دلالات رسالة أحمدي نجاد لوليّ العهد السعودي

https://rasanah-iiis.org/?p=21695

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

في بادرة إيرانية غير رسميَّة اعتاد على توجيهها لقادةِ وزعماء العالَم المُؤثرين في الشؤون الإقليميَّة والدوليَّة، وجّه الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد رسالةً تتّخذُ شكل مبادرةِ تسويةٍ إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وذلك لإنهاء الحرب في اليمن حسب نص الرسالة، مُقترحًا على ولي العهد السعودي الوساطة في تشكيل لجنةٍ تضمُ شخصيات ذات ثقل ووزن عالميﱟ لإجراء محادثات مع أطراف الأزمة اليمنية لتسويتها ووقف إراقة الدماء في اليمن.

تحملُ رسالة محمود أحمدي نجاد لولي العهد السعودي مضامينَ ودلالاتٍ وغاياتٍ من حيث مُوجِّه الرسالة، وتوقيت إرسالها، ومضمونها، ومُستقبِلها، وذلك على النحو التالي:

 1-  مُوجِّه الرسالة: رئيس إيران السابق، ومِن ثَمَّ تفتقدُ رسالته للطابع الرسمي إذ لا يُعبِّر نجاد عن النظام الحاكم في إيران، ويبدو أنه قد اعتاد على توجيهها مثل رسائله السابقة لكلﱟ مِن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش والحالي دونالد ترامب والرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، غير أنه لا يُمكن تجاهل أنَّ نجاد رقمٌ في المعادلة الإيرانية الداخلية، إذ له أنصارٌ وتيَّار في الشارع الإيراني وحقَّق المحسوبين عليه نتائجَ إيجابية في الانتخابات البرلمانية بفبراير 2020م، وكذلك يدرك نجاد مدى تأثير دعوة سلفه محمد خاتمي لحوار الحضارات والتي أحدثت حينها أصداءً دوليَّة كبيرة، ولذلك يريد نجاد أنْ يُحقق أهدافًا مُمَاثلةً من بوابة مِلف التجاذبات السعودية-الإيرانية.

2-   توقيت الرسالة: تأتي الرسالة في توقيتٍ حسَّاس وبالغ التعقيد يُتيح لأحمدي نجاد داخليًّا تحقيق مكاسبَ سياسيَّة، إذ يُواجه النظام الإيراني عامّة وحكومة روحاني خاصةً حزمة من الانتقادات وجولاتٍ متكررة من الاحتجاجات التي باتت سِمة رئيسةً من سمات حكومة روحاني، وذلك على خلفية تشديد العقوبات الاقتصاديَّة وتكثيف الضغوطات السياسيَّة على النظام الإيراني واستهداف حلفائه ووكلائه الإقليميين من الميليشيات المُسلحة بغية تعديل سلوكه، وهو ما أفرز عن أوضاعٍ اقتصاديَّة ومعيشيَّة لا نبالغ إذا ما قلنا أنها مأساويَّة، والتورط في صراعاتٍ إقليميَّة ممتدة وحصارٍ وعزلة دوليَّة بالغة الصعوبة والأثر، فضلًا عن رغبته في توظيف الخلاف بينه وبين بعض أجنحة النظام مثل الإخوة لاريجاني والحرس الثوري الذي انتقد دوره الاقتصادي في رسالةٍ للمرشد على خامنئي الذي رفض ترشيحه في الانتخابات السابقة، ورغم أنَّ هناك رواياتٍ تتحدث عن إمكانية توجيه الرسالة لولي العهد السعودي بإيعازٍ من المرشد نفسه للتخفيف من العزلة الإيرانية.

 3-  مضمون الرسالة: صِيغَ مضمون الرسالة تجاه المملكة بكلماتٍ وعباراتٍ تعكسُ إدراكًا من نجاد بوزن وثقل المملكة وامتلاكها أوراقًا في المِلفات الإقليميَّة ورقمًا لا يُمكن تجاوزه مخاطبًا الأمير محمد بن سلمان: «إنني على ثقةٍ بأنَّ سموكم في الرد على مطالب شعوب المنطقة واضحٌ… وستقومون بعمل تُذكرون به خيرًا»، مُضيفًا بنفس اللهجة «أعرف أنَّ الوضع القائم لا يرضيكم، وأنَّ ما يحدث يوميًّا ويذهب ضحيته الأبرياء وتُدمر البنى التحتية قد يُلم بكم الهم والحزن… ولذلك ترحبون بسلامٍ عادل. وأثق تمامًا بأنه بتعاونكم البنَّاء يُمكننا تطبيق مبادراتٍ مؤثرة من شأنها أن تلعب دورًا أساسيًّا في إنهاء الحرب في اليمن».

 وهي كلماتٌ وعباراتٌ جيّدة ومُغايرة تمامًا لكلماته وعباراته في تصريحاته السلبية تجاه المملكة العربية السعودية إبان فترة حكمه، إذ لعب نجاد دورًا بارزًا في إنهاء مرحلة الهدوء السياسي التي شهدتها العلاقات السعودية-الإيرانية خلال فترة سلفه محمد خاتمي، باِتّهامه المملكة بخلق الاضطرابات وزعزعة الأمن والاستقرار في الداخل الإيراني بدعمها الجماعات السلفيَّة في إقليم بلوشستان؛ ما أعاد التوتر السياسي بين إيران والمملكة طيلة فترة حكمة. وقد ركَّز نجاد في رسالته على اليمن لإدراكه بمدى أهميته للمملكة العربية السعودية لكونه خاصرة الجزيرة  العربية والحد الجنوبي للمملكة وموقعه الجيو_سياسي الهام على البحر الأحمر فمَن يُسيطر عليه فإنّه سيُسيطر على أكثر الممرات البحرية حساسيَّة لإمدادات النِّفط والتجارة، كما تمتلك السعودية علاقةً ممتدة مع الدولة والشعب اليمنيين عبر التاريخ، كما أنَّ مواجهة المشروع الإيراني العدواني أضحى من المواجهات الاخلاقية والمشروعة بعد أن انكشفت أغراض إيران ومآربها التدميرية في الدول العربية؛ ولذلك يعلم نجاد أنَّ اليمن يُشكل خطًا أحمرَ سعوديًّا، وبوابةً لتحريك الموقف المتجمد بين السعودية وإيران.

 4-  مُستقبِل الرسالة: المملكة العربية السعودية، ولِمَا لا يُدرك نجاد ثقل المملكة ووزنها الإقليميّ وهي مَن لعبت دورًا تاريخيًّا في الوقوف ضد الأطماع والمشاريع الإيرانية في العديد من الدول الخليجيَّة والعربيَّة لحماية أمن تلك الدول واستقرارها لا لأغراضٍ سياسيَّة أو لأطماعٍ اقتصاديَّة ولا يمنع إدراكه لوزن المملكة وثقلها أنْ يكون له أغراضٌ شخصيَّة من الرسالة لتحقيق مكاسبَ داخلية وتحقيق أصداءٍ إعلاميَّة دوليَّة مِن البوابة اليمنية التي تُشكل أحد أهم المِلفات العالقة بين السعودية وإيران في الإقليم الشرق أوسطيّ المضطرب، إذ تُشكل الرسالة مغازلةً للشعب الإيراني بما يجعله ضمن بل على رأس خِيارات الشعب الإيراني مع قرب حلول الانتخابات الرئاسيَّة الإيرانيَّة على خلفية إخفاق روحاني في معالجة الأوضاع الاقتصاديَّة والمعيشيَّة المتردية، وتقديم نفسه كزعيمٍ ولديه من الحكمة والدراية السياسيَّة ما يجعله قادرًا على إدارة أزمات إيران في الداخل والخارج، وأنه يمتلك حلولًا للتخفيف من وطأة الأزمات الداخلية والخارجية على الأوضاع المعيشيَّة للشعب الإيراني، ورسالةً للخارج بأنه قادرٌ على التأسيس لمرحلةٍ جديدة وسياسةٍ خارجيَّة إيرانية مُغايرة، تجاه دول الجوار الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، للسياسة الخارجية الإيرانية الراهنة والتي تقوم على الحوار والتفاهم انطلاقًا من البوابة اليمنية. وفي الختام وبقدر أهداف نجاد الشخصيَّة مِن الرسالة لا يُمكن تجاهل أنه بات يدرك-مثل الكثير من القيادات الإيرانية-أنَّ الحل ليس في يد إيران لوحدها كما يُرددون في وسائل الإعلام الإيرانيَّة والعالميَّة بأنَّ مفاتيح تسوية الأزمات في يد إيران، بل هو اعترافٌ من شخصيةٍ بوزن أحمدي نجاد بأنَّ الرياض تمتلكُ حلولًا وتُعَد رقمًا صعبًا في المعادلة الإقليميَّة، وأنَّ تعويل روحاني على الدول الأوروبية لم يُجدِ نفعًا في التخفيف مِن وطأة العقوبات الأمريكية، وأنَّ فتح حوارٍ بنَّاءٍ مع المملكة هو السبيل لمعالجة الكثير من المِلفات الإقليميَّة، وأخيرًا لا يخفى على أحدٍ إبداء المملكة مرارًا وتكرارًا استعدادها للحوار مع إيران شريطة التغيير في السلوك الإيراني، حيث لا معنى للمبادرات دون تعديلٍ للسلوك في ظل الكوارث والأزمات التي ألحقتها إيران بالأمن الإقليمي.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية