طريق تجاري عابر للقارات بين روسيا وإيران لتحدي العقوبات الأمريكية

https://rasanah-iiis.org/?p=30097

حسب ما أفاد به مقالٌ نشرته «بلومبرج»، في 21 ديسمبر 2022م، تشرعُ روسيا وإيران ببناء طريقٍ تجاريٍ جديد لمواجهة العقوبات (انظر الخريطة رقم ١). ومن المتوقع أن يمتد الطريق من الجانب الشرقي لأوروبا، من أوكرانيا إلى المحيط الهندي، بطول 3000 كيلومتر، وسيكون بعيدًا عن أيّ تدخُّل أجنبي. وينفق البلدان مليارات الدولارات لإنشاء البنية التحتية للطُرق والسفن والسكك الحديدية على طول هذا الطريق، الذي سيمنح الشركات الروسية فرصًا لدخول أسواق إيران والهند وآسيا، وكذلك الشرق الأوسط. وفي وقت سابق من ديسمبر 2022م، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنَّ بحر آزوف «أصبح بحرًا داخليًا» لروسيا. ومن المتوقع أن تمتد شبكات الممرات والأنهار والسكك الحديدية التابعة للطريق من هذا البحر إلى الموانئ الإيرانية الواقعة على بحر قزوين، ومن ثمَّ إلى المحيط الهندي.

خريطة (١): طريق التجارة الروسي-الإيراني لمقاومة العقوبات

المصدر: موقع يمن مونيتور، https://bit.ly/3ZosiqL نقلًا عن وكالة «بلومبرغ»، Bloomberg

هنالك عديدٌ من الاعتبارات والدوافع الروسية والإيرانية تقف خلف بناء الطريق التجاري، وأيضًا مجموعة من الآثار الإستراتيجية الناجمة عن القيام بتلك الخطوة. أولًا: فُرِضت عقوبات صارمة على كلا البلدين، نجمت عنها آثارٌ مدمِّرة على اقتصادهما. لذلك؛ يحتاج البلدان إلى ممراتٍ آمنة لتحدِّي العقوبات، وتلبية مطالب السكان المضطربين، خاصةً أنَّ روسيا لا تزال تواصل حربها في أوكرانيا، ولا تزال إيران مستمرةً في تبديد موارد الشعب الإيراني؛ من أجل تحقيق تطلعاتها التوسُّعية بينما تواجه انتفاضةً داخلية لا نهايةَ لها، كما يبدو. لطالما تطرَّق المسؤولون الإيرانيون إلى رغبتهم في «التوجُّه شرقًا»، إذ أعطت حكومة رئيسي الأولويةَ للتوجُّه نحو الشرق، وإقامة علاقات أوثق مع جيرانها في آسيا. أمّا روسيا فتوجُّهها نحو الشرق مدفوعٌ بمبدأ الضرورة، إذ تسعى موسكو للحصول على ملاذٍ آمن من الشرق والصين؛ من أجل مواجهة المساعي الغربية لعزلها، ولتحدي العقوبات الغربية أيضًا. أخيرًا، تُدرك كلٌ من روسيا وإيران أنَّ الممر البري سيُصعِّب على الغرب تتبُّعَ ومراقبةَ روسيا، على عكس الطُرق البحرية؛ الأمر الذي سوف يوفِّر لكلا البلدين طريقًا يقاوم العقوبات، ويتمكَّن من نقل الأسلحة والسلع بين البلدين، وإلى الأسواق الأخرى أيضًا. ثانيًا: يتحدى الروس والإيرانيون والصينيون النظامَ الغربي، ويسعون لتغيير قواعد اللعبة الحالية. يُساهم هذا الطريق في تحقيق غايتهم بتغير قواعد اللعبة، من خلال توفير ممرٍّ مستقلٍ عن الغرب، لاسيّما أنَّه يربط بسلاسة آسيا وآسيا الوسطى؛ الأمر الذي سوف يوفِّر أسواقًا اقتصاديةً ضخمة لبضائع هذه البلدان الثلاث. ويمثِّل هذا المثلث الروسي-الإيراني-الصيني، على الرغم من التعقيدات التي تشوبُه، محورًا خطيرًا بالنسبة للغرب، لما لديه من قُدرة على بثّ القلاقل والتهديدات للمصالح الغربية، في جميع أنحاء الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وقد كانت الدول الثلاث مجتمعةً مدفوعة باعتبارات براغماتية، في خِضَم العداء الغربي تجاه الدول الثلاث، والذي من غير المرجَّح أن يتلاشى قريبًا؛ لذا من المتوقَّع أن نشهد مزيدًا من المشاريع التجارية والاقتصادية والعسكرية بين الدول الثلاث؛ ما سيفرض مزيدًا من التحديات أمام النظام الغربي وترتيباته. ثالثًا: سيُعزِّز هذا الممرّ العلاقات بين روسيا وإيران، فكل طرف يحتاج الآخر لعدَّة أسباب، على رأسها مواجهة العقوبات والعزلة الدولية. وبالنظر إلى مسار هذه العلاقات، فمن المرجَّح أن تواجه الجهود الإقليمية والدولية صعوباتٍ في التصدي لإيران نظرًا لما تتلقّاه من دعمٍ روسي في المحافل الدولية. علاوةً على ذلك، تنظر روسيا إلى إيران باعتبارها جزءًا من خريطتها الجيوسياسية؛ وبالتالي، فإن إلحاقَ أيّ ضررٍ بطهران من المرجَّح أن يؤثِّر سلبًا على تطلُّعات روسيا الجيوسياسية. وتوزِان إيران بحذر علاقاتها بين روسيا والصين كإستراتيجية دفاعية؛ لتخفيف الضغوطات الغربية المفروضة عليها، محاولةً أيضًا إرضاخَ الغرب للتوصُّل إلى اتفاقٍ نوويٍ جديد. رابعًا: يُعطي هذا الطريق مثالًا كيف تشكِّل القوى العظمى المنافسة علاقاتها وشبكاتها التجارية في الاقتصاد العالمي المُقدَّر له أن ينقسم إلى كتلٍ وتحالفاتٍ منافسة؛ ما سيُشكِّل تحدِّيًا لنظام العالمي الحالي صاحب القطب الواحد، الذي تتزعَّمه الولايات المتحدة الأمريكية. سوف يكون الهدف من وراء هذا الطريق، هو حماية الروابط والممرات التجارية من السطو والتدخلات الغربية، وتطوير البنية التحتية الاقتصادية، التي تربط اقتصادات آسيا وآسيا الوسطى مع روسيا والصين؛ المحورين الأساسين في هذه البنية الاقتصادية. نظرًا لقرب إيران وروابطها الطبيعية بالعديد من هذه الاقتصادات، ستعتمدُ موسكو وبكين بشكلٍ كبير عليها في تطوير شبكات وروابط تجارية جديدة، لاسيّما أنَّها تعمل كمحرِّكٍ للخطة الجيوسياسية لكلٍّ من روسيا والصين. في الختام، يُعَدُّ هذا الطريق التجاري تطوُّرًا مهمًا؛ لأنَّه سوف يوفِّر منفذًا بالغ الضرورة لروسيا وإيران؛ من أجل تحدِّي العقوبات الغربية لإنعاش اقتصادهما، والأهم من ذلك، سيكون وسيلةً لكلا البلدان لتعزيز علاقاتهما الدفاعية؛ ما يمنح موسكو مطلقَ الحرية لنقل السلاح إلى إيران، ومنها إلى سوريا. مع تزويد إيران بطائرات مسيَّرة وصواريخ متوسطة المدى لروسيا لدعمها في حربها على أوكرانيا، سوف تزداد هذه الإمدادات عبر هذا الطريق التجاري، في ظل عدم وجود أدوات في يد الغرب؛ للحيلولة دون حدوث ذلك. ويشكل هذا الممرّ أيضًا تحدِّياتٍ إستراتيجية للولايات المتحدة؛ لأنه سيوفِّر نقاط ربطٍ سهلة مع الصين، ويُسهم في إيجاد خريطة جيوسياسية تدعم بقوة موسكو وبكين على حساب المصالح الأمريكية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير