كشف المزيد عن ملاذ «القاعدة» الآمن في إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=30624

بعد مقتل أيمن الظواهري، أصبح سيف العدل زعيمًا رسميًا لـ«القاعدة». وبسبب المشاكل الصحية، التي كان يعاني منها خليفة أسامة بن لادن؛ الظواهري، كان سيف العدل يقود التنظيم من إيران في تلك الفترة. وسُرِّبت صورة زعيم «القاعدة» الجديد، مع شخصين آخرين في طهران على موقع «تويتر» قبل خمس أشهر؛ تعود هذه  الصورة إلى ما قبل عام 2015م. وأكد المسؤولون الأمريكيون، أنَّ الأفراد في الصورة هم «سيف العدل، وأبو محمد المصري، وأبو الخير المصري». والتزمت طهران الصمت إزاء ما نُشِر، إلّا أنَّها نفت وجود العدل في إيران.

وردّ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مؤخَّرًا بالقول: «أنصح البيت الأبيض بوقف لعبة رهاب إيران، الفاشلة»، مضيفًا: «ربْط القاعدة بإيران سُخفٌ محض، ولا أساس له من الصحة».

وخليفة الظواهري مصري أيضًا، ارتبط بـ«القاعدة» قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ويُقال إنَّ خبرة سيف العدل كضابط خدمات خاصة، كانت من العوامل الرئيسية التي نصَّبته رئيسًا لـ«القاعدة». ويُعتقَد أنَّه تلقَّى تدريبات على التعامل مع المتفجِّرات في إيران، على يد مدرِّبين من «حزب الله»، في وقتٍ ما خلال أواخر التسعينيات. وأشارت لجنة الحادي عشر من سبتمبر، إلى أنَّ «القاعدة» استخدم هذه التدريبات؛ من أجل تطوير خبرات تكتيكية، لاستهداف سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا.

تعزَّزت أواصر التعاون بين إيران و«القاعدة» على مرّ السنين، إلّا أنَّ ذلك التعاون كان مخفيًا بعناية، تحت غطاء رواية الإدانة والتنافس. وعندما شرع رجال قبائل البلوش السُنَّة بتوفير الملاذات الآمنة لعناصر تنظيم القاعدة في سيستان وبلوشستان، كان لدى طهران رأي آخر. وبسبب ضغوطات إدارة بوش قبل وبعد غزو العراق؛ شرعت طهران في اعتقالهم مع عائلاتهم. ونقل هؤلاء العناصر إلى مناطق مختلفة، وأُسكِنوا مجمعات سكنية محروسة؛ حيث وُفِّرت لهم الخدمات التعليمية والصحية ومخصصات مالية. ولم يُسمَح لعناصر «القاعدة» أو أفراد عائلاتهم بمغادرة تلك المجمعات، أو السفر إلى خارج البلاد. وكان البلد الوحيد المُستثنَى من السفر إليه هو أفغانستان، إلّا أَّن ذلك كان مقصورًا على بعض العناصر.

ومع كل ما قدَّمته إيران سرًا من أجل التحالف مع «القاعدة»، فضَّل زعيمها الاختباء مع زوجاته الثلاث وأطفاله في مدينة شمال غرب باكستان. وتصاعدت الضغوط على باكستان، جرّاء استهداف أسامة بن لادن في أبوت آباد، وفي الوقت ذاته كانت إيران تعمل في الخفاء مع «القاعدة» بسلاسة. أدّى مقتل أمير «طالبان» الملا منصور في مايو 2016م، أثناء دخوله باكستان من إيران، إلى زيادة التحقُّق من إجراءات السلامة لعناصر «القاعدة» في «الجمهورية الإسلامية».

وأدّى ترفيع العدل كقائد للجماعة، إلى تعقيد الأمور بالنسبة للولايات المتحدة، وكذلك لإيران. ولا يستند نفي عبد اللهيان بوجود العدل على الأراضي الإيرانية، على أيٍّ من الأدلّة. ويُعَدُّ تأكيد وجوده في هذه المرحلة من قِبَل المسؤولين الأمريكيين، تحذيرًا من أنَّ الرجل، الذي رُصِدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل رأسه، يمكن استهدافه عن طريق قتلة مأجورين أو بطائرة مسيَّرة. وعلى ما يبدو أنَّ إحياء الاتفاق النووي تلاشى تمامًا، لاسيّما بعد نشر «بلومبيرج» تقريرًا يفيد بأنَّ إيران رفعت مستويات اليورانيوم بنسبة إلى 84%.

يبدو أنَّ طهران استثمرت في تنظيم القاعدة بفارغ الصبر طوال هذه الفترة الطويلة، من أجل أن تصِل إلى لحظة الاختبار هذه. وتنظُر إيران إلى التنظيم الإرهابي كورقة مساومة، ووكيل سُنِّي في نفس الوقت. ويُضاف إلى هذه المعادلة أيضًا، علاقات طهران الودِّية مع «طالبان». وفي حال كانت الميليشيا الحاكمة للبلاد، التي مزّقتها الحرب قادرة على استضافة الظواهري، فلماذا لا توفِّر للمليشيا الحاكمة أيضًا، القواعد الآمنة لصالح خليفته؟ وقد تُشكِّل «طالبان» و«القاعدة» وإيران فريقًا مثاليًا لإشاعة الإرهاب والانتقام من أعدائهم القريبين والبعيدين، وقد توفِّر إيران جسرًا أرضيًا حتى إلى لبنان. على سبيل المثال، قُتِل أبو الخير المصري، الذي شُوهِد في الصورة المسرَّبة في غارة أمريكية بطائرة مسيّرة في إدلب بسوريا، في فبراير 2017م. كيف يمكن لإرهابي مطلوب يعيش في طهران أن يصل إلى إدلب، دون موافقة وتسهيل من فيلق القدس الإيراني؟ لقد كان هذا الرجل، وهو من أهم ضبّاط «القاعدة»، بيدقًا بيد إيران.

ولا يقيم العدل في إيران فقط من أجل الحماية الأمنية، لكن أيضًا بناءً على تعليمات من مرشديه. صحيح أنَّ «القاعدة» لم تعُد منضبطة كجماعة يمكنها العمل بفعالية، إلّا أنَّ زعيمها لا يزال يمارس سيطرة لا مثيل لها على معظم عناصرها. لا تستطيع «طالبان» في أفغانستان توفير الأمان للتنظيم من الضربات، التي تُشَنّ عليها من أماكن مختلفة، ولا تستطيع تأمين الدعم المالي واللوجستي لتنفيذ مهام إرهابية ضخمة.

لا يمكن إبطال السيناريو المحيِّر لعمل «طالبان» و«القاعدة» وإيران كفريق واحد، بمجرد توجيه بضع هجمات بطائرات مسيّرة، أو القيام ببضع عمليات اغتيال. لكن تحتاج الولايات المتحدة، المنهمكة للغاية في الدفاع عن أوكرانيا ضد الغزو الروسي، إلى إستراتيجية لاحتواء إيران، إن كانت تسعى للتقليل من الإرهاب، أو القضاء عليه، سواءً كان على أراضيها، أو في أي مكان آخر. سعِي إيران الدؤوب لامتلاك أسلحة نووية، وامتلاكها لمجموعة واسعة من أنظمة إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، فضلًا عن إمدادها المتواصل بالأسلحة من روسيا ورعايتها لمجموعة متنوِّعة من الميليشيات، التي تعمل عنها بالوكالة، كل هذه العناصر مُدمَجة تُشكِّل عقيدة «الدفاع الأمامي»، التي تنتهجها إيران.

وفي الختام، يدرك جيران إيران ماهية هذا التهديد المضاعف أكثر من إدارة بايدن ومكتب ماكرون، ولعل الخطوة المهمة في إستراتيجية متعدِّدة الأوجه، تتمثَّل بالقضاء على قيادة «القاعدة» في الأراضي الإيرانية بنفس الطريقة، التي تمّت باستهداف الظواهري في كابول، ومن المرجَّح أن تعتمد إيران على «القاعدة» أكثر من «حزب الله»، في العمليات الإرهابية العابرة للحدود، مع تمكُّنها من التنصُّل من المسؤولية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير