مواقف الدول الأوروبية في دافوس.. ما بين التحديات الجيوسياسية والازدهار الاقتصادي

https://rasanah-iiis.org/?p=34185

في «دافوس 2024م»، نُوقِشت القضايا الجيوسياسية الرئيسية، مثل الذكاء الاصطناعي، وتغيُّر المناخ، والحرب الروسية-الأوكرانية، وحرب غزة، وأزمة البحر الأحمر، والانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024م، وانقسام النظام الدولي. وقدَّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وجهات نظرهم إزاء الشؤون الدولية، مع التركيز على المصالح الجيوسياسية الأوروبية والتحدِّيات العالمية.

 أولًا: سلَّط ماكرون الضوء على التحرُّكات الفرنسية والأوروبية، خلال السنوات الست الماضية، مع الأخذ في الاعتبار الإنجازات الرئيسية، التي حقَّقتها بلاده منذ زيارته الأخيرة إلى دافوس، وأكد نجاح جهود الدفاع الجماعي على المستوى الأوروبي، في سياق الحرب الروسية-الأوكرانية. وأشار الرئيس الفرنسي أيضًا إلى قُدرة أوروبا للسيطرة على التضخم، وسياستها لِتعزيز النمو الاقتصادي، والإدارة الاقتصادية الجديدة على المستوى الأوروبي. وبعد ست سنوات من زيارته الأولى، تحدَّث ماكرون عن خلْق 2 مليون وظيفة في فرنسا، وإلى عملية إعادة تصنيع الاقتصاد الفرنسي، وحقيقة أنَّ فرنسا هي الدولة الأكثر جذبًا للاستثمار الأجنبي في أوروبا. وأخيرًا قال إنَّ الإنتاج الفرنسي للسيارات الكهربائية، سيصِل إلى الرقم مليون بحلول عام 2027م.

ولا يزال يصُبّ الرئيس الفرنسي تركيزه الرئيسي على تحقيق السيادة الأوروبية في مجال الطاقة، ومواجهة تَغَيُّر المناخ. وبصورة عامَّة، سيكون 2024م عامًا حاسمًا بالنسبة للرئيس ماكرون، وللمشروع السياسي لأوروبا ذات السيادة الأكبر. وأوضح ماكرون أنَّ جائحة فيروس كورونا والحرب الروسية-الأوكرانية سلَّطتا الضوء على اعتماد أوروبا المُفرِط على مناطق معيَّنة، في سياق سلاسل التوريد الحيوية، والحاجة إلى التحرُّك نحو اقتصادٍ عالمي يتميَّز «بالتوازن والاتّساق والاحترام».

في دافوس، أعرب ماكرون عن تفضيله لإستراتيجيةٍ تَحدُّ من خطرِ التصعيد في العلاقاتِ بين الولايات المتحدة والصين. واعترف بأنَّه في خِضَمّ الحرب الروسية-الأوكرانية، أصبحت تكلفة الطاقة بالنسبة لأوروبا عاملاً حاسمًا في قُدرة أوروبا على تعزيز وخلْق الازدهار في دولها، ويمكن تلخيص أجندته لعام 2024م في ثلاث أفكار رئيسية: لا تستطيع روسيا الفوز في حربها مع  أوكرانيا، وحسب قوله، تعتمد روسيا الآن على الصين وتستطيع أوكرانيا تحقيق الانتصار في الحرب ضدّ روسيا، وسيكون 2024م عامًا حاسمًا للأوروبيين مهما حدث بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويُعَدُّ السلام والأمن بالشرق الأوسط مفتاح النمو الاقتصادي العالمي، وثمَّة حاجة إلى وقْف فوري لإطلاق النار في غزة؛ لتفادي تزايُد عدم الاستقرار في الجوار الأوروبي. وأخيرًا، قدَّم ماكرون خطَّة «فرنسا 2030م»،كخطَّة استثمارية مستقبلية بقيمة 54 مليار يورو بين عامي 2021 و2026م.

ثانيًا: أعرب رئيس الوزراء  الإسباني سانشيز عن  قلقه إزاء «بقاء النظام الدولي القائم على القواعد، والذي جلب لنا الكثير من الازدهار، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية». وأشار إلى خطر انقسام النظام الدولي. وسلَّط الضوء على مخاطر الحرب الروسية-الأوكرانية ودافع عن فكرة «وجود قمَّة سلام مستقبلية تدعم المبادئ والقِيَم المنصوص عليها في ميثاق الأُمم المتحدة». كما أشار سانشير إلى الحرب في سوريا، حيث أودت هذه الحرب المنسية، حتى الآن، بحياة أكثر من 300000 روح، ولقد قُتِل 4000 في العام الماضي وحده. وشدَّد رئيس وزراء إسبانيا على أنَّ الحرب في غزة وخطر «كارثة إنسانية»، يجب أن يعزِّزا الدعوة والحاجة إلى وقْف فوري لإطلاق النار وعقد مؤتمر دولي؛ من أجل التوصُّل لحل نهائي لهذا الصراع الطويل الأمد، والذي يعترف بوجود دولتين؛ إسرائيل وفلسطين، تعيشان في سلام وأمن. وفيما يخُصّ ما هو أبعد من الحرب في غزة، شدَّد سانشير على «أنَّ التجارة والازدهار على المحكّ، وكذلك استقرار الشرق الأوسط بأكمله، واستمرارية النظام المتعدِّد الأطراف». كان هذا الربط بين الأزمات المحلِّية والإقليمية وخطر انقسام النظام الدولي، هو النقطة الرئيسية في خطاب رئيس الوزراء الإسباني، كما قدَّم إنجازات بلاده من حيث النمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي، خاصَّةً في مجال الذكاء الاصطناعي.

ثالثًا: أشار رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس إلى الانقلاب المؤيدِ لإسرائيل في بلاده في 1990م، خلال حُكم والده، لكنّه رفض الإجابة على سؤالٍ حول إمكانية عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية بعد انتخابات 2024م.

أخيرًا، أوضحت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي فون دير لاين، أنَّه «قبل عامين من العدوان الروسي على أوكرانيا، استورد الإتحاد الأوروبي وحدةً من كل خمس وحدات من الطاقة المستهلكة في الاتحاد، في عام 2021م، من روسيا». وسلَّطت الضوء على كيفية تمكُّن الأوروبيين من الاستجابة للإستراتيجية الروسية، في توظيف الطاقة كأداة سياسية لتقسيم الدول الأوروبية. ويُعتبَر التهديد الرئيسي لعام 2024م بالنسبة لفون دير لاين، هو المعلومات المضلِّلة. وفي الواقع، وفقًا لما تراه رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، تتفاقم التحدِّيات العالمية بسبب المعلومات المضلِّلة، وفي هذا السياق الصعب، تعتقد أنَّ أوروبا يجب أن تكون رائدةً عالميةً وكيانًا متماسكًا قادرًا على مواجهة روسيا، وتعزز السلام والازدهار في الشرق الأوسط، وكذلك النمو الاقتصادي القوي، الذي يتوافق مع الاستدامة البيئية. واتّفق جميع القادة الأوروبيين على هذه الأهداف الثلاثة الحاسمة في دافوس؛ يجب أن تبقى أوروبا في صُلب هدف حماية ما يُسمَّى بالنظام الدولي القائم على القواعد، وفي الوقت نفسه تعزيز الرخاء والاستقرار في جوار الاتحاد الأوروبي.

ناقش الأوروبيون في «دافوس 2024م»، الذكاء الاصطناعي، وتغيُّر المناخ، والصراعات العالمية. وشدَّد ماكرون على النجاح الاقتصادي الفرنسي، وسيادة الطاقة، والتوازن الإقتصادي العالمي. وشدَّد قادة آخرون على الحاجة إلى نظامٍ دولي قائم على القواعد، ووقْف التصعيد في الشرق الأوسط.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير