مساعي إيران لتنفيذ اتفاق أمن الحدود مع العراق

https://rasanah-iiis.org/?p=32893

دفعت الاحتجاجات الدامية المناهضة للحكومة الإيرانية في إقليم كردستان المضطرب، العام الماضي، التي تلتها غارات جوِّية إيرانية استهدفت معاقل كردية مسلحة داخل العراق، إلى عقد سلسة من المحادثات مؤخَّرًا بين إيران والعراق. وارتفعت وتيرة المفاوضات في الأشهر الأخيرة، وكذلك المحادثات الإضافية، التي عُقِدت بين طهران والاتحاد الوطني الكردستاني، لصياغة اتفاقٍ جديد لأمن الحدود.

أمّا الاتفاق الجديد، الذي وُقِّع في مارس من هذا العام، فقد جرى تنفيذ بعض بنوده ولم يُنَفَّذ بالكامل. ومن المتوقَّع، على سبيل المثال، وقْف القصف الإيراني لعديد من المواقع، التي ينشط فيها المسلحون الأكراد داخل العراق. وكانت إيران قد هدَّدت في السابق بأنَّها ستتحوَّل إلى الخطة «باء» لتنظيف الحدود مع العراق، وسوف يشمل ذلك استئناف الضربات على أهدافٍ كردية، دون التنفيذ الفوري للاتفاق.

المصدر: ميزان أونلاين – تصوير: إيمان فتحي

توقَّف شنّ إيران للغارات الجوِّية الدورية، التي تستهدف الانفصاليين الإيرانيين الأكراد العاملين داخل العراق لفترةٍ وجيزة، بمجرَّد بدء المحادثات لصياغة الاتفاق مع العراق.

وتضمَّنت المحادثات استكشاف سُبُل إنهاء تحرُّكات الجماعات الكردية الانفصالية عبر الحدود. وتزعم طهران أنَّ هذه الجماعات «إرهابية»، وشدَّد الرئيس إبراهيم رئيسي على أنَّه لن يتسامح مع هذه الجماعات العاملة على طول الحدود الإيرانية بعد الآن.

وفي المحادثات، جرت مناقشة نزْع سلاح الانفصاليين الأكراد، ومن ثَمَّ نقلهم إلى مخيّمات اللاجئين داخل العراق، إذ تُرصَد تلك العناصر من حرَّاس الأمن العراقيين.

في 19 مارس الماضي، عندما أبرمت بغداد وطهران الاتفاق الأمني لتشديد عمليات المراقبة لحدودهما المشتركة، قرَّر كلا الطرفين إحكام السيطرة على كل جماعات المعارضة الكردية المسلحة، التي تعمل على طول المنطقة الكردية الحدودية بين العراق وإيران، وتعهَّد العراق حينها بأنَّه سيمنع الجماعات الكردية المسلحة من استخدام الأراضي العراقية لشن هجماتٍ عبر الحدود على إيران، لكنه فشل في نزع سلاح جميع الجماعات بالكامل بحلول أغسطس من هذا العام، الأمر الذي أدّى إلى تجديد المُفاوضات من أجل إبرام اتفاق حدودي أقوى مع إيران.

وحسبما أفادت مصادر إخبارية إيرانية، فإنَّ التحدِّيات الرئيسية تتمثَّل في أنَّ الجهات الفاعلة المتنافسة في حكومة إقليم كردستان رُبّما تعاونت مع الانفصاليين الأكراد لتهديد الأمن الإيراني. وعلى سبيل المثال، تنشب خلافات متكرِّرة بين قوات الاتحاد الوطني الكردستاني، التي تساعد إيران، والحزب الديمقراطي الكردستاني الموالي للولايات المتحدة، ومقرّه أربيل.

في 17 سبتمبر الماضي، شنَّت بغداد أخيرًا عملياتٍ عسكريةً من أجل التخلُّص من الانفصاليين الأكراد على الحدود مع إيران، وذلك من خلال جهود منسَّقة مع حكومة إقليم كردستان. وطالب الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني بالتخلُّص من الانفصاليين بشكل كامل قبل 19 سبتمبر الماضي، وحذَّرت وزارة الدفاع الإيرانية من أنَّ الموعد النهائي لن يُمَدَّد.

لكن بِحلول 19 سبتمبر الماضي، كانت إيران لا تزال تصدر إنذارًا نهائيًّا لمدة شهر غير قابلٍ للتجديد، من أجل استئناف الغارات الجوِّية على العراق، كما كانت في حاجة إلى إجابات عن سبب فشل بغداد في مراقبة الحدود على الرغم من الوعود، التي أطلقها العراق.

وفي سلسلة من الاجتماعات اللاحقة مع بغداد وحكومة إقليم كردستان، تلقَّت طهران تأكيداتٍ أنَّه سوف تُنقل الجماعات المسلحة الكردية، وأن محاولاتها لشنّ عملياتٍ عسكرية ضد المصالح الإيرانية ستُحبَط. وتعهَّدت بغداد مرّةً أُخرى بنزع سلاح الجماعات الانفصالية الكردية الإيرانية.

وفي غُضون أيام، اتُّخِذت خطوات جديدة لتطهير جميع القواعد العسكرية داخل العراق، التي يديرها حزب الحرِّية الكردستاني وحزب الحياة الحُرَّة الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (انظر الجدول 1)، وتضمَّنت الخطوة التالية نزْع سلاح هذه الجماعات.

وفي الوقت الذي كانت إيران تبني فيه قواتها على طول الحدود مع حكومة إقليم كردستان، كانت تدعو بحلول أكتوبر إلى وضع «خارطة طريق» لطرد الجماعات الكردية الانفصالية، ونزْع سلاحها بالكامل.

وفي ذلك الحين، انتقلت مجموعةٌ من المسلحين الأكراد إلى معسكراتٍ داخل العراق، لكن بعيدًا عن الحدود مع إيران. وفي الوقت نفسه، تعهَّد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بأن تستأنف البلاد القصف عن طريق الطائرات المسيَّرة والمدفعية ضد المواقع الكردية في العراق، ما لم تُنَفَّذ عملية نقلٍ لتلك العناصر بالكامل.

الجدول 1: قائمة الجماعات الكردية النشطة المناهضة لإيران في شمال العراق

الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (KDPI)  
حزب كومله الإيراني الكردستاني (KPIK)
منظَّمة كومله للحزب الشيوعي الإيراني (KOICP)
حزب الحرِّية الكردستاني (PAK)
حزب الحياة حُرَّة الكردستاني (PJAK)

مصدر البيانات: وكالة الأناضول

وتواصل إيران التأكيد أنَّ العراق في حاجةٍ إلى بذْل مزيد من الجهود من أجلِ المُضي قُدُمًا لإبرام الاتفاق الأمني الثنائي. ومن المتوقَّع أنَّ رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، المدعوم من ائتلاف الأحزاب الموالية لإيران داخل العراق، سيشهد بنفسه هذا الاتفاق الجديد، الذي يتضمَّنه نشْر حرس الحدود لمنع الانفصاليين الأكراد من أن يُزَعْزِعوا الأمن الإيراني.

ومع ذلك، تقول طهران إنَّه يجب على بغداد القضاء على جميع مصادر انعدام الأمن، التي قد تسبَّب فيها الانفصاليون، وبحْث السُبُل لتنفيذ الاتفاق، بما في ذلك بناء مزيد من النقاط الحدودية داخل العراق، ويُوجَد اتفاق حدودي جديد محتمل بين العراق وتركيا، هذه الدولة التي تحاول أيضًا السيطرة على الجماعات الكردية الانفصالية على طولِ حدودها.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير