّ الشعار يجب أن يطال الجميع بمن فيهم حركة أمل وحزب الله، قائلًا: «كلّهم يعني كلّهم، وعلى رأسهم الثنائي الشيعي، وهما أساس الفساد ورب الفساد في لبنان، ولولاهما لعُولِجَ الفسادُ منذ زمن».
ختامًا، يواجِه مشروع الولي الفقيه في إيران تحديات داخلية وخارجية، وتراجُعًا كبيرًا في شعبيته على كل الأصعدة، في ظِلّ موجة تراجُع الاقتناع بالإسلام السياسي في المنطقة، شيعيِّهِ وسُنِّيِّهِ، ومن الواضح أنّ المشروع الإيراني بدأ ينهار من الداخل والخارج، ومن المتوقع ازدياد وتيرة موجة التذمُّر من التدخّلات الإيرانية في المنطقة، والارتهان السياسي والآيديولوجي لطهران، ومن غير المستبعَد أن تصل موجة الانقلاب العربي على الآيديولوجيا الإيرانية إلى أقصى الجنوب العربي، وأعني هنا اليمن، وبخاصة المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا الحوثي المرتبطة بطهران.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية