اتَّسمت ردود الفعل الرسمية الإيرانية تجاه خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الجمعية العامَّة للأمم المتَّحدة في 19 سبتمبر 2017، بالحِدَّة والانزعاج، لا سيما أنه خصّ إيران بجزء مهمّ من خطابه. فخامنئي، المرشد الإيراني، اعتبره خطاب “رعاة بقر ورجال عصابات”، واعتبره محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني “خطابَ الجهل والكراهية” وينتمي إلى العصور الوسطى ، في حين ردّ الرئيس الإيراني حسن روحاني على المنبر الأممي نفسه في 20 سبتمبر 2017 على خطاب ترامب ووصفه بأنه “عبثي وحاقد وجاهل”، مفنِّدًا ما طرحه ترامب ومحاولًا دفع التهم التي نسبها الرئيس الأمريكي إلى النظام الإيراني.
سبق خطابُ ترامب أمام الجمعية العامَّة للأمم المتَّحدة خطابَ روحاني، وقد حازت إيران على نصيب مهمّ من كلمات ترامب، فحديثه عن إيران استغرق أربع دقائق، متساوية مع الوقت الزمني الذي حازه خطابه الموجه إلى كوريا الشمالية، وهما الدولتان اللتان وصفهما بأنهما من “آفات الكوكب التي تخرق مبادئ الأمم المتَّحدة، ومن الأنظمة الشريرة”. وقد كانت أكثر الكلمات التي استخدمها ترامب واصفًا إيران هي أنها “دولة خارجة عن القانون (مارقة) وداعمة للإرهاب (التطرُّف)”، وهو تأكيد للموقف المعلن لترامب تجاه إيران.
صبّ ترامب جامَّ غضبه على النظام الإيراني، وفي خطابه شكَّك ترامب في الديمقراطية التي يدّعيها النظام الإيراني، واعتبر أنها “قناع” يتخفَّى وراءه النظام، وأن الحكومة الإيرانية “تخشى الشعب الإيراني”، مستدلًّا على ذلك بوقف الحكومة خدمات الإنترنت وتحطيم أطباق التليفزيون وسجن الإصلاحيين السياسيين.
كذلك وجَّه ترامب إلى النظام الحاكم في إيران جملة من الاتهامات في الفقرة التي خصَّصها من خطابه لإيران، وأهمّ تلك الاتهامات: “أنه نظام يدعو إلى القتل الجماعي بتبنِّيه شعار (الموت لأمريكا والتدمير لإسرائيل)، وأنه يريد أن يدمِّر مزيدًا من الأمم، وأنه يصدِّر العنف وإراقة الدماء والفوضى والتخريب، وأنه يستخدم أرباح النِّفْط لتمويل حزب الله والإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء، كما يدعم نظام بشار الأسد والحرب الأهلية في اليمن ويقوِّض السلام في الشرق الأوسط، وأنه يسعى لامتلاك سلاح نووي، وأنه يقوض السلام في المنطقة بأسرها، وأنه يمارس في حق شعبه القمع وسياسية الإفقار وانتهاك حقوق الإنسان”.
وحاول ترامب أن يفصل بين النظام والشعب الإيراني، فأشار إلى إن نظام إيران “حوَّل بلدًا غنيًّا ذا تقاليد عريقة إلى نظام خارج عن القانون…”، واعتبر أن شعب إيران “أول ضحايا النظام” لأن موارد بلدهم (أرباح النِّفْط) بدلًا من أن تُستخدم في تحسين حياتهم، تذهب لدعم الجماعات والأنظمة التابعة لإيران كحزب الله، كما دعا ترامب في خطابه النظام في إيران إلى “احترام شعبه”، كما أكَّد أن “الشعب الإيراني يريد التغيير”، وهذا الفصل ينسجم مع المقاربة الأمريكية التي راهنت على الاتِّفاق النووي والانفتاح على إيران كآلية من أجل إحداث تغيير داخلي بدافع من إدماج إيران في الاقتصاد العالمي وفتح أبوابها أمام أمواج التغيير المصاحبة للعولمة.
أما الاتِّفاق النووي فأكَّد ترامب أن الولايات المتَّحدة “لا تستطيع أن تلتزم باتِّفاق يعطي فرصة لنظام قاتل ليبني برنامجًا نوويًّا في نهاية المطاف”، واعتبر أنه كان اتِّفاقًا من جانب واحد وأنه كان الأسوأ في تاريخ الولايات المتَّحدة، وأن دول العالم يجب أن تقف إلى جانب موقف الولايات المتَّحدة.
والواقع أن ترامب كل ثلاثة أشهُر يكون أمام اختبار لتصريحاته في ما يخص الاتِّفاق النووي، وقد وافق على استمرار الاتِّفاق مرتين منذ قدومه إلى السلطة، بما يعني وجود فجوة بين تصريحاته والواقع.
وفي النهاية حدَّد ترامب مطالبه من النظام الإيراني: وقف محاولات التخريب والدمار، وإطلاق سراح المعتقلين الأمريكيين في السجون الإيرانية ومعتقلي الدول الأخرى، والتوقُّف عن دعم الإرهاب، وخدمة الشعب الإيراني، واحترام حقوق وسيادة جيرانها. وهذه المطالب توضِّح أن الخلاف حول الاتِّفاق النووي شديد الارتباط بهذه المطالب المطروحة، والخلاف المعلن حول الاتِّفاق ما هو إلا ورقة ضغط يستخدمها كل طرف ضدّ الآخر.
بعد خطاب ترامب كانت أمام روحاني فرصة ليسجِّل في خطابه في اليوم التالي ردودًا تجاه ما تَضمَّنه خطاب الرئيس الأمريكي، لا سيما أن هذا الخطاب قد ترك خلفه ردود فعل غاضبة على الساحة الإيرانية، لهذا بدا خطاب روحاني بمثابة رد فعل، كأنه سجال ومناظرة أمام نفس الجمهور.
في مقابل الاتهام بالإرهاب وتصنيف ترامب لإيران دولةً مارقةً، كانت كلمة “الاعتدال” هي الأكثر تداوُلًا في خطاب روحاني، إذ اعتبر روحاني أن الاعتدال هو “التوجُّه الذي اختاره الشعب الإيراني”، وأكَّد ذلك بقوله إن “إيران اليوم على حدود مواجهة الإرهاب والتطرف الديني في الشرق الأوسط”، وإن مواجهاتها تلك لا تنطلق من “دوافع طائفية أو عرقية، ولكن من منطلق إنساني وأخلاقي”، وإنها لا تسعى لتصدير ثورتها بالقوة، ولكن تروِّج ثقافتها من خلال “مخاطبة القلوب والعقول”. ويمكن القول إن هجوم ترامب أثَّر بصورة كبيرة على المفردات والموضوعات التي احتوى عليها خطاب روحاني.
وردًّا على اتهام ترامب للنظام الإيراني بأن الديمقراطية في إيران ليست سوى قناع يختفي خلفه النظام، حاول روحاني إثبات العكس بإشارته إلى “مشاركة 41 مليون نسمة يمثلون 73% ممن لهم حق التصويت في الانتخابات الرئاسية الثانية عشرة”، مؤكِّدًا أن هذا التصويت “جسَّد مدي النضج الذي بلغه مجتمع يعيش في ظلّ الديمقراطية والحرية منذ أربعة عقود”، وقال إنه نظام يحترم حقوق الإنسان، وأشار روحاني إلى أن برنامجه الإصلاحي حاز ثقة الجماهير.
والواقع أن روحاني حاول تجميل الصورة التي كشف ترامب بعض جوانبها، لا سيما وأن القمع في إيران، خصوصًا قمع الإصلاحيين والمعارضين، أمر يصعب إنكاره.
وردًّا على أن النظام الإيراني يريد التغيير وأنه يعاني تَسلُّط النظام الإيراني حاول روحاني تأكيد أن طبيعة النظام الإيراني وآيديولوجيته الدينية ما هي إلا “نتاج نضال وجهد الشعب الإيراني”، الذي أكَّد من خلال مشاركته الانتخابية، رضاه عن النظام، وأضفى عليه شرعية، وأن “النهوض بالقيم الإسلامية هو نتيجة خيار الشعب منذ قرن ونصف القرن ومنذ الثورة الدستورية في عام 1906 ثم الثورة الإيرانية في عام 1979”.
وفي مقابل إصرار ترامب على انتقاد الاتِّفاق النووي والحديث حول مراجعته أو إلغائه، اعتبر روحاني أن هذه الاتِّفاق “ملك للمجتمع الدولي”، محاولًا إضعاف الموقف الأمريكي في مواجهة بقية مجموعة الدول الست الموقعة على الاتِّفاق، وترويجًا لهذا الاتِّفاق لدى دوائر أوسع قال روحاني إن الاتِّفاق “يمكن أن يشكِّل نموذجًا جديدًا للتفاعلات على الصعيد الدولي”، وإن الاتِّفاق “أتاح لطهران توقيع عديد من الاتِّفاقيات التنموية مع الشرق والغرب”، وأكَّد روحاني أن طهران “لم تَسْعَ لتحقيق الردع من خلال السلاح النووي”، وأنهم ليسوا قلقين من التخلي عن خيار لم يسعوا لتحقيقه من قبل، واعتبر أن “انتهاك الاتِّفاق سيضيع فرصة ثمينة نتيجة أطراف مارقة وحديثة عهد بالسياسة”.
وبخصوص إسرائيل أشار روحاني في خطابه إليها مقارنًا بين سلوكها وسلوك إيران مرتين، المرة الأولي في معرض حديثه عن السلام والأمن والاستقرار وعن دعمه لحقوق الشعب الفلسطيني، فاعتبر “إسرائيل دولة مارقة وعنصرية”، ومرة أخرى عند الحديث عن البرنامج النووي، فقال إن إسرائيل “تمتلك ترسانة نووية تهدِّد السلام والأمن الإقليمي والعالمي، وهي ليست ملتزمة بأي عهد أو اتِّفاق أو قانون أو ضمانات دولية”.
كذلك خصص روحاني جزءًا من خطابه للهجوم على ترامب، واعتبر أن خطابه “غبي وجاهل وحاقد وملؤه الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة”، وأنه خطاب “لا يليق بأن يُلقَى أمام الأمم المتَّحدة التي أُنشِئَت للنهوض بالسلام والاحترام بين الأمم”. وفي ما يخصّ تطوير القدرات العسكرية اعتبر روحاني أن القدرات الدفاعية لطهران، بما في ذلك صواريخها، هي “أدوات دفاع وردع لصون الأمن والسلام وللحيلولة دون أي أخطار تهدِّد إيران كما حدث من تهديد صدام حسين للمدن الإيرانية”.
وفي محاولة من روحاني للترويج للاستثمار في إيران، قال روحاني إن “اقتصاد بلاده لديه قدرات منقطعة النظير للنموّ والتنمية، والعقوبات الاقتصادية لم تعُق معدَّلات النموّ، بل حفزت الإرادة الشعبية لتحسين الإنتاج الوطني”، واعتبر روحاني أن “اقتصاد إيران من الاقتصادات الواعدة خلال العشرين سنة المقبلة”، وقال إن “تقديرات النموّ قد تبلغ ترليون دولار”، وأشار إلى أن “خيار إيران هو تحقيق النمو المستمر والمتوازن من خلال شراكات عالمية، والتنمية والأمن معًا هما قناعة إيران”.
ولتحفيز المستثمرين قال روحاني إن إيران “تتمتع بأهمّ احتياطي من الغاز والنِّفْط في العالم، ومستعدة للنهوض بمجال الطاقة على الصعيد العالمي، من خلال إنشاء ممرَّات دولية مشتركة بحرية وسكك حديدية وشق طرقات”، كما أشار إلى الطموح إلى تحسين البِنَى التحتية الاقتصادية ومدّ أنابيب الغاز وشبكات الكهرباء وطرق النقل والسكك الحديدة من أجل تقليل تكلفة الإنتاج”.
وبيَّن “وَضْع إطار قانوني وتحسين ظروف قطاع الأعمال والنهوض بحقوق الملكية الفكرية وتحسين الحوكمة الاقتصادية وحوكمة الشركات والتصرف بحزم إزاء عمليات غسل الأموال، لخلق ظروف مواتية لإدارة الأعمال ولجذب مزيد من المستثمرين، الذين تزايد عددهم بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، ممَّا أدَّى إلى زيادة حجم الاستثمارات زيادة هائلة”.
وبإلقاء الضوء على ما تَضمَّنه الخطابان من مواقف، يمكن إبداء الملاحظات الأولية التالية:
- تَبنَّى ترامب كعادته خطابًا يمينيًّا تصعيديًّا شديد الحماسة، مؤكِّدًا أهمية العودة إلى مركزية الدولة القومية، والواقع أن هذا ينسجم بصورة رئيسية مع خلفية الرئيس الذي انتُخب في الأساس في ذروة الاستدعاءات الشعبية لاستعادة هيبة وقوة الدولة في العالم، لمواجهة موجات الفوضى وفشل نموذج دولة السوق والعولمة، لهذا كرر ترامب في خطابه كلمة السيادة إحدى وعشرين مرة، هذا الخطاب بطبيعته ينسجم مع ما يطرحه ترامب من سياسة خارجية شعبوية تعبوية تستهدف استعادة دور الولايات المتَّحدة وتأكيد قدرتها على التأثير في المجال الدولي، ولعل هذا ما يجعل خطاب ترامب شديد العنف والقوة تجاه بعض الدول التي لديها مواقف تتعارض مع المصالح الأمريكية، وقد ظهر هذا في مضمون خطابه المتشدد تجاه إيران.
- ربما تواجه ترامب إلى الآن إشكاليات تتعلق بتحويل مواقفه المعلنة من إيران إلى سياسات واقعية، كما هو الحال بالنسبة إلى موقفه من الاتِّفاق النووي مع إيران، أو موقفه من كوريا الشمالية، وموقفه من اتِّفاقية المناخ التي انسحب منها، لكن لم يدخل الانسحاب حيِّز التنفيذ، وغيرها من السياسات التي يواجه ترامب صعوبات في تمريرها وأخذ الموافقة عليها من مؤسَّسات صنع القرار الأخرى، لكن يبدو الرجل على منصة الأمم المتَّحدة لا يزال متمسِّكًا بخياراته وأطروحاته، وقد تجد في لحظة ما طريقها للتنفيذ، لا سيما في ظلّ إصرار إيران على تحدِّي الولايات المتَّحدة، بخاصة في القضايا الخلافية الرئيسية، وهي تطوير برنامج الصواريخ الباليستية، وتوسيع النفوذ الإقليمي.
- ما بين خطابَي ترامب وروحاني يتَّضح حجم الهُوَّة التي تزداد اتساعًا تجاه قضايا الخلاف بين البلدين بمرور الوقت، ولا يبدو من مفردات خطاب الطرفين أن للتفاهم أجندة أو هامشًا ولو ضئيلًا، فما يطرحه ترامب يتناقض كلية مع ما يطرحه روحاني، بل إن خطاب الطرفين يهيمن عليه التصعيد والاتهام والتهديد المتبادَل. فالمطروح من جانب الولايات المتَّحدة هو تغيير للنظام، وهذا ما تَأكَّد إلى جانب ما جاء في خطاب ترامب من تصريحات وزير الدفاع ووزير الخارجية الأمريكيَّين في الفترة الماضية، كما تعتبر إيران الولايات المتَّحدة عدوًّا رئيسيًّا وسببًا للأزمات في المنطقة.
- رغم أن ترامب يعترض بشِدَّة على الاتِّفاق النووي، فيبدو أنه ليس لديه طريقة لمراجعته أو إلغائه، لهذا فهو يرى أن الولايات المتَّحدة في موقف”مُحرِج” بسبب هذا الاتِّفاق، ويؤكِّد ذلك أن ترامب قد مدَّد العمل ببنود خطة العمل الشاملة مرتين منذ وصوله إلى السلطة بناءً على تقييم وكالة الطاقة الذرية والمؤسَّسات الأمريكية المسؤولة عن تنفيذ بنود الاتِّفاق النووي، وستكون فترة التمديد القادمة في أكتوبر القادم اختبارًا مُهِمًّا لمواقف ترامب المعلنة من الاتِّفاق.
- والحقيقة أن ترامب بجانب رؤيته أن الاتِّفاق النووي قد يمكِّن إيران في نهاية المطاف من حيازة السلاح النووي، فإن الأكثر إشكالًا له أن إيران استفادت من هذا الاتِّفاق في مدّ نفوذها الإقليمي، والتخلُّص من العقوبات وإنعاش الاقتصاد الداخلي، وتطوير برامج الصواريخ الباليستية، وتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة، في حين لم تكسب الولايات المتَّحدة منه شيئًا، حتى التعويل على إحداث تغيير داخلي نتيجة إدماج هذا النظام الديني المحافظ في النظام العالمي لا يبدو أنه هدف قابل للتحقُّق على المدى المنظور، كما أن التهديد بإلغاء الاتِّفاق أو مراجعته لم يعُد مُجدِيًا مع إيران.
- يتسابق كلا الطرفَين إلى كسب تأييد دولي لموقفه من الاتِّفاق النووي، ففي حين يبدو ترامب بحاجة إلى مساعدة القوي الدولية لإعادة النظر في الاتِّفاق، يؤكِّد روحاني أنه ملك للمجتمع الدولي، وأنه حاجة ضرورية للسلام في المنطقة، وفي الوقت الذي يخوِّف ويهدِّد فيه من عواقب إلغاء الاتِّفاق فإنه في الوقت نفسه يُغرِي الدول والمستثمرين بالفرص التي يتيحها الاقتصاد الإيراني، لتكوين شبكة من العلاقات الاقتصادية الدولية قد تكون خطّ دفاع عن الاتِّفاق حمايةً لمصالح إيران واستثماراتها، وبهذا يبدو أن الحفاظ على الاتِّفاق خيار استراتيجي للنظام الإيراني، لا سيما وأن خطاب روحاني الذي يُبدِي فيه تمسُّكًا بالخطاب في الأمم المتَّحدة يبدو متناقضًا مع خطابه أمام البرلمان بعد تقديم أعضاء الحكومة الجديدة عندما قال إن “إيران بإمكانها خلال مدة زمنية قصيرة العودة إلى ظروف ما قبل البدء بالمفاوضات النووية”.
- بجانب الخلاف حول الاتِّفاق النووي، نلاحظ وجود خلافات رئيسية حول النفوذ الإقليمي، ويبدو من خطاب ترامب عدم الرضا عن حجم الدور الإقليمي المتزايد لإيران، وفي حين يعتبره ترامب دورًا ونفوذًا أدَّى إلى الفوضى والتدمير وانتهاك سيادة الدول وتقويض الأمن والاستقرار الإقليميين، فإن روحاني يراه -على العكس تمامًا- دورًا ينشر الاستقرار والأمن ويواجه الإرهاب، وإذا كانت المواجهة في ما يخصّ الاتِّفاق النووي تبدو ذات طابع فني، وهو أصبح ورقة ضغط على إيران، ومِن ثَمَّ فإن المواجهة بشأنه سياسية بالأساس، فإن الخلاف حول النفوذ الإقليمي يتَّخذ صورًا من صور المواجهة العسكرية على الأرض سواء في سوريا أو العراق أو اليمن أو مياه الخليج العربي، ورغم أن المواجهة والتصعيد العسكري ليس ضمن الخيارات الاستراتيجية للطرفين، فإن الإصرار الإيراني على دور إقليمي رئيسي يمثِّل تهديدًا حيويًّا لمصالح الولايات المتَّحدة وحليفتها إسرائيل، لهذا قد يحتاج تحجيم دور إيران في لحظة ما إلى تكثيف المواجهة ولو من خلال وكلاء إقليميين، بصرف النظر عن استمرار الاتِّفاق أو إلغائه.
- أمَّا الخلاف حول طبيعة النظام والديمقراطية في إيران ومدى الرضا الشعبي عن سياسات الحكومة الإيرانية ومسألة الحقوق والحريات، فهي ليست مجالًا للخلاف، وما يطرحه ترامب في هذا الشأن على أهمِّيته ليس قضية ذات أولوية بالنسبة إليه، كما أن دفاع روحاني عن موقف إيران من هذه القضايا لن يغيِّر الصورة المعروفة مُسبَقًا. وخطاب كليهما بشأن تلك الملفات استكمال لصورة يحاول كلاهما رسمها وَفْق رغباته، والخطابان بكل قضاياهما يؤكِّدان المسافات المتباعدة التي يقف عندها الجانبان.