بالخرافات والأساطير يتنصَّل النظام الإيراني مِن المسؤولية

https://rasanah-iiis.org/?p=20362

تتمتَّع القيادة الإيرانية بمهارة جيِّدة في تكييف خطابها حسب جمهورها المستهدَف، فعلى المستوى الخارجي تستخدم القيادة الإيرانية لغةً دبلوماسية يملؤُها الاهتمام بحقوق الإنسان والقضايا الإنسانية، أمّا على المستوى الداخلي فيَرتكز خطابُها إلى حدٍّ كبير على نظرية المؤامرة والشعوذة والخرافات، وهذا ما سنناقشه في هذا المقال.

على نحوٍ لافت للنظر، أصبح التناقض بين الأساليب الخطابية المختلفة للقيادة الإيرانية وادِّعاءاتها أكثر وضوحًا في أزمة فيروس كورونا، فبدلًا من الإقرار بانتشار الفيروس في البلاد والتصدي بفاعليةٍ للأسباب الرئيسية التي أدّت إلى تفشيه من إيران إلى الدول المجاورة، مثل العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج، تبنَّت النخَب الحاكمة في إيران مواقف متناقضة، إذ تكلَّموا بفخرٍ أنّ الأطبّاء الإيرانيين على وشك إنتاج لقاحٍ ولا حاجة لهم إلى أي مساعدةٍ خارجية، بينما طلبوا في نفس الوقت دعمًا أجنبيًّا، وطالبوا أيضًا برفع العقوبات الأمريكية.

وكعادته مُستشهِدًا بــ«نظرية المؤامرة»، اتَّهم المُرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الولايات المتحدة صراحةً بتصنيع فيروس كورونا لاستهداف إيران، قائلًا: «صُنِع خصّيصًا لإيران باستخدام البيانات الجينية للإيرانيين، التي حصلوا عليها (أي الولايات المتحدة) بوسائل مختلفة». وزعم خامنئي أيضًا أن خصوم إيران المختلفين والأقوياء اتحدوا لمساعدة بعضهم بعضًا على توسيع الأزمة في البلاد، مؤكِّدًا أنّ أعداء إيران حاولوا استخدام الجن وقوى شيطانية لاختراق النظام السياسي الإيراني، ولكنهم فشلوا في ذلك.

إنّ كبار المسؤولين ورجال الدين، مثل حجّة الإسلام ولي الله نقي بورفر، يُدْلُون باستمرارٍ بتصريحاتٍ مشابهة، مما يشير إلى أنّ النخبة الثيوقراطية تتبنّى سياسات مبنية على أساطير السحر والشعوذة ونظرية المؤامرة. وعلى ما يبدو فإنّ القيادة الإيرانية غير قادرة على محاسبة المسؤولين، ولذلك تعزو أيَّ مشكلة في البلاد إلى نظريات المؤامرة الوحشية والشعوذة والأرواح الشرّيرة.

هذا الخطاب متأصِّل في نظرة النخبة الثيوقراطية الإيرانية للعالَم، إذ أثار الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد غضب النخبة الدينية عندما بالغ في فكرة عودة الإمام المهدي الوشيكة، واستشهد بها في معظم خطاباته. وأنتج أنصاره السياسيون فيلمًا ظهر فيه خامنئي وأحمدي نجاد كجنديَّين يبشّران بعودة المهدي، بينما عبَّر بعض رجال الدين، مثل ناصر مكارم شيرازي، عن معارضتهم للفيلم في ذلك الوقت، بحجّة أنه وجَّه ضربة إلى معتقدات الشعب الإيراني وإيمانه بالمهدية.

وفي تسجيل محادثة للرئيس السابق مع رجل الدين البارز آية الله عبد الله جوادي-أمولي، قال أحمدي نجاد إنه في خطابه في الأمم المتحدة شعر بوجود الإمام المهدي، وشعر وكأنّ هالة من النور الإلهي تحيط به. وعلى الرغم من أنّ هذه الحادثة دفعت كثيرًا من رجال الدين إلى اتهام أحمدي نجاد باستغلال معتقدات الشعب الإيراني لتحقيق مكاسب سياسية، فإنّ هذا النوع من الخطابات ليس غريبًا.

وبالمثل، زعم ممثل خامنئي المعيَّن لإدارة شؤون مسجد جمكران في قم أنه شهد شخصيًّا اجتماعات سرّية بين المرشد الأعلى والمهدي. ولم يُدهِش هذا الادِّعاء المذهلُ أيَّ شخص في إيران، لأنّ هذا الادِّعاء شبيه بادِّعاء شاه إسماعيل، الزعيم الصفوي في القرن السادس عشر، الذي زعم أنه التقى الإمام الغائب في كهف بالقرب من مدينة تبريز وقال له: «حان الوقت لتخرج، اذهب، قد مَنحتُك السلطة».

وبالنظر إلى مثل هذا الادِّعاءات المتكررة، يبدو لنا أنّ السمة المميزة للفصائل السياسية الشيعية هي محاولة إرغام المؤمنين على ولاءٍ أكبر من خلال استغلال إخلاصهم الديني من أجل تعزيز شرعيتهم.

عندما نأخذ كل هذا في الحسبان، يبدو أن رجال الدين الولائيين مثل شيرازي يستخدمون مثل تلك الخطابات الخدّاعة في أزمة فيروس كورونا. وعلى سبيل المثال، قد شجعوا على زيارة الأضرحة والمقابر المقدَّسة من أجل الشفاء الإلهي، إذ قال آية الله محمد السعيدي، ممثل خامنئي في قم: «نَعُدُّ هذا المكان المقدَّس ملاذًا للشفاء، وبناءً على ذلك يجب أن يبقى هذا المكان مفتوحًا، ويجب أن يتدفق الناس إليه بشكل جماعيّ».

وبالمثل، انتقد منشور على موقع «ضريح فاطمة معصومة» الشهير قرارَ مجلس المحافظة في قم بتعليق صلوات الجماعة وتعقيم الضريح، بإطلاق ادِّعاءات كاذبة بأنّ بناء الضريح مضادّ للجراثيم.

وبسبب هذا الخطاب الميتافيزيقي والأسطوري، واللعب بمشاعر العامة، واستغلال يأسهم وجذب إخلاصهم الديني، نزل الناس إلى الشوارع للاحتجاج على إغلاق «ضريح فاطمة معصومة»، واقتحم البعض الضريح، فيما أعلن آخرون عن إيمانهم بقدراته الخارقة بلعقه، بدلًا من سماع النصائح الطبية التي تؤكِّد أنّ مثل هذه الأماكن هي بُؤَر خصبة لتفشّي الفيروس.

كلُّ هذه الحقائق تقودنا إلى استنتاج لا مفرَّ منه، بأنّ النخبة الإيرانية، ومن خلال تبنِّي مثل هذا الخطاب، تسعى إلى التهرُّب من المسؤولية عن الحالة السياسية والاقتصادية غير المستقرة التي تسببت فيها سياساتها، وتحاول تعزيز شرعيتها ومكانتها السياسية باللجوء إلى الخرافات والأساطير.

وفي وقت تعددت فيه الأزمات، وآخرها فيروس كورونا، وجدَت النخبة الثيوقراطية في إيران أنّ أعذارها الميتافيزيقية المُعتادة ونظرياتها عن المؤامرة قد لا تكون كافيةً لتخفيف مخاوف وغضب الشعب الإيراني، الذي يعاني منذ وقتٍ طويل. وعلى الرغم من أن النخبة الدينية مستمرة في إلصاق كل إخفاقاتها بأسبابٍ واهيةٍ، ملقيةً باللوم على العوامل الخارجية إقليميًّا ودوليًّا، كما هي الحال دائمًا، فلم يعُد كثير من الإيرانيين ساذجًا، لا سيما وقد أصبح فشل الحكومة في التعامل بفاعلية مع فيروس كورونا واضحًا للجميع.

مصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية