هل خسر روحاني الشعب ليكسب المرشد؟

https://rasanah-iiis.org/?p=13597

بإعلان المتحدث الرسميّ للبرلمان الإيرانيّ عدم تحويل طلب السؤال الذي قدَّمه نواب البرلمان لرئيس الجمهورية إلى السُّلْطة القضائيَّة، يُغلَق ملفّ أكبر مواجهة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الجمهورية الإيرانيَّة، التي راح ضحيتها وزيرَا الاقتصاد والعمل بالحكومة الإيرانيَّة، وكان البرلمان سيطرح اقتراع سحب الثقة من روحاني إذا حُوّلت إجابات روحاني عن طلب السؤال ذي الجزئيات الخمس إلى السُّلْطة القضائيَّة، بعد أن تُحدِّد ما إذا كان الرئيس الإيرانيّ انتهك القانون أو استنكف العمل به.

أسباب تَحرُّك البرلمان لمساءلة الحكومة
تحت ضغوط تَردِّي الأوضاع الاقتصادية واستمرار التظاهرات والاحتجاجات الشعبية منذ ديسمبر 2017م، فضلًا عن خروج الولايات المتَّحدة من الاتِّفاق النووي واستئناف العقوبات الاقتصادية واقتراب موعد فرض الحظر على الصادرات النِّفْطية الإيرانيَّة، تَحرَّك البرلمان الإيرانيّ، الذي لا تتضح انتماءات أعضائه إلا لدى التصويت حول القرارات الفارقة على مستوى التوازنات الداخلية،   لاستجواب الحكومة الإيرانيَّة.
ومن ناحية أخرى لم يمانع المرشد هذا التحرُّك البرلماني، إن لم يكُن محرِّكًا له، فمن خلال مساءلة البرلمان للحكومة الإيرانيَّة يضفي المرشد على النِّظام الإيرانيّ طبيعة ديمقراطية ويقلِّل   الغضب الجماهيري تجاه شخصه وتجاه الحرس الثوري والهيئات الاقتصادية التابعة لهما، والأهمّ قياس مدى ولاء روحاني للمرشد والنِّظام، بخاصَّة أن إيران على أعتاب مواجهة   اقتصادية كبيرة مع الولايات المتَّحدة وحلفائها، لذا كان المرشد بحاجة إلى أن يتبين هل روحاني هو الرئيس المناسب لخوض المواجهة القادمة، أم عليه أن يعيد تنظيم البيت الإيرانيّ من الداخل ويتيقن من صلابة التماسك الداخلي على مستوى النخبة الحاكمة.
في خلفية المشهد كان الحرس الثوري يراقب أداء روحاني في الردّ على أسئلة البرلمان، ويضع حساباته الخاصَّة بعد أن جعل روحاني في اختبار صعب أمام المرشد، في حين أن من   يُسَمَّون «النواب الإصلاحيين» في البرلمان لم يصطفُّوا بالشكل الكافي لدعم روحاني، ليس هذا فحسب بل وشكَّلوا فصيلًا إضافيًّا ساعيًا لمحاسبة روحاني، سواء بدافع معالجة الأوضاع   الاقتصادية المتردية أو للانتقام من عدم منح روحاني أيًّا من الحقائب الوزارية للإصلاحين، في فترتيه الرئاسيتين الأولى والثانية.

 روحاني.. بين المواجهة والمهادنة
ذهبت التحليلات عند تَقدُّم النواب بطلبات الاستجواب لأعضاء حكومة روحاني، إلى أن الرئيس الإيرانيّ سينتهز الفرصة لاتهام الحرس الثوري وبيت المرشد بالمشاركة في  تدمير الاقتصاد الإيرانيّ إلى جوار العقوبات الدولية وخروج الولايات المتَّحدة من الاتِّفاق النووي، لكن حسابات التوازنات السياسية الداخلية دفعت روحاني إلى إعادة التفكير، وعدم الخلط بين التصريحات الإعلامية التي تحقِّق له شعبية إلى حدّ كبير بين المواطنين الإيرانيّين والمواقف المصيرية التي من الممكن أن تشكِّل مستقبله السياسي، بل والحياة السياسية الإيرانيَّة بشكل كامل.

الخيارات المتاحة
لقد وجد روحاني نفسه أمام عدة خيارات، أولها أن يوجه الاتهامات إلى الحرس والمرشد فيشتعل الموقف ويكون البرلمان هو الحكم في هذا الصراع، مع الأخذ في الاعتبارات عدم امتلاك  الإصلاحيين أغلبية واضحة في البرلمان، فضلًا عن عدم رضا الإصلاحيين عن أداء روحاني، وفي هذه الحالة من المتوقَّع أن يتكتل ضدَّه المحافظون والإصلاحيون الغاضبون، ولا شكّ أن هذه   الكتلة سيزداد عددها بتشجيع من المرشد والحرس، وحينها لن يكون من الصعب تجميع ثلث أعضاء البرلمان للاقتراع حول سحب الثقة من روحاني، ثم تجميع الثلثين للإطاحة به.
الخيار الثاني أن يلزم الصمت حول تجاوزات الحرس الثوري الاقتصادية وتجاهل كل تصريحاته السابقة بحكم أن الحديث سوف يكون أمام هيئة برلمانية عليها أن تتخذ قرارات بناء على أقوال روحاني، وأن يُلقي اللوم على الأوضاع الخارجية فقط والمؤامرات التي تحوكها الولايات المتَّحدة ضدّ إيران.

 روحاني اتخذ قراره
أوضح روحاني الخيار الذي اتخذه بشأن الردّ على أسئلة النواب عندما بدأ كلمته قائلًا: «أرجو أن ألتزم النقاط والتوصيات التي أمرني بها صاحب المقام المعظم للإرشاد في ما يتعلق بهذه الجلسة»، وكأنه يخبر النواب الحاضرين بأن ما سيقوله تمّ بناءً على توصية من المرشد، وأنه اتفق معه مُسبَقًا على كل ما سيقوله، وبعد هذه الجملة الافتتاحيَّة بدأ   روحاني الردّ على الأسئلة الخمسة التي حدَّد عددها القانون.
روحاني الذي كرَّر خلال سنوات حكمه السابقة اتهامات متتالية للحرس الثوري بتدمير الاقتصاد الإيرانيّ، إذ قال في يونيو 2017م مشيرًا إلى الحرس الثوري: « لقد سلَّمنا جزءًا من الاقتصاد   الذي كان في يد دولة بلا بندقية، لدولة تحمل البنادق. إن تلك الحكومة التي تملك البندقية تمتلك أيضًا وسائل الإعلام وكل شيء، ولا أحد يجرؤ على منافستها ». وقال روحاني عن أزمة  تهريب السلع في إيران: « هناك جهاز فاسد قادر على إدخال البضائع المهربة، إنهم لا يسمحون للبلاد بأن تنمو ». وفي بداية أزمة انهيار العملة الإيرانيَّة صرَّح روحاني بأن « جهات إيرانيَّة حاولت  تهريب العملة إلى خارج الأراضي الإيرانيَّة »، ووجهت وسائل إعلام محسوبة على تيَّار روحاني الاتهام إلى مؤسَّسات اقتصادية تابعة للحرس الثوري بسحب أرصدتها من البنوك وتحويلها إلى الدولار.
في حين ردَّ على أسئلة نواب البرلمان قائلًا: « يجب أن أوضح للشعب أننا سوف نعبر هذه الأزمات بحول وقوة الله وتوجيهات المرشد، وتعاوُن السلطات الثلاث والقوات المسلَّحة »، وأضــاف: « في ما يتعلق بتهريب السلع والنقد الأجنبي تؤدِّي القوات المسلَّحة، بخاصَّة الحرس الثوري، دورًا جديرًا بالتقدير في مكافحة أعمال التهريب،  بخاصَّة بعد أن قرَّر المجلس الأعلى للأمن القومي قبل عشرة أشهر أن تكون مكافحة التهريب في الخليج وبحر عمان وبعض المناطق الحدودية في شرق وغرب إيران تحت سلطة الحرس الثوري »!.

الشعب الإيرانيّ هو المخطئ
وأرجع روحاني الأزمات الاقتصادية إلى ما تتعرَّض له إيران من ضغوط خارجية، نافيًّا التقصير عن حكومته، دون أن يوجه الاتهام إلى الدور المخرب للحرس الثوري في الاقتصاد الإيرانيّ، ولم   يكتفِ روحاني بذلك، بل ألقى اللائمة على الاحتجاجات الشعبية التي عمَّت إيران منذ الأسبوع الأخير من عام 2017م، واعتبرها سببًا مباشرًا في تَجرُّؤ ترامب واتخاذه   قرار  الخروج من الاتِّفاق النووي، على أمل أن يؤدِّي قراره إلى تضاعف الاحتجاجات ومن ثم الإطاحة بالنِّظام الإيرانيّ.

قرار النواب
مع هذا صوَّت نواب البرلمان بعدم الاقتناع بردود روحاني على الأسئلة الخمسة، باستثناء السؤال المتعلق بالركود الاقتصادي، لأن روحاني أثبت أن إيران لا تعاني ركودًا اقتصاديًّا، لأن معنى الركود في علم الاقتصاد وجود نموّ سلبي لفترة متصلة لا تقل عن 9 أشهُر، وهو ما لم يحدث في أثناء فترة ولايته، ومن ثم وافق النواب على تحويل إجابات روحاني إلى السُّلْطة القضائيَّة لبحث ما إن كان انتهك القانون أو استنكف من العمل به، على أن يُتَّخَذ القرار يوم الأحد 2 سبتمبر الجاري، وكان ذلك بعد اللقاء الذي جمع المرشد مع روحاني  وحكومته في اللقاء السنوي المعروف بأسبوع الدولة.

 خامنئي يكافئ روحاني
وعلى خلاف ما كان يتم في أسابيع الدولة الماضية خلال فترة تولي روحاني بعد توقيع الاتِّفاق النووي، التي كان خامنئي خلالها يكيل الاتهامات لحكومة روحاني ويعدِّد نقاط ضعف إدارة   حكومته على المستوى الاقتصادي، أخذ هذه المرة، وفي قمة ضعف الأداء الاقتصادي لحكومة روحاني، يمتدح الحكومة الإيرانيَّة، إذ قال: « إن الحكومة لديها القدرة على إدارة الاقتصاد   الوطني، وقد سأل نواب البرلمان رئيس الجمهورية الذي انتخبه 23 مليون إيرانيّ، وأجاب رئيس الجمهورية بثبات وقوة عن أسئلتهم، وهذا ما تعنيه الديمقراطية الدينية». وردّ روحاني في   اللقاء على كلمة المرشد قائلًا: « جميع الشعب وراء المرشد، وبتوجيهاته سوف يستطيعون إحباط مؤامرات العدوّ ». ثم جاء قرار البرلمان بعدم تحويل إجابات روحاني إلى السُّلْطة القضائيَّة، لأن الطلب الذي قدمه نواب البرلمان لم يحتوِ على الاتهام بأن روحاني انتهك القانون أو استنكف تنفيذه.

هل خسر روحاني الشعب؟
بعد هذه الإجابات لم يعُد روحاني قادرًا على الحديث عن الدور المخرب للحرس الثوري في الاقتصاد الإيرانيّ، ولا تدخلات بيت المرشد، فقد تَوحَّد موقف روحاني وخامنئي في رفض التفاوض   المباشر مع الولايات المتَّحدة، وتمسُّكهما بالبرنامج الصاروخي الإيرانيّ، والوجود العسكري الإيرانيّ خارج الحدود، ويبدو أن روحاني خسر القاعدة الشعبية المؤيدة له، التي كان معظمها ينظر  إليه على أنه أفضل الخيارات المتاحة.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير