رغم استفحال الفساد.. الحرس الثوري يُقلّل من الظاهرة وآثارها

https://rasanah-iiis.org/?p=21917

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

معضلة الفساد في إيران لم تعُد بالأمر الخفيّ الذي يُمكن إنكاره أو التستّر عليه، فقد وصلت مستويات الفساد إلى مراحلَ قياسية شملت الحرس الثوري ومعظم المؤسَّسات الرسمية بل وحتى المؤسَّسات المعنية بمكافحة هذه الظاهرة كالسلطة القضائية والبرلمان، ونتيجةً لهذا الوضع الكارثيّ اضطُّر النظام الإيراني لإنشاء محاكم خاصة لمحاكمة المتهمين في الجرائم المالية والتقليل من آثارها الخطيرة على الاقتصاد المتهالك أصلًا بسبب العقوبات الأمريكية.

ومن حينٍ إلى آخر تظهر خبايا ممارسات الحرس الثوري المالية وتتكشَّف خيوط جديدة لشبكات الفساد التي يُديرها، ففي سلسلة مِلفات الفساد بالحرس الثوري والتي يتمُّ الكشف عنها يومًا بعد يوم، اعترف رئيس مؤسَّسة المستضعفين برويز فتاح مؤخرًا، والتي تُعَد واحدةً من أضخم المؤسَّسات الاقتصادية في النظام الإيراني، بامتلاك الحرس الثوري ومؤسَّسات أخرى مشروعات في هذه المؤسَّسة تُقدر بالمليارات، ما يعني أنّ أموال هذه المشاريع تذهبُ للحرس الثوري وليس للمستضعفين.

هذا الاعتراف كشف عن حجم نفوذ هذه المؤسَّسة وفتحت الباب أمام إمكانية الجزم بأنَّ إمبراطورية الحرس الثوري المالية تمددت في معظم مؤسَّسات النظام الإيراني ولا سيَّما الاقتصادية منها، كما كشفت للمستضعفين الذين يدعي النظام الإيراني أنه جاء لنصرتهم أنّ الأموال المُخصصة لهم يستفيد منها الجميع ما عدا المستضعفين أنفسهم.

قلق الحرس الثوري من أنْ تطاله يد المساءلة عن عمليات الفساد المنظمة والمتعددة التي يتورط فيها، قاد قائد الحرس الثوري بالعاصمة طهران محمد رضا يزدي لإبداء استيائه من محاولات السلطة القضائية للتعامل بشفافية مع ملفات الفساد ودعوتها للشعب لمراقبة هذه الملفات والكشف عنها لتقديم المتورطين فيها للعدالة.

الغريب في الأمر أنّ يزدي لم يكتفِ كما هو معهود بنفي أيّ دورٍ للحرس في الفساد الذي ضرب معظم المؤسَّسات الإيرانية، بل قلل بشكلٍ غريب من حجم الفساد بالقول: «إذا جمعنا كافة أعمال الاختلاس، ستصل إلى 80 ألف مليار تومان(نحو 19 مليار دولار بالسعر الرسمي)، وهو ليس بالرقم الكبير مقارنةً بميزانية الدولة خلال السنوات العشر الماضية»، كأنما يقول إنّ هذا المبلغ لا يعني شيئًا بالنسبة لايران وضاربًا عرض الحائط بالآلاف من مِلفات الفساد التي يتمُّ الكشف عنها يوميًّا من اختلاسات ورشاوٍ وغسيل أموال والاتجار بالمخدرات والتهريب والتي تُقدر بمئات المليارات من الدولارات وليس بمليارات التومانات كما زعم.

وكعادة قادة الحرس الثوري في التملص من التهم وتعلیق الفشل والإخفاقات على شماعة الآخرين، فقد وجّه يزدي أصابع الاتهام للأعداء بتضخيم عمليات الفساد. لكن يبدو أنّ الأعداء المزعومين في هذا الموضوع كُثُر وليسو أعداء النظام فحسب، فقد سبق للرئيس روحاني أن حذّر من النتائج الكارثية لدخول العسكر في المجال الاقتصادي وهُنا كان روحاني يعني بالتحديد انتشار الفساد في مؤسَّسة الحرس الثوري وليس الجيش الذي ظلّ يُثني عليه؛ كونه لم ينشغل بالمشاريع والشركات الاقتصادية ولم يتورط في نشاطاتٍ تتعارض مع دوره وَوظائفه، وفي 2017م ضغطت الحكومة كي يتخلى الحرس الثوري عن بعض حصصه في شركات معينة لصالح الحكومة، لكن فشلت كل محاولات الرئيس روحاني للحدِّ من النفوذ المالي والاقتصادي للحرس الثوري والذي ساهم لحدﱟ كبير ليس فقط في إعاقة مساعي الإصلاح الاقتصادي في إيران بل زاد من التحديات الاقتصادية العديدة التي تُواجه حكومة روحاني بشكلٍ خاص والنظام الإيراني على وجه العموم.كما كشفت حالة التنافس والصراع الداخلي بين مختلف التيارات السياسيّة بالنظام الإيراني، عن عددٍ ضخم من مِلفات الفساد داخل مؤسَّسة الحرس الثوري، وخلال الفترة الأخيرة وُجِّهت اتهاماتٌ مباشرة للحرس وبعض كبار قادته بالفساد وذلك من قِبل مؤسَّسات تابعة للنظام الإيراني.

تبريرات يزدي تحملُ في طياتها رغبةً أكيدة من الحرس الثوري في عدم التراجع – تحت أيّ ظرف – عن مكتسباته المالية الضخمة التي حققها منذ دخوله في الأنشطة الاقتصادية خلال فترة البناء التي أعقبت الحرب الإيرانية-العراقية والتي وصلت إلى ذروتها خلال فترة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بعد أنْ تمكّن الحرس الثوري من بسط سيطرته على معظم المؤسَّسات الاقتصادية المُهمة في إيران. وقد تُساهم هذه التبريرات في إفشال الجهود التي تقوم بها السلطة القضائية لمكافحة الفساد وترسلُ إشاراتٍ للجهات المتورطة بالفساد بالتمادي في فسادها.

وأخيرًا يمكن القول: إنه نتيجةً للدور الكبير الذي يضطلع به الحرس الثوري ومكانته في بنية النظام الإيراني فضلًا عن كونه غير خاضعٍ للمساءلة سواءً من قِبل الحكومة أو البرلمان أو أيّ مؤسَّسة أخرى ومكانته وأهميته بالنسبة للمرشد علي خامنئي، قد يكون من المستبعد أن تشمل محاكمات مكافحة الفساد الحرس الثوري أو قادته، لكن نتيجةً لاستمرار الكشف عن حالات الفساد في هذه المؤسَّسة وسخط الشعب الإيراني من ممارساتها المالية والقمعية، قد يجد النظام الإيراني نفسه مضطرًا لإجراء بعض المحاكمات الصورية على عددٍ محدودٍ من منسوبي هذه المؤسَّسة يكون الهدف منها إثبات أنَّ ممارسات الفساد داخل الحرس الثوري فردية، وكذلك لإثبات ما ذهب إليه إبراهيم رئيسي وهو التعامل بشفافيّة مع جميع مِلفات الفساد.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية