«التنافس التعاوني» بين الصين والولايات المتحدة بعد قمة بايدن-شي جي

https://rasanah-iiis.org/?p=33453

أسفر اجتماع القمة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني الرئيس شي جين بينغ عن تعهدَيْن ملموسين، إذ وافقت الصين على إعادة فتح قنوات الاتصال بين الجيشين الأمريكي والصيني، المعلقة منذ عام 2022م حينما زارت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي تايوان. وقررت كلتا القوتين العظميين أيضًا إنشاء مجموعة عمل لمكافحة المخدرات لوقف شبكة الجماعات الصينية والعصابات المكسيكية التي تُهرّب مكونات «الفينتانيل/fentanyl» التي تَسَبَّبَت في سبعين ألف حالة وفاة بجرعات زائدة في عام 2022م.

وعقد الزعيمان اجتماعًا غير ناجح إلى حد ما، العام الماضي في «بالي» على هامش قمة مجموعة العشرين، بعد حادث منطاد التجسس الصيني في المجال الجوي الأمريكي، باعتباره رد فعل على زيارة بيلوسي إلى تايوان. وقال بايدن بنبرةٍ تصالحية بعد محادثات استمرت أربع ساعات: «لقد اتّفقنا أنا وهو على أنّه بإمكان أيّ منّا أن يرفع الهاتف ويتّصل مباشرةً، وسيجري الردّ عليه فورًا»، ولم يكن الرئيس الصيني في المقابل أقل لطفًا إذ قال: «كوكب الأرض كبير بما يكفي لنجاح بلدينا، ونجاح أيِّ منا يمثل فرصة للآخر». كما وصفت «صحيفة الشعب اليومية» الصينية الصادرة باللغة الإنجليزية هذا التواصل المتأخر بـ«النجاح»، بينما أشارت بصورة خاصة إلى إعجاب بايدن بسيارة «هونشي» المصممة للرئيس شي. وأفادت وكالة أنباء الصين «شينخوا» الرسمية بأن الرئيس أشار إلى أن القرار التنفيذي الأخير الذي اتخذه بايدن بتقييد الاستثمار وفرض العقوبات «أضر بشكل خطير مصالح بكين المشروعة». كما أعلنت عن اتفاق لوضع صيغة حوار حول الذكاء الصناعي وزيادة الحركة الجوية التجارية.

من المحتمل أن يكون إذابة الجليد في العلاقات (مع الصين) من جانب الولايات المتحدة ناتجًا عن الحرب الروسية الأوكرانية المُكلفة والممتدة وبسبب ارتفاع التضخم، بينما بالنسبة للصين، بسبب انهيار قطاع العقارات، وتراجع الاستثمار الأجنبي والعقوبات المفروضة على القطاع التقني. ويزيد تعزيز المخاوف المشتركة سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض من عملية متابعة الأمور المشتركة بين البلدين.

الحروب التقنية

خلقت جائحة كوفيد-19 ضربًة قويًة للولايات المتحدة وأوروبا بسبب اعتمادهم الكامل على تصنيع الرقائق الدقيقة في تايوان وما يحفها من مخاطرة جسيمة. على الرغم من أن الشركة الهولندية العملاقة «إي إس إم إل/ASML » تحتكر تطوير وتصنيع آلات تصنيع الرقائق، فإن الشركة التايوانية «تي إس إم سي/TSMC» هي المُصنع الوحيد للرقائق من 10 نانومتر إلى 4 نانومتر، التي لا تستطيع الصين أو أي دولة أخرى تصنيعها بمفردها. ولا يتعارض فقط قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على توفير الرقائق الدقيقة المتقدمة وتقنياتها للصين إلى جانب استثمارات القطاع العام بقيمة 82 مليار دولار، مع قاعدة اقتصاد السوق الحرة والعولمة، بل يُشير أيضًا إلى العداء الواضح تجاه بكين.

وقال الرئيس الصيني شي في اجتماعيه مع نظيره الأمريكي في سان فرانسيسكو: «تهدف الخطوات لقمع العلوم والتكنولوجيا الصينية إلى احتواء التنمية الصينية عالية الجودة وحرمان الشعب الصيني من الحق في التنمية»، مضيفًا: «ليست لدى الصين خطة لتجاوز الولايات المتحدة أو حل محلها، فيجب ألا تخطّط الولايات المتحدة لقمع الصين أو احتوائها».

وفي نفس الوقت، يستمر البيت الأبيض في نهج الرئيس السابق ترامب في احتواء القوى الآسيوية الكبرى، وعلى النقيض، تسعى الولايات المتحدة إلى تجنب سباق تسلح نووي ثلاثي، بينما تجرها روسيا إلى الحرب في أوكرانيا. وكان من المتوقع أن إدارة بايدن سَتَتَراجع عن موقفها الصارم تجاه الملف النووي الإيراني الذي تبنّته إدارة ترامب في عام 2018م ولكن ما حدث عكس المتوقع، فقد تبنت إدارة بايدن نفس الموقف. وتتخذ الصين الآن إجراءاتٍ بما يتناسب مع العتبة النووية المخفضة لاستخدام الأسلحة النووية الأمريكية مع تعزيز ترسانتها من خلال تحديث صواريخها وبناء مزيد من الصوامع والقواعد. وما يبشر بالخير، هو أن بكين لا تزال القوة النووية الوحيدة التي تلتزم سياستها الطويلة الأمد غير المشروطة والمتمثلة في «ألّا تكون البادئة في استخدام الأسلحة النووية». وتُشير التقديرات إلى أن قواتها النووية تشمل 410 رؤوس حربية تشغيليًّا إلى جانب 210 منصات إطلاق إستراتيجية وصواريخ باليستية عابرة للقارات من البر ومن الغواصات. وتعد القوة النووية الصينية أصغر بكثير من الترسانة النووية الإستراتيجية الأمريكية. وفي حال لم تتراجع الولايات المتحدة عن موقفها إلى ما قبل 2018م، فسيكون سباق التسلح النووي الثلاثي أمرًا لا مفر منه.

ومن المرجح أن تَتَعَزَّز التفاعلات المستمرة بين مساعدة وزير الخارجية لشؤون الحد من التسلح والتحقق والامتثال مالوري ستيوارت وسون شياوبو، المدير العام لإدارة الحد من الأسلحة في الخارجية الصينية من أجل تحقيق الهدف المشترك المتمثل في الحد من الأسلحة والاستقرار الإستراتيجي. وقد بحث اجتماع بايدن وشي استخدام الذكاء الصناعي والاعتماد عليه في المستقبل من بُعْد إستراتيجي أيضًا. ويُعد هذا المجال الجديد من المنافسة هو الأكثر اضطرابًا ولا يمكن التنبؤ به. ويرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده مُستثناةٌ من مثل هذه المحادثات ويتعهد باستخدام الذكاء الصناعي عند الضرورة.

المياه العكرة في بحر الصين الجنوبي

 على الرغم من أن بايدن أكد سياسة بكين الواحدة بعد اجتماعه مع الرئيس الصيني، فإن تركيز الولايات المتحدة على بحر الصين الجنوبي وتايوان سلطَ الضوء على حدود التعاون بين القوتين العظميين. إذ تبذل واشنطن بالفعل جهودًا مضاعفة لإدارة الحرب بين إسرائيل وحماس في الوقت الذي تُتَّهَم فيه بدعمِ استخدام تل أبيب القوة المفرطة. وفي نفس الوقت يَلوحُ في الأفُقِ عدم تحقيق النتائج المَرْجُوَّة على الجبهة الروسية-الأوكرانية. هل يعد هذا الأمر مناسبًا لإدارة بايدن لزيادة الضغط العسكري على الصين في الوقت الذي تفرض فيه عقوبات على القطاع التقني بالفعل؟ من المحتمل أن تخفض واشنطن حِدَّة التوترات في الجزيرة المتنازع عليها من أجل أن تخفض بكين أو توقف الخروقات في المجال الجوي التايواني. وفي الوقت نفسهِ، لا تزال الخلافات البسيطة بين خفر السواحل للدولتين المتنافستين قائمةً في بحر الصين الجنوبي وبحر اليابان.

بالنسبة لإدارة بايدن، لا تدعو أرقام استطلاعات ترامب المرتفعة إلى القلق، فمن خلال تخفيف حدة التوترات قليلًا مع بكين، يمكن للرئيس أن يتفرغ للتركيز على حملة إعادة انتخابه مرة أخرى، لا سيما وأن أعداد المانحين والناخبين من الصينيين الأمريكيين تعد كبيرة وذات أهمية بالغة للحزب الديمقراطي كما هو الحال بالنسبة للأمريكيين المسلمين. وبسبب سياسة بايدن في غزة، قد يكون قد خسر أصوات الأمريكيين المسلمين، لكنه قد يستطيع الحفاظ على أصوات الصينيين الأمريكيين.

وفي هذا الشأن يقدم البروفيسور جوزيف ناي بعض النصائح القيمة لصانعي السياسات في الولايات المتحدة قائلًا: «قد يكون من المفيد فك الارتباط الجزئي أو (إزالة/تقييد المخاطر) بشأن القضايا الأمنية، لكن فك الارتباط الاقتصادي التام سيكون مُكلفًا للغاية، لأن قلة من الدول هي التي ستحذو حذو الولايات المتحدة، ويوجد عددٌ أكبر من الدول التي تَعْتَبِرْ الصين، وليس الولايات المتحدة، شريكًا تجاريًّا رائدًا لها». إن صقور الصين، الذين يسيطرون على الرواية في واشنطن، يبنون تخميناتِهم المثيرة للقلق على سيناريوهات افتراضية. ولا تزال بكين براغماتية للغاية في ما يتعلق بـ«التنافس التعاوني» مع واشنطن. وهي على علمٍ تام ٍبأن انتصار الجمهوريين في عام 2024م سيكون ضارًّا بمصالحها الاقتصادية والإستراتيجية. كما أنها تُدرك حدود استعراض العضلات الذي تفعله الولايات المتحدة في خضم الصراع المستمر في أوكرانيا والشرق الأوسط، وحتى تصل الصين إلى التكافؤ التقني أو التفوق على الولايات المتحدة، ستلتزم التمسك بعقيدة «إدارة المنافسة».

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير