شقّة بمساحة 25 م2.. التناقض بين سياسة الإسكان الجديدة لإيران وسياستها السكانية الرسمية

https://rasanah-iiis.org/?p=21741

اتفقت بلدية طهران ووزارة الداخلية على تطوير شقق بمساحة 25-40 مترًا مربّعًا في ديسمبر 2019، ويبدو أنّ البرلمان الجديد سيوافق عليها. قبل هذه الاتفاقية، كان الحدّ الأدنى لمساحة الشقق في طهران 35 مترًا مربعًا. السؤلان اللذان نطرحهما هنا: لماذا غيَّرت الحكومة الإيرانية سياسة تطوير 35 مترًا مربّعًا للشقق؟ وهل هذه السياسة تتماشى مع السياسات الاجتماعية الحكومية الأخرى مثل النموّ السكاني؟

تضاعف متوسِّط سعر الشقق بمساحة 35 مترًا مربّعًا في طهران والمناطق الحضرية الأخرى ثلاث مرّات تقريبًا في العامين الماضيين من 7 ملايين تومان في عام 2018 إلى 19 مليون تومان في عام 2020. وعادةً ما تُقرِض البنوك مشتري المنازل قروضًا تعادل الثلث إلى النصف من أسعار العقارات، ووصل الحد الأدنى للأجور لعام 2020 إلى نحو 3 ملايين تومان، لذلك فإنّ أيّ زوجين شابّين عاملين -إذا كانا محظوظين بما يكفي للحصول على وظيفة- يحتاجان إلى توفير كلّ المال الذي يكسبانه لمدَّة 12 عامًا لشراء شقّة مساحتها 40 مترًا مربّعًا، بافتراض أنّ الأسعار لن ترتفع، وأنّ شخصًا ما يوفِّر كلّ النفقات الأخرى في نفس المُدَّة المذكورة.

وهذا مستحيل، لذا فالحلّ لنحو نصف السكان في إيران ألّا يسعوا إلى العيش في سكن كريم، وقد تضاعف عدد قاطني العشوائيات وأحياء الصفيح في العامين الماضيين من 19 مليونًا في عام 2018 إلى 38 مليونًا في عام 2020. والحلّ الآخر للأشخاص الذين لديهم أجور أفضل هو خفض توقُّعاتهم. ونظرًا إلى التضخُّم في سوق الإسكان وصعوبات الادخار، فإنّه يجب على الناس خفض توقُّعاتهم، والقبول بالشقق الأصغر للعيش. ويُعتقَد أنّ سياسة الإسكان الجديدة قد صيغت لمعالجة هذا الواقع.

مع الأخذ في الاعتبار تقلُّص حجم الأسرة في إيران، تتوافق سياسة الإسكان الجديدة مع اتجاه النموّ السكاني في البلاد. ففي عام 1976، كان متوسِّط حجم الأسرة في إيران خمسة أشخاص، ووصل هذا الرقم إلى 5.1 شخص في عام 1986 بنموّ سكانيّ بلغ 3.6% خلال الحرب العراقية-الإيرانية. لكن بعد الحرب، انخفض بشكل تدريجيّ ووصل إلى 4.8 شخص في عام 1996 و4 أشخاص في عام 2006. وفي عامَي 2011 و2016 بلغ متوسِّط عدد الأشخاص في الأسرة 3.5 و3.3 شخص على التوالي، ما يعني أنّ الأُسر الإيرانية وصلت إلى متوسِّط أقلّ من طفلين.

إنّ انكماش حجم الأُسرة له أسباب اقتصادية واجتماعية عديدة، أهمّها ارتفاع معدَّلات البطالة، الذي يصل إلى 60 في المئة في بعض المدن وإلى 60 في المئة لبعض خرِّيجي الجامعات. وقال رئيس مركز الإحصاء الإيراني، في إشارة إلى معدَّل البطالة في ربيع عام 2020: «غادر مليونا شخص سوق العمل وفقدَ 1.5 مليون شخص وظائفهم.. وأظهرت النتائج أنّ تأثير فيروس كورونا المستجد على سوق العمل في البلاد في الربيع مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي واضح تمامًا». ووفقًا لهذه النتائج، زادت نسبة العاطلين عن العمل في البلاد، بينما واجهت القوّة العاملة انخفاضًا ملموسًا، وهنالك نسبة كبيرة من السُكّان ضمن البطالة الجزئية، و41% فقط من السُكّان الذين هُم في سنّ العمل (15 سنة فما فوق) ناشطون اقتصاديًّا.

لا تتوافق سياسة الحدّ الأدنى من الشقق بمساحة 25 مترًا مربّعًا مع السياسة السكّانية الرسمية للحكومة. لقد بدأ علي خامنئي حملته لزيادة النموّ السكاني في عام 2012 وطالب بمضاعفة عدد السكان. واستجابةً لحملته للنموّ السكاني توقَّفت المراكز الصحِّية الإيرانية عن توفير وسائل منع الحمل الرخيصة أو المجانية للفقراء، وفُرضت قيودٌ على الإجهاض، كما وفَّرت الحكومة بعض الاستحقاقات المالية للعائلات الكبيرة.

تعارض التوجُّهات السكانية للشعب الإيراني حملة خامنئي للنموّ السكاني، إذ إنّ معدَّلات النموّ السكاني شهدت تراجعًا مطردًا. ووفقًا لأحدث إحصائيات منظَّمة التسجيل المدني، كان عدد المواليد في عام 1398 (مارس 2019-مارس 2020) أقلّ بـ170.000 عن عام 1397. في العام السابق 1396 بلغ عدد المواليد أقلّ من 120.000، وكان هناك انخفاض بـ203.710 ولادة في 1397 مقارنة بـ1394. كما انخفض معدَّل المواليد من نحو 20 ولادة لكلّ 1000 امرأة في 1394 إلى 16.7 ولادة لكلّ 1000 امرأة في 1397.

منذ عام 2012، كان الانخفاض في النموّ السكاني كبيرًا، إذ انخفض معدَّل النموّ السكاني في إيران من 1.29% في عام 2011 إلى 1.24% في عام 2016. وانخفض معدَّل النموّ السكاني في إيران في عام 2019 إلى أقلّ من 1%، وبالطبع حتّى مع نسبة 1% سوف يُضاف نحو 830 ألف شخص إلى سُكّان إيران.

في الآونة الأخيرة، اشتكى علي خامنئي من أنّ حملته للنموّ السكاني لم تُؤخَذ على محمل الجدّ، قائلًا: «شدَّدت على هذه القضية مرارًا وتكرارًا في السنوات القليلة الماضية، لكن للأسف بعد النظر إلى النتائج اتّضح أنّ تأكيدها لم يكُن له أثرٌ كبير.. ولعلّ هذه (السياسة) تحتاج إلى القانون، ويجب على الجهاز التنفيذي متابعة ذلك بجدِّية، ويجب أن تُؤخَذ مسألة الإنجاب على محمل الجدّ». وتُظهِر شكواه هذه أنّ سياسة الحكومة تتعارض مع سياسة خامنئي، وأنّها أكثر واقعية، ومتناغمة مع الاتجاهات الاجتماعية في البلاد.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير