الشكل الجديد للتعاون بين منطقة الخليج العربي وآسيا الوسطى

https://rasanah-iiis.org/?p=32281

جاءت القمة الأولى لقادة دول آسيا الوسطى والخليج العربي في جدة بالمملكة العربية السعودية (عُقدت في الفترة 18-19 يوليو 2023م)، لبثِّ أجواء من التفاعل والتعاون بين بلدان المنطقة الخليجية وآسيا الوسطى، ولتضع حجر أساس في العلاقات بين المنطقتين مُستقبلًا. وقد ساعدت هذه القمة دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى على حلِّ بعض القضايا الرئيسية وتبادل وجهات النظر ورسم مسار جماعي نحو المستقبل. وبما أن دول الخليج العربي كانت تُراقب من كَثب اتجاهات ونجاحات دول آسيا الوسطى في الوقت الذي يتزايد فيه تركيز دول الخليج على المنطقة، ويتزايد اهتمامها بالمشاركة في الاستثمارات وفي المشاريع المشتركة، تضمنت القمة مقترحات بتشكيل منصة حوار إستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى نتيجة لتعزيز التعاون بين المنطقتين.

ويضم مجلس التعاون الخليجي ست دول (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين وعمان)، ولا تؤثر سياسات هذه الدول وقراراتها في منطقة الخليج العربي فحسب، بل تؤثر أيضًا في الشرق الأوسط بأكمله. فيما تستثمر دول الخليج على نطاق واسع في اقتصادات دول آسيا الوسطى، إذ تجاوز إجمالي محفظة المشاريع التي نُفذت في أوزبكستان بالاشتراك مع الشركات والبنوك الرائدة في دول الخليج 20 مليار دولار.

وتُعد القمة مسعى آخر يهدف إلى تنظيم التفاعل بين دول المنطق وتوحيد المشاريع التي تنفذها دول الخليج في آسيا الوسطى، لا سيَّما أن بلدان آسيا الوسطى والخليج ينظران إلى بعضهما على أنهما شركاء موثوقين ودائمين. وأود أن أشير هنا بعين الرضا إلى أن العلاقات بين أوزبكستان ودول الخليج قد وصلت في السنوات الأخيرة إلى مستويات جديدة.

تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من 60% من احتياطيات النفط في العالم، كما أن لديها أيضًا أكبر حقول الغاز، ناهيك بأنها تلعب دورًا مُهمًّا في النظام الجيوسياسي والاقتصادي الحالي. ويُنظر إلى مجلس التعاون على أنه منظمة تهدف إلى الحفاظ على العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين دول الخليج. وقد عزز مجلس التعاون الخليجي التعاون بين الدول الأعضاء في مجالات الدفاع والأمن والاقتصاد والسياسات الخارجية، واتُخذت خطوات مهمة في إطار المجلس من أجل إدماج اقتصادات دول الخليج.

وتختلف دول مجلس التعاون الخليجي عن غيرها من المنظمات الإقليمية المماثلة في عدة جوانب، فهي تشترك في لغة واحدة وهوية واحدة ودين واحد. بالإضافة إلى ذلك، تتشابه في المعايير الاجتماعية والاقتصادية وأنظمة الحكم والثقافة. ويحافظ المجلس على اتصالاتٍ وثيقةٍ مع المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى مثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامية. ومنذ منتصف عام 1980م نالت دول الخليج الاعتراف بقوتها المالية والاقتصادية على مستوى العالم العربي.

وبالعودة إلى أهداف القمة الأخيرة، فقد ساعدت هذه القمة دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى على حل القضايا الرئيسية وتبادل وجهات النظر ورسم مسار جماعي نحو المستقبل، إذ تُراقب دول الخليج من كثب اتجاهات ونجاحات دول آسيا الوسطى في الوقت الذي يتزايد فيه تركيز دول الخليج على المنطقة، ويتزايد اهتمامها بالمشاركة في الاستثمارات وفي المشاريع المشتركة. وتضمنت القمة مقترحات بتشكيل منصة حوار إستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى نتيجة لتعزيز التعاون بين المنطقتين.

وقد شهدت آسيا الوسطى تحولًا جذريًّا في السنوات الأخيرة، إذ تركت الاتجاهات الإيجابية التي شهدتها المنطقة أثرًا إيجابيًّا على جميع المجالات المهمة تقريبًا، وانعكست هذه الإيجابية على عددٍ من الحوارات والقمم التي عقدت مع القوى والكتل الدولية الكبرى الأخرى، وأيضًا أثّرت في التفاعلات الدبلوماسية المتكررة، وعلى نمو حجم التبادل التجاري وتنفيذ مشاريع استثمارية مشتركة كبرى.

وأكد الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزيوييف بتصريحاته الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية للبلاد، منوهًا بأن دول آسيا الوسطى، التي تتشابك أوزبكستان بمصالح حيوية معها، تقع في أعلى سلم أولويات سياسات بلاده الخارجية.

ونتيجةً إقامة تعاون إستراتيجي بين دول جوار منطقة آسيا الوسطى، ظهرت بيئة جديدة تمامًا في المنطقة ملائمة جدًّا لتطوير التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري. وفي الوقت نفسه، يُبرز الموقف الجيوسياسي لأوزبكستان الأهمية الخاصة لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية مع دول الخليج. وفي هذا الصدد، تبذل قيادة أوزبكستان جهودًا موجَّهة بهدف تكثيف التعاون السياسي والاقتصادي والعلمي وفي مجال الابتكار مع دول الخليج.

وقد أدرك الشركاء الأجانب تدريجيًّا أن تحفيز التفاعلات الإقليمية يفتح فُرصًا جديدة لتنفيذ المشاريع التجارية والاقتصادية والاستثمارية الواعدة في آسيا الوسطى. وفعَّلت جمهوريات المنطقة نهجًا إقليميًّا من أجل بناء العلاقات مع الدول والكتل القيادية الأخرى. وتُدرك دول الخليج «الديناميات» الجديدة في مجال التعاون الإقليمي مع دول آسيا الوسطى، إذ تعمل بنشاط على إعادة هيكلة سياساتها الخارجية لتنويع اقتصاداتها. وتجدر الإشارة إلى أن دول الخليج تعمل الآن على تطوير إستراتيجية جديدة لتنفيذ شراكة واسعة النطاق مع آسيا الوسطى، إذ يهدف الحوار الإستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى على وجه التحديد إلى تعزيز التفاعلات بين المنطقتين من أجل تطوير التعاون على عدة مستويات.

وفي السنوات الماضية، تعززت العلاقات بين أوزبكستان ودول الخليج بدرجة كبيرة، وأحرزت تقدمًا في التوجهات الإستراتيجية للتعاون، إذ ركزت أوزبكستان في مسار المفاوضات الرسمية على مختلف المستويات، وعلى تطوير الحوار السياسي والتبادلات الثقافية والإنسانية، فضلًا عن تعزيز التجارة والاستثمار.

تُظهر دول الخليج اهتمامًا بتنويع علاقاتها الاقتصادية من أجل تنويع اقتصاداتها، وفي الوقت نفسه، الاستفادة من المواقف الجيوسياسية والجغرافيا الاقتصادية المواتية لجمهوريات آسيا الوسطى، خصوصًا أوزبكستان. ويرغب رواد الأعمال الخليجيون في عقد شراكات مع نظرائهم الأوزبكيين، خصوصًا مع الجهات المعنية في القطاع الزراعي. وسبق أن طرح الرئيس ميرزيوييف خمسة مجالات رئيسية من أجل توسيع الشراكات بين دول المنطقتين، وشملت هذه المجالات تطوير روابط واسعة النطاق بأشكال مختلفة وتطوير اتفاقية متعددة الأطراف في المستقبل حول الصداقة والترابط الإقليمي والتعاون في مجالات التقنية المتطورة والذكاء الاصطناعي والزراعة المتطورة والتقنية النانوية والأحيائية وتغير المناخ والبيئة والسياحة والتقنية الرقمية.

في النظام الدولي الحالي، وبالنظر إلى التطورات العالمية، فإن دول الخليج العربي تحتل مكانةً خاصة، وترى أوزبكستان أن تطوير التعاون السياسي والتجاري والاقتصادي مع دول الخليج، بما تملكه من فرص استثمارية واسعة النطاق، جزء من مصالحها. ومع وضع ذلك في الاعتبار، تعمل أوزبكستان باستمرار على تطوير التعاون المفيد لكلا الطرفين، وخصوصًا مع المملكة العربية السعودية، وهي الدولة الأكثر نفوذًا والأكبر من حيث المساحة في شبه الجزيرة العربية، وتمتلك أيضًا أكبر الإمكانات المالية ورأس المال البشري.

وقد زاد حجم التجارة بين أوزبكستان والمملكة العربية السعودية منذ بداية العام الحالي بنسبة 20%، وتضاعف أيضًا عدد المشاريع المشتركة بين البلدين. وقد بدأ تنفيذ مشاريع مهمة في قطاع «الطاقة الخضراء» بمشاركة الشركة السعودية الرائدة في مجال الطاقة «أكوا باور». كما يجري العمل على مشاريع استثمارية كبيرة في مجالات «الهيدروجين الأخضر» والبتروكيماويات والزراعة والأدوية والطب والسياحة، وكذلك في مجالات أخرى.

وفي الوقت الذي تتزايد فيه التفاعلات الدبلوماسية مع قطر، تعد أوزبكستان قطر شريكًا واعدًا، ليس فقط في الخليج العربي، ولكن في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي. لذلك، فتحت الزيارة التي أجراها أمير قطر إلى أوزبكستان، وهي الأولى في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مرحلةً جديدةً من التعاون الثنائي، وأسهمت في الارتقاء بها إلى مستوى الشراكة الشاملة. وتُعدُّ قطر واحدة من المستثمرين النشطين في منطقة آسيا الوسطى، ففي يونيو 2023م أُبرمت اتفاقيات استثمارية بين أوزبكستان وقطر في المجالات اللوجستية وفي الطاقة والزراعة بقيمة تزيد على 12 مليار دولار.

ولعب افتتاح سفارة قطر في «طشقند» دورًا مهمًّا في التعزيز الفعال للتعاون الثنائي بين البلدين في عام 2023م. وفي المقابل سوف يُحقق التعاون الثنائي مزيدًا من التقدم من خلال افتتاح سفارة أوزبكستان في الدوحة. وفي الوقت الحاضر، افتتحت سفارات أوزبكستان في بعض دول الخليج العربي، كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعُمان والكويت. وفيما يخص التعاون مع الإمارات، فقد أحرزت أوزبكستان تقدمًا كبيرًا في تنفيذ الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، فمنذ عام 2020م بدأت شركة الاستثمار الأوزبكية الإماراتية المشتركة أعمالها في أوزبكستان. وتحظى المرحلة الجديدة من الإصلاحات بتقدير كبير من دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في سبيل الحد من حصة الحكومة في اقتصاد أوزبكستان، وتُبدي اهتمامًا أيضًا بتوسيع نطاق التعاون، وذلك من أجل التحضير لوضع الخطط لتطوير المدن والمناطق الرئيسية.

من جانبها، أعربت سلطنة عُمان استعدادها للعمل مع أوزبكستان لجذب دوائر الأعمال لكلا البلدين من أجل إقامة علاقات أوثق وتنفيذ مشاريع استثمارية مشتركة في أوزبكستان. وتعمل الأطراف بنشاط على جذب رؤوس الأموال من المستثمرين العُمانيين. ويدرس الشركاء إمكانية تنفيذ مشاريع مشتركة في قطاعَي النقل والسياحة، كما ينوي البلدان اتخاذ خطوات عملية لزيادة التدفقات المتبادلة للركاب والبضائع بينهما، وكذلك إقامة فعاليات ثنائية لتعزيز التبادلات الثقافية بين البلدين.

وختامًا، فَتَحت قمة دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى المجال أمام آفاق جديدة للتفاعلات بين المنطقتين اللتين تشهدان تطورًا سريعًا على المستوى العالمي. وكما أشار رئيس أوزبكستان إلى أن الأفكار والمقترحات التي طُرِحت في نقاشات القمة، أظهرت أن هذه المناطق لديها إمكانات كبيرة وتحتاج إلى مزيد من التطوير، لذا فقد أيَّد المشاركون في القمة اقتراح رئيس أوزبكستان بعقد الاجتماع المقبل للقادة على شكل حوار بين آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي في مدينة أوزبكستان التاريخية، سمرقند، التي من المنتظر أيضًا أن تكون مثل «كشف حساب» عما نُفّذ من أجندة «قمة جدة»، وليكون مؤشرًا لما انتهى من مشاريع، واستكمال ما اتُفق عليه في المستقبل. 


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد

أ.د/ نادر عبد اللاييف
أ.د/ نادر عبد اللاييف
نائب رئيس جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية