القيادة السعوديّة تفضحُ تناقضات إيران أمام العالَم

https://rasanah-iiis.org/?p=22251

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

في كلمةٍ تاريخيّة ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز كلمة المملكة العربية السعودية أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة افتراضيًّا في افتتاح دورتها الخامسة والسبعين. وفي وقتٍ بالغ الحساسية يمر العالم بمنعطف خطير تضطربُ فيه أوراق التوازنات الدوليّة والإقليميّة وتختلط فيه أوراق الثوابت بالمتغيرات؛ بسبب عدم التقييم الصحيح للقوى العالميّة لحجم المخاطر التي يُشكلها النظام الإيراني على الأمن والسّلم العالميّيْن جاءت كلمة الملك سلمان بمثابة النداء الأخير قبل انطلاق العالم نحو الفوضى. إذا ما سمحت الدول الكبرى لإيران التي أثبتت غير مرة أنها دولة غير مسؤولة بالتسلح لأسبابٍ بعضها سياسيّ يتعلق بمتغيرات العلاقات التي تجمعها بالولايات المتحدة والبعض الآخر اقتصاديّ طمعًا في مكاسب صفقات السلاح مع إيران، متناسيةً الثوابت التي ظلت تحافظ على توازن معادلات القوة في العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.

 فهل هذه الدول التي تدعم إيران حاليًّا أو تلك الدول التي تغض الطرف عن اعتداءاتها وتجاوزاتها مستعدةٌ لما يمكن أن يؤدي إليه التلاعب بتلك التوازنات، إنّ مثل هذه التفاعلات الخطرة لا يمكن التحكم بها اذا انطلقت ولا يمكن التعامل معها بسياسة حافة الهاوية، فالسماح بتكوّن تحالفٍ دوليﱟ يجمع بين إيران وكل ﱟمن روسيا والصين وبعض الأطراف الإقليميّة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا مع تغاضٍ أوروبي عن تلك التحركات لا يمكن أن يكون تفاعلًا مأمونًا كورقة ضغط أو تفاوض يُمكن التراجع عنها مع تحقيق بعض المكاسب.

لقد استخدم خادم الحرمين الشريفين استعراض تاريخ التجاوزات الإيرانية مع المملكة العربية السعودية على مدار الأربعين عامًا الماضية كدليلٍ دامغ على أنّ سياسة السعي لدمج إيران بالمجتمع الدولي عن طريق إلغاء العقوبات بغية تقديم مُحفّزات لإيران لتغيير نهجها العدائي الداعم للإرهاب والتطرف لم تفلح، بل على العكس قدمت الدعم لتعزيز النهج العدائي الإيراني التي استغلت الموارد المالية والتي أتيحت لها في دعم الميليشيات المسلحة بالمنطقة وقوضت بها أمن واستقرار المنطقة. ولم يكُن المقصود من هذا الاستعراض طلب العون الدولي للوقوف بمواجهة إيران بقدر توضيح أنّ خطر النظام الإيراني هو خطر يُهدد أمن واستقرار العالم وليس منطقة الشرق الأوسط فحسب.

لقد خاضت المملكة مع إيران مراحلَ متباينة من العلاقات منذ قيام الجمهورية الإيرانية بدأتها باحترام خيارت الشعب الإيراني واعترفت بالجمهورية الإيرانية فور إعلانها، ومع ظهور بوادر انفتاحٍ لدى إيران في عقد التسعينيات في عهديْ الرئيسين الإيرانيين الأسبقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، وحتى في الفترة الرئاسية الأولى لأحمدي نجاد سعت المملكة لتوطيد  علاقاتها مع إيران على الرغم من بعض التجاوزات الإيرانية فيما يتعلق باحترام سيادة الدول العربية على أراضيها ومحاولات إيران المتكررة لاختراق المجتمعات العربية والنفوذ بداخلها.

لكن ّإيران لم تنفك تدعم الطائفية والتطرف وتتدخل في شؤون الدول العربية عامّة والمملكة على وجه الخصوص، وإنْ كانت قد قامت بتنفيذ هذه السياسات سرًا في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلّا أنّها نفذتها علانيةً وبشكلٍ سافر بعد اندلاع ما عُرف بثورات الربيع العربي في كلﱟ من سوريا واليمن، ومِن قبل كان تغلغها وإحكام سيطرتها على مفاصل الدولة العراقية واللبنانية.

لقد بات حزب الله اللبناني الذراع الرسمي لإيران في لبنان والشرق الأوسط يُشكّل عبئًا ثقيلًا على كاهل الدولة اللبنانية عبر تنفيذ أجندة إيران في المنطقة والتي لا تتوافق مع مصالح الدولة اللبنانية ولا تتناسب مع طبيعتها التعددية، وكان التفجير الذي تعرّض له مرفأ بيروت مؤخرًا شاهدًا على ما يُعانيه لبنان من استلاب الحزب لإرادة الدولة وخضوعه التام لإيران.

وعندما أرادت المملكة إيقاف هذه الفوضى التي عصفت بالعديد من دول الجوار العربي وباتت تُشكل طوقًا حول المملكة العربية السعودية تمّ استهداف المملكة مباشرة بقصف معامل شركة أرامكو وهو ما شكل تهديدا للاقتصاد العالمي ككل، وأطلقت ميليشيات المتمردين الحوثيين أكثر من 300 صاروخٍ باليستي و400 طائرة مُسيرة باتجاه مدن المملكة.

وعلى العالم أن يدرك جيدًا أنّ الخطر الإيراني تعدى حدود منطقة الشرق الأوسط فكم من التفجيرات والاعتداءات شهدتها الدول الأوروبية عندما سعى النظام الإيراني إلى تصفية معارضيه على أراضيها، وكم من التحركات والعمليّات الإجرامية التي يُديرها حزب الله اللبناني ذراع إيران المُعلن في كلﱟ من أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

إنّ كلمة خادم الحرمين الشريفين قدّمت للجمعية العامة للأمم المتحدة تحذيرًا ونداءً أخيرًا للعالم قبل الوصول لمرحلة اللا عودة في حال استمرار التلاعب بورقة إيران بين الدول الكبرى وتناسى ما تُمثله من تهديدٍ عالميﱟ ودعم للإرهاب والتطرف على مستوى العالم. إنّ اختباء طهران خلف موسكو وبكين في تنافسهما مع واشنطن لا يُمكن قبوله إقليميًّا ولابدّ على دول العالم والمنطقة من الدفع بطهران نحو تغيير السلوك والانسجام مع محيطها الإقليمي والتوقف عن زعزعة أمن واستقرار المنطقة وتهديد تدفقات الطاقة العالمية.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية