مآلات الأزمة العراقية على ضوء القرار الصدري بالاعتزال السياسي واندلاع المواجهات المسلحة

https://rasanah-iiis.org/?p=28852

في خطوة بالغة الخطورة والتعقيد بلغت فيها أزمة الانسداد السياسي ذروتها، أعلن زعيم التيار الصدري* مقتدى الصدر يوم 29 أغسطس 2022م اعتزاله العمل السياسي نهائيًّا، مع إغلاق كل المؤسسات التابعة له باستثناء المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر، وإغلاق كل الصفحات التابعة له على مواقع التواصل الاجتماعي، مع تأكيد عدم رفع أي تجمُّعات أو أحزاب الأعلام والشعارات والهتافات باسم التيار الصدري في حراكها.

ثم عاد الصدر، بعد موجة مواجهات دامية في المنطقة الخضراء أسفرت عن مقتل 23 شخصًا وجرح نحو 500 شخص، ليدعو أنصاره، بعد يوم واحد من قرار اعتزاله، في كلمة أسَّسَت في نظر البعض حالة من الهدوء، بالانسحاب الفوري من المنطقة الخضراء، وإنهاء الاعتصامات خلال 60 دقيقة. وعلى الفور انسحب أنصاره في مشهد أثار دهشة المتابعين في سرعة الاستجابة، ومدى التأثير الجماهيري للصدر.

أولًا: بيئة ودوافع القرار الصدري

تعرَّض الصدر خلال الآونة الأخيرة لضغوط سياسية ودينية، دفعته لاتخاذ قرار اعتزال العمل السياسي، مؤكدًا في أثناء دعوته لأنصاره بالانسحاب من المنطقة الخضراء، بالنظر إلى:

1. مسألة الانغلاق السياسي: بانقسام القوى السياسية على مطالبه لحل البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة.

2. مسألة التعقُّد الدستوري: بعدم توافُر الاشتراطات الدستورية في الحالة القائمة، فالبرلمان يحلّ نفسه بنفسه دستوريًّا، وفق المادة 64 من الدستور، في جلسة انعقاد بالأغلبية (النصف+1)، والدعوة لانتخابات جديدة خلال 60 يومًا من تاريخ حلِّه، من خلال آليتين:

  • الأولى: بناءً على طلب من ثلث أعضائه، وهذه الطريقة يصعب تحقيقها على ضوء رفض الإطار التنسيقي*، الذي بات يحظى بالتكتُّل الأكبر للحل، وحتى لو وافقت غالبية التحالفات على الحل يمتلك الإطار آلية التعطيل.
  • الثانية: بطلب من رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية، وهذه الآلية غير واردة، لأن رئيس الدولة غير مُنتخَب من البرلمان الراهن، ورئيس الحكومة منتهية ولايته، ما يتطلب ضرورة انتخاب رئيس دولة وتسمية رئيس حكومة جديدين لأجل الحل.

ينتظر البعض قرار المحكمة الاتحادية حول إمكانية حل البرلمان نتيجة انتهاء المهل الدستورية، لكن ذلك يبدو صعبًا للغاية، لأنها ليست جهة اختصاص لحل البرلمان دستوريًّا، وقد ردَّت، في السابق عديدًا من الدعاوى المماثلة أمامها لعدم الاختصاص.

3. محاولات نزع الشرعية المرجعية من الصدر: سبق استقالة الصدر قرار مفاجئ من المرجع الشيعي الحائري، الذي يقلّده الصدريون، ويبدو أن الهدف من وراء تلك الاستقالة/العزلة إحراج التيار الصدري، ونزع الشرعية المرجعية منه لصالح خصومه في قوى الإطار التنسيقي والموالين لإيران. وقد ركز الحائري على عدم بلوغ مقتدى الصدر درجة «الاجتهاد»، بمعنى أنه لا بد أن يكون مقلّدًا لأحد المراجع، ومِن ثَمّ فقد أحال الحائري أتباعه إلى مرجعية المرشد الإيراني علي خامنئي، ليضع الصدر والصدريين في مأزق. بالتالي، كانت استقالة الحائري وبيان عزلته موجَّهين في الأساس إلى مقتدى الصدر، وقد تلقَّف مقتدى هذا الخيط وأعلن بدوره استقالته من العمل السياسي في العراق، برمّته.

ولاستقالة الحائري تأثيرات أخرى لن تتوقف عند الأزمة التي سبَّبها لـ«التيار»، بل ستمتدّ لتشمل أزمة ترتيبات خلافة المرجعية في النجف، إذ إنّ الحائري كان من المرشحين الموالين لإيران للتصدُّر للمرجعية النجفية بعد السيستاني، بيْد أنَّ الإيرانيين ربما ارتأوا أولوية الضغط على الصدر والتخلص من نفوذه على ترتيب فراغ ما بعد السيستاني، لا سيما أن فرص الحائري تضاءلت في التصدُّر، بسبب كِبَر سِنّه، ونبذ الجماعة النجفية له.

من المتوقع أن تستمرّ عزلة الحائري، لكن ليس من المرجح أن تستمرّ عزلة الصدر، الذي يبدو أنه استوعب الصدمة وبات يلملم أوراقه، ويعيد حساباته، ويبحث عن شرعية دينية جديدة، يرتكز عليها في مشروعه. قد تكون النجف هي تلك المرجعية، ممثلةً في آية الله السيستاني، أو آية الله الفياض، لا سيما وقد أشار الصدر في بيانه إلى أن النجف هي المرجعية الأُم والأكبر في العالم الشيعي، وبالتالي إن مُرِّر هذا السيناريو فإنّنا إزاء تحالف «صدري نجفي» مقابل التحالف الإيراني الميليشياوي، يكون فيه مقتدى قد تخلَّص نهائيًّا من تقليد مرجع مُوالٍ لإيران، ومن تقليد مرجع له أهداف سياسية مغايرة لأهدافه. لكن التساؤل الأهمّ من ذلك: هل يمكن للنجف أن تتحمل تبِعات دخول التيار الصدري تحت ظلال مرجعيتها الدينية؟ هذا ما ستُسفِر عنه الأحداث المتسارعة في العراق.

ثانيًا: دلالات ومخاطر القرار الصدري

من خلال متابعة نمط الممارسة السياسية لمقتدى الصدر، تبرُز الملاحظات التالية:

1. الاستقالة سيناريو صدري متكرر ومتجدد: ليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها الصدر اعتزاله أو انسحابه من السياسة، فهذه المرة هي الثالثة من نوعها خلال العامين الماضيين، فقد أعلن انسحابه من انتخابات 2021م، لكنه عاد وشارك، كما أعلن انسحابه من السياسة بعد تعثُّر تشكيلة الحكومة نتيجة تعطيلها من قِبَل «الإطار»، ثم عاد وانخرط بدعوة أنصاره للاعتصام أمام البرلمان للحيلولة دون تشكيل حكومة بواسطة «الإطار».

2. أهمية القرار الحالي: يمكن النظر إلى قرار الصدر هذه المرة بأنه أكثر خطورة من المرات السابقة، بالنظر إلى أنه:

  • يأتي في توقيت بالغ الحساسية يبحث فيه الجميع عن حل للأزمة التي أرهقت الشعب العراقي على مدى أكثر من 10 أشهُر منذ انتخابات أكتوبر 2021م، إذ يصعب وضع حلول من دون «التيار»، لأنه بات الرقم الأكثر تأثيرًا في المشهد العراقي.
  • يبثّ إشارات لكل الأطراف بعدم تحمُّل المسؤولية عمّا سيجري في العراق بعد قرار الاعتزال، في ظل تعقُّد الأزمة وبلوغها الذروة، وحالة الإحباط والغليان الشديدة التي تسود بين المحتجّين، لعدم الاستجابة لمطالبهم بعد مرور أكثر من 30 يومًا على احتجاجاتهم.
  • نقل الصراع إلى طوره المسلَّح، لبثّ رسائل سريعة إلى كل الأطراف لمشاهد اندلاع الفوضى، قُبيل دعوته لأنصاره بالانسحاب الفوري خلال ساعة، لا سيما أن طرفي الأزمة يمتلكان أذرعًا مسلَّحة، ولدى أنصارهم رغبة متبادلة في الانتقام نتيجة طول أمد الصراع.

3. إيصال رسائل بأن المطالب شعبية لا صدرية: بهذه الخطوة، التي بعثر خلالها الصدر حسابات الجميع، بمن فيهم المقربون الذين شاركوا بالحوار مع الإطار، يثبت للداخل والخارج أن مطالب التغيير شعبية من جمهور الناقمين لا صدرية، ومِن ثَمّ الكشف عن مدى امتعاض الشارع، لا «التيار» فقط، مما آل إليه العراق، ولسان حاله يقول: إذا كان الصدر هو السبب في تعقُّد الأزمة وعدم الحل، فها هو يعتزل العمل السياسي، وعليهم أن يتحملوا تبِعات الغضبة الجماهيرية.

4. تأكيد أنه صمام أمان الاحتجاجات السلمية: يبدو أن الصدر قرر ترك القرار بيد الجماهير المحتجة، لوقت قصير، لتقرِّر ما تريد وإلى أين تتجه، وترك القوى السياسية في مواجهة جمهور غاضب، وبثّ رسائل للجميع بأن الصدر كان بمثابة صمام الأمان لعدم انفجار الشارع، وأن غيابه يعني غياب صمام أمان الاحتجاجات السلمية. وهو ما حدث بالفعل، فبمجرد اعتزاله تحولت المنطقة الخضراء إلى حرب شوارع، وهو ضغط تصعيديّ جديد على خصوم الصدر للقبول بشروطه، وبدعوته للانسحاب انسحب أنصاره على وجه السرعة.

5. التصعيد المحسوب وسيلة لإنهاء الانسداد السياسي: يبدو أن الصدر أدرك أن الدفع بالمسألة نحو حافة الهاوية ضرورة لإنهاء حالة الانسداد، فهو أراد بث رسائل إلى الجميع بأنه يمتلك أوراقًا ومفاتيح الحل والتأزيم، وإلا لماذا لم يدعُ في قرار اعتزاله أنصاره بالانسحاب؟ وبدعوته أنصاره للانسحاب وسرعة استجابتهم ظهر بمظهر الرافض للعنف، وكشف «الإطار» أمام الداخل والخارج بأنه يميل إلى العنف بلجوء أنصاره إلى استخدام الأسلحة الثقيلة والصواريخ والقذائف والمتفجرات بمجرد اندلاع الفوضى.

ويرى بعض المتابعين أن دعوة الصدر أنصاره بالانسحاب من المنطقة الخضراء بعد مرور 24 ساعة فقط من الاشتباكات الدامية، تعكس أن الصدر بثّ رسائله إلى الداخل والخارج، من خلال فترة عنف صغيرة، بأن قرار التهدئة والتصعيد بات بيده. وهناك من يرى أنه أدرك أن استمرارية سيناريو الاقتتال ليس في صالحه، إذ ستقتل الميليشيات أكبر عدد من أتباعه، لا سيما أن العدد الأكبر من القتلى بالفعل من أتباعه. وهناك من يرى أن الصدر تخوَّف من استمرارية سيناريو الحرب المفتوحة مع مقاتلي الميليشيات، الذين سرعان ما لجؤوا إلى السلاح الثقيل، على نحوٍ أعاد إلى ذهن الصدر إعادة تكرار «صولة الفرسان» التي قضت خلالها الميليشيات المسلحة على أنصاره عام 2008م، كما سبق أن تركت إيران الأمور لـ«حزب الله» في استخدام القوة المسلحة المفرطة ضد حركة أمل خلال ثمانينيات القرن الماضي.

6. إمكانية عودة الصدر إلى المشهد السياسي: تفيد الخبرة في متابعة مواقف الصدر إمكانية عودته إلى السياسة، لأنه يعتمد على أسلوب المناورة، من خلال الانسحاب والعودة لإرباك حسابات خصومه وخداعهم، وكل مرة يعود فيها أقوى من السابق. على الرغم من قرار اعتزاله، فإنّ الصدر سيظل يراقب ما يحدث من تطوّرات في المشهد العراقي، بدليل دعوته أنصاره للانسحاب من المنطقة الخضراء، واستمرارية وزير القائد (صالح محمد العراقي، المتحدث الدائم باسم مقتدى الصدر) في الإدلاء بالتصريحات، التي تعكس عدم ترك «التيار» أبدًا الساحة لـ«الإطار» يقرر ما يريد. ويمتلك الصدر زمام السيطرة على أنصاره، ويمكنه وقفهم وتحريكهم، ليس من خلال برنامج متلفز، بل من خلال تغريدة بسيطة على منصة «تويتر»، فلا يعني اعتزاله انتهاء تأثير «تياره»، فالحالات السابقة أثبتت العكس تمامًا بعودة الصدر وتأثيره بشدة في مجريات الأمور. وعلى الرغم من اعتزاله العمل السياسي، فإنّ التأثير الذي يملكه التيار الصدري لا يمكن أن يرتبط باعتزال لزعيم التيار، فـ«التيار» قوة شعبية كبيرة تُوصَف بـ«التيار المليوني»، وتُعتبر مؤثرة جدًّا في المشهد العراقي.

ثالثًا: انعكاسات التصعيد الشيعي على النفوذ الإيراني في العراق

تكشف نتائج الأحداث المتتالية في الساحة العراقية عن نتائج غاية في الأهمية، لا تصُبّ في صالح إيران، بالنظر إلى ما يأتي:

1- بروز أولوية حصر السلاح بيد الدولة على السطح: من أبرز النتائج التي كشفت عنها الأحداث العراقية هي مسألة ارتفاع مطالبات احتكار الدولة للسلاح، وإن كان سحبه صعبًا للغاية ومعقَّدًا، فقد اعتبر الصدر في خطابه الصارم لأنصاره بالانسحاب من المنطقة الخضراء أن السلاح المنفلت هو السبب الرئيسي في هذه الأحداث، وتأكيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن السلاح المنفلت هو سبب الأزمة، وأن «أحداث بغداد تحتِّم على السلطات ضرورة السعي لحصر السلاح بيد الدولة»، ملوِّحًا بتقديم استقالته في حال استمرارية الأزمة بلا حلّ. استقالة رئيس الوزراء محتملة في حال استمرارية رفض «الإطار» لحل البرلمان، ما ينذر بفوضى مسلَّحة لن تكون في صالح إيران، التي تنشد الهدوء في العراق، خصوصًا في الفترة الراهنة.

2- زمام الأمور السياسية في العراق ليس في يد أذرُع إيران: فشلت التحالفات السياسية الموالية لإيران في العراق في السيطرة على زمام الأمور في الساحة العراقية، وإن كانت تعتمد على السلاح المنفلت في مواقفها المتشددة، في ما يخُص حل البرلمان. في المقابل، أصبح زمام الأمور بيد الصدر، الذي بات الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه حتى وهو منسحب أو معتزل، إذ تُحسَب له الحسابات، فهو يمتلك أيضًا مشروعًا يدغدغ به مشاعر الجماهير المتعطشة لبناء مؤسسات الدولة، واستقلالية قراراتها، وحصر السلاح بيدها، وإقامة عَلاقات خارجية متوازنة، وهو مشروع يتناقض مع المشروع الإيراني القائم على تبعية العراق، واستمرارية ضعفه، وبقائه ضمن النفوذ الإيراني لمركزيته في الإستراتيجية الإيرانية وفي المشروع الإيراني الإقليمي. الأحداث أثبتت أن الصدر هو من يمتلك قرار التصعيد والتهدئة، القتال والسلام، بل تمكَّن من خلخلة البناء الهش لـ«الإطار التنسيقي» والأذرع الموالية لإيران في الساحة العراقية، كما أحرجها أمام الداخل والخارج، وكشفها، عندما رفضوا طلبه بإجراء انتخابات دون كل التحالفات القديمة، بما فيها التيار الصدري.

3- تبايُن مواقف تحالف الإطار التنسيقي تجاه الصدر: كشفت الأحداث عن تبايُن وجهات نظر تحالفات الإطار التنسيقي في التعاطي مع مطالب الصدر، فبينما يتخذ نوري المالكي وقيس الخزعلي موقفًا أكثر تشددًا من الصدر ومواقفه ومطالبه، خصوصًا حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، تجد أن موقف هادي العامري وحيدر العبادي وعمار الحكيم أقلّ تشددًا تجاه مطالب الصدر، وهذا من شأنه التأثير في مستقبل «الإطار» وتماسكه، ولن يكون هذا التباين في صالح إيران ونفوذها السياسي في العراق.

من ناحية أخرى فإنّ استمرار العنف ربما كان سيدفع الميليشيات المسلحة المختلفة على الموارد والقيادة والنفوذ إلى التوحد والانسجام أكثر ضد التيار الصدري، للحفاظ على مكاسبها ونفوذها في العراق.

رابعًا: السيناريوهات التي ينتظرها العراق

بعد تجاوز مرحلة الصراع السياسي والدخول في مرحلة الصدام المسلَّح بتحوُّل المنطقة الخضراء -شديدة التحصين- إلى ساحة حرب شوارع، ثم دعوة الصدر لأنصاره بالانسحاب من المنطقة الخضراء وإنهاء الاعتصامات، ينتظر المشهد العراقي الاتجاهات التالية:

1- احتمالية الاتجاه نحو حل البرلمان: قد تفرض خطوة الصدر بدعوة أنصاره للانسحاب على نحوٍ أسفر عن وقف إطلاق النيران والتهدئة، ودعوة الإطار التنسيقي أنصاره بالانسحاب وإنهاء الاعتصام، على الجميع، لا سيما مع دعوات الرئاسات الثلاث، الاتجاه نحو حل البرلمان الراهن، والدعوة لانتخابات برلمانية خلال 60 يومًا، ضمن تفاهم وطني عراقي، في خطوة استباقية لقرار المحكمة الاتحادية، أو الاستجابة لتوصية المحكمة الاتحادية بحسم الجدل السياسي -حال توصيتها بحلهـ وبتغيير قانون الانتخابات والدعوة لانتخابات مبكرة. فقد يكون ذلك بمثابة نقطة التقاء مع مطالب الصدر، إذ يرى «التيار» أنه قدَّم تنازلات عديدة لأجل الحل، تتمثل في التنازل عن عدد من مقاعد البرلمان تبلغ 71 مقعدًا، ثم التنازل أيضًا عن التكتل الأكبر، ثم دعوة الأنصار بسرعة الانسحاب من المنطقة الخضراء لحقن الدماء، كما أن غالبية القتلى والمصابين، حسب تقارير إعلامية عراقية، من أنصار الصدر.

2- صياغة مرحلة جديدة تؤسس لحل البرلمان: قد تبدأ الأطراف السياسية المؤثرة في المشهد، مثل البارزاني والعامري والكاظمي والحلبوسي وغيرهم، الاتصال أو التواصل مع «التيار» بهدف التسوية، حال عدم توصية المحكمة بحل البرلمان. وقد يفضي ذلك إلى نتائج بالاتفاق على صياغة مرحلة جديدة تؤسس لحل البرلمان، من خلال تحديد مدة معينة لا تتجاوز العام، يجري خلالها إما تشكيل حكومة جديدة بشخصية جديدة غير محمد شياع السوداني، أو من خلال شخصية يرتضيها «التيار»، وإما استمرارية حكومة الكاظمي لتصريف الأعمال في مهامّها، مع إجراء انتخابات جديدة، وتعديل قانون الانتخابات، وتحديد واضح لمسألة التكتل الأكبر، على أن تكون هناك ضمانات للقبول بنتائج الانتخابات، كما ورد بمبادرة مسعود البارزاني. هذا السيناريو يصعب قبوله من قِبَل «التيار»، لتمسُّكه بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، بل وعدم مشاركة الأحزاب القديمة في الانتخابات التي سيتفق على إجرائها، إضافة إلى ذلك أنه عقب إمهال الصدر أنصاره 60 دقيقة للانسحاب من المنطقة الخضراء، خرج وزير القائد يقول للمحتجّين: «لن نسمح بفساد جديد يقوده الفاسدون».

3- العودة إلى الاحتجاجات أو حتى الاحتجاجات المفضية إلى الفوضى: سيناريو عودة الاحتجاجات والاعتصامات والفوضى وارد بشدة، إذا ما استمرّ تعطيل «الإطار» لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وهنا يمكن الإشارة إلى تصريح وزير القائد بعدم سماح «التيار» بفساد جديد يقوده الفاسدون، في إشارة إلى التحالفات الموالية لإيران ضمن الإطار التنسيقي، وبث رسائل لأنصار «التيار» بأن يكونوا مستعدّين للعودة إلى الاحتجاجات والاعتصامات، حال عدم الاستجابة لمطالبة.

من بين المؤشرات الأخرى، التي تدفع باتجاه عودة الاحتجاجات، عدم اكتراث «الإطار» لمطالب «التيار»، ومطالبته بسرعة عودة البرلمان وباقي المؤسسات الدستورية لممارسة مهامّها الدستورية والعمل على تشكيل حكومة جديدة، دون الاكتراث لمطالب «التيار» وتنازلاته لعودة الهدوء إلى الشارع العراقي، ومطالبته أيضًا لأنصاره بالبقاء في حالة جاهزية، إذا ما استدعى الأمر عودة الاحتجاجات.

يأتي ذلك في إطار تبادل لرسائل تهديد مبطَّنة، إذ أبدى المالكي امتعاضه من الصدر بقوله إنّ القوة لا يمكنها أن تفرض واقعًا سياسيًّا على الآخرين، وهو ما دفع وزير القائد إلى الردّ ببيان شديد اللهجة مهاجمًا «الإطار» لعدم اكتراثه لمطالب «التيار»، ومحاولاته للمُضيّ في تشكيل الحكومة، مطالبًا إيران بـ«لَمّ بعيرها»، على حد بيانه.

أضِف إلى ذلك أن دوافع تجدُّد الاحتجاجات لا تزال قائمة، منها عدم استجابة «الإطار» لمطالب «التيار»، واستمرارية حالة الغضب والاحتقان الشعبي من الأوضاع المعيشية والاقتصادية والخدمية المزرية. يمكن أيضًا النظر إلى أن دعوة الصدر لأنصاره بالانسحاب ليس معناها ترك الأمور بيد «الإطار»، وإنما كانت خطوة وصفها بعض المحسوبين من «الإطار» بالشجاعة، لقطع دابر الفتنة وحقن دماء العراقيين، وإيصال رسائل بأنه من يمتلك زمام الأمور في العراق.

الخلاصة

بما أن الأزمة العراقية باتت معقَّدة للغاية بحكم تمسُّك «الإطار» بتشكيل الحكومة و«التيار» بحل البرلمان، بما يهدد بتجدُّد الاحتجاجات والفوضى، فإن الأمل في دور بارز تقوم به المحكمة الاتحادية في حسم الجدل السياسي. وبات بيد المحكمة الاتحادية قرار العودة للاستقرار -حال توصيتها بحل البرلمان- أو تجدُّد الاحتجاجات والفوضى -حال التزمت رأيها في عدم الاختصاص- خصوصًا في ظل تلويح رئيس الوزراء بالاستقالة. وفي حال أوصت بحل البرلمان فسيكون ذلك قرارًا تاريخيًّا للمحكمة، وسيذكرها التاريخ بأنها كانت سببًا في حقن دماء الشعب العراقي، ويُعتبر إجراء حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة الحل المؤمَّل للخروج من تعقيدات الأزمة الراهنة.

يمكن لدول الجوار المحبة لاستقرار العراق أن ترعى مبادرة لتسوية الأزمة العراقية، والمساهمة في حل أزمات العراق، ابتداءً بأزمة الكهرباء العراقية من خلال شبكات الربط الكهربائي، وتعزيز دور النخب السياسية الوطنية التي تهدف إلى إخراج العراق من دوامة العنف والفوضى.


* التيار الصدري: هو تيار سياسي وديني أسسه رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، من القاعدة الشعبية العريضة التي ورثها من والده المرجع الديني العراقي آية الله محمد محمد الصدر، الذي اغتيل سنة 1999م. ويحظى الصدر بقوة جماهيرية عريضة، ويمتلك ذراعًا مسلحة في العراق، وينشد مشروعًا ينسجم ومطالب الجماهير في التغيير للانتقال إلى العراق الجديد الخالي من الميليشيات المنفلتة والطائفية والفساد والإرهاب، وعراق مستقلّ ومتوازن في عَلاقاته الخارجية، وهو ما يتعارض مع النفوذ الإيراني في العراق. ويتخذ التيار من رجل الدين كاظم الحائري مرجعًا له في ما استُحدِث من أمور، استجابةً لوصية والد مقتدى الصدر مفادها اتّباعه الحائري بعد الممات، حتى أعلن الحائري أو أُجبر على إعلان استقالته في أغسطس 2022م، ومِن ثَمّ توجَّه التيار ووجَّه أتباعه إلى حوزة النجف بوصفها أكبر حوزة عبر التاريخ.

* الإطار التنسيقي: هو تجمُّع لتحالفات وأحزاب سياسية شيعية تشكَّل في مارس 2021م، وتقود غالبية تحالفاته، التي تمتلك أذرعًا مسلحة، مشروعًا مواليًا لإيران، لضمان بقاء العراق ضمن دائرة النفوذ الإيراني، وهو مشروع مناهض للمشروع الشعبي-الصدري لبناء الدولة بمفهومها السيادي والاستقلالي والعروبي، بما يضمن الحد من تأثير إيران بواسطة أذرعها على القرار العراقي وخلق بدائل متعدّدة في العَلاقات الخارجية للعراق. ويضم الإطار عددًا من الرموز الشيعية السياسية والعسكرية، منها نوري المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم وحيدر العبادي وقيس الخزعلي، وتتباين مرجعياتهم الدينية، فبعضهم يتخذ من المرشد الإيراني علي خامنئي مرجعًا له، وبعضهم يتخذ من كاظم الحائري مرجعًا، وبعضهم أيضًا لا يؤمن بالمرجعية الدينية شرطًا من شروط العمل السياسي، وانعكس هذا الخلاف على مواقفهم من التيار الصدري، ومن النجف، ومن العملية السياسية برمتها.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير