العراق يُسدد جزئيًّا الديون المستحقة لإيران بعد تمديد الولايات المتحدة الإعفاءات من العقوبات

https://rasanah-iiis.org/?p=33450

سَيُمَكّنُ القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة مؤخرًا بتمديد الإعفاءات من العقوبات لمدة أربعة أشهر، العراق من مواصلة تجارة الغاز والكهرباء مع إيران، إذ منحت واشنطن العراق إعفاءات من العقوبات في مايو 2018م، بعدما انسحبت الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، المعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة».

أَجبر قرار إدارة ترامب بالانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وما تلاه من عقوباتٍ فرضتها الولايات المتحدة على إيران، العراق على تأخيرِ سداد دفعاته المستحقة المتعلقة بالطاقة لإيران. وعلى الرغم من أن المتعاقدين الإيرانيين يواجهون مشكلات التأخير عن سداد الدفعات المستحقة على العراق باستمرار منذ عام 2018م، فإن معظم ديون الطاقة مُسْتَحقة للحكومة الإيرانية. وأكدت طهران أن العقوبات فضلًا عن المشكلات المالية الداخلية الهائلة في العراق حالت دون سداد الديون المستحقة في الوقت المناسب.

وردًّا على ذلك، خَفضَت إيران صادرات الغاز إلى العراق هذا العام بنحو 20 مليون متر مكعب يوميًّا، وذلك على الرغم من وجود اتفاقٍ يُلزمها توريد 30 مليون متر مكعب من الغاز إلى العراق يوميًّا، حتى توضع الأمور في نصابها الصحيح. علمًا أن البلاد تفقد 6000 ميجاوات من إمدادات الكهرباء مقابل كل تخفيض قدره 10 ملايين متر مكعب من إمدادات الغاز إلى العراق. وَيُنْفِق العراق قرابة من 4 مليارات دولار سنويًّا لاستيراد الغاز والكهرباء من إيران، ولكنه لا يزال في حاجة إلى نحو 70 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي لتلبية الطلب المحلي اليومي. ويُخطط العراق للاستثمار في الغاز وحقول الغاز الطبيعي التابعة له لتلبية احتياجات الطاقة وتقليل الاعتماد على الواردات من إيران. وزادت احتياطيات الغاز الطبيعي العراقي بمقدار 8 تريليونات قدم مكعب، الأمر الذي رفع مستوى الغاز الطبيعي المؤكد إلى قرابة 140 تريليون قدم مكعب، على الرغم من أن هذه الأرقام لم يُتَحَقَّق منها بعد من طرف مستقل. وحتى ذلك الحين، سيعتمد العراق على إيران لتلبية احتياجاته من الغاز والكهرباء.

دفع هذا الأمر الحكومة العراقية إلى الدعوة إلى عقد صفقة مقايضة النفط مقابل الغاز مع طهران في الصيف الماضي، على الرغم من العقوبات المفروضة. وبحلول 12 يوليو، أكدَّ العراق أنه سيسدد ديونه من خلال الدفع لإيران بالنفط الخام. وتهدف هذه الخطوة العراقية إلى نزع فتيل التوترات مع إيران، إذ يُدرك الجانب العراقي حقيقة اعتماده على إيران لتغطية ما نسبته 40% من احتياجاته من الغاز والكهرباء. وفي وقت سابق من هذا العام، بلغت ديون إيران على العراق نحو 11 مليار دولار، وفي هذا السياق، منحت الولايات المتحدة العراق إعفاءات لمساعدته على سداد ديون مستحقة لإيران بنحو 3 مليارات دولار. وقدرت السفارة الإيرانية في بغداد مبلغ الدين المستحق بـ11 مليار دولار، لكن «البنك المركزي الإيراني» قال إنها تقارب 10 مليارات دولار.

وقبل أن تتدخل الولايات المتحدة لتمديد الإعفاءات الأخيرة للعراق في منتصف نوفمبر، أعربت بغداد بالفعل عن استعدادها لتسوية ديونها المستحقة من خلال إجراء معاملات مالية مع النظام المصرفي الإيراني. وتوجه وفدٌ من «البنك المركزي العراقي» و«المصرف العراقي للتجارة» إلى سلطنة عُمَانْ للعملِ على صيغة مع وزارة الخزانة الأمريكية تعمل بموجبها عُمَانْ وسيطًا وتحوِّل مدفوعات الديون إلى إيران. وحسب ما أفادت به التقارير، فإن واشنطن كانت مُصِرَّةً على إخراج الأموال من العراق لمنع إيران من الوصول إلى الموارد المالية المتاحة، وذلك مع إدراكها حجم النفوذ الإيراني على بغداد.

ووفقًا لآخر الترتيبات في ما يتعلق بسداد جزئي للديون، سيستمر العراق في تلقي الغاز والكهرباء من إيران. لكن في سبيل المضي قدمًا، من المُرجح أن يكون أيُّ تعويضٍ ماليٍ يُقدم إلى إيران من خلال مدفوعات الديون مشروطًا باستخدام طهران هذه المبالغ لتلبية الاحتياجات الإنسانية المُلحة للبلاد. وبخلاف ذلك، تَعتقد الولايات المتحدة أن طهران قد تَستخدم هذه الأموال لتمويل وكلائها الإقليميين وتصعيد التوترات في المنطقة، خصوصًا أن الصراع في غزة قد يستغرق وقتًا لنزع فتيله، وقد تستغل إيران هذه الفرصة لتوسيع نطاق الصراع لتقويض المصالح الأمريكية في المنطقة وتوسيع نطاق نفوذها.

وفي الوقت نفسه، يُعارض المشرعون الجمهوريون في الكونغرس الأمريكي بشدةٍ الإفراج عن أي أموال لإيران. ونتيجة ذلك، مُنعت إيران من سحب الأموال على الرغم من حقيقة أن واشنطن قد أعطت في وقتٍ سابقٍ الضوء الأخضر للإفراج عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج، عبر قطر، وذلك لحث طهران على إطلاق سراح السجناء من ذوي الجنسية المزدوجة، بمن فيهم الأمريكيون الإيرانيون، في سبتمبر من هذا العام، وذلك بعد ضغوطات الجمهوريين، وبعد هجوم حليفة إيران، حماس، على إسرائيل في أكتوبر الماضي.

وحتى الآن، حولت مدفوعات الديون العراقية السابقة مباشرة إلى شركتين إيرانيتين، هما «توانير» و«شركة الغاز الوطنية الإيرانية»، من خلال حساباتهما في المصرف العراقي. وقد منعت الولايات المتحدة العراق من سداد ديونه المستحقة لإيران بالدينار العراقي، إلا إذا حولت العملة المحلية أولًا إلى الدولار الأمريكي، لأنها العملة التجارية الرئيسية التي يستخدمها العراقيون، التي تسيطر عليها واشنطن بإحكام.

كل المؤشرات تتجه إلى أن الولايات المتحدة قد تستخدم هذا النفوذ المالي للضغط على إيران للحد من التوترات الإقليمية. وتستهدف واشنطن معاقِلَ إيران الإقليمية في الوقت نفسهِ للتعبيرِ عن امتعاضها من السلوكِ الإيراني. وبعد أكثر من شهرٍ على هجوم حماس على إسرائيل، وفي 21 نوفمبر، هاجمت القوات الأمريكية موقعين في العراق مرتبطين بإيران، ردًّا على نحو 66 هجومًا نفذتها مجموعات مرتبطة بإيران ضد قوات التحالف الأمريكية في المنطقة. وكانت الجماعة المسلحة العراقية المرتبطة بإيران، وهي كتائب حزب الله، ضالعةً في هذه الهجمات.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير