غرق سفينة «خارك» يبدِّدُ حلم إيران في التحول إلى قوة بحرية في «المياه الزرقاء»

https://rasanah-iiis.org/?p=25064

 خسرت البحرية الإيرانية سفينة «خارك» وهي أكبر سفينة دعم لوجستي، بعد احتراقها في الأول من يونيو الجاري بالقرب من ميناء «جاسك».

وعلى الرغم من عدم وقوع ضحايا، فإنَّ غرق السفينة «خارك» كان بالنسبة للبحرية الإيرانية أشبه بخسارة «تايتنيك». وبعد التقاط صورٍ ومقاطع فيديو للسفينة التي غرقت في مشهدٍ بائسٍ لم يكن أمام طهران مجالًا كبيرًا لنفي الحادث.

 وجاء غرق «خارك» في فترةٍ من الهجمات التخريبية المتبادلة بين إيران وإسرائيل وتوتّراتٍ متصاعدة بينهما.

وعلى الرغم من ذلك فلم يصدُر أيُّ تصريح رسمي من الجانب الإيراني بأنَّ «خارك» البالغ عمرها 37 عامًا غرقت بفعل أيدٍ خارجية، فمن المرجّح أنَّ السبب يكمن في تعطُّل مرجلٍ في السفينة كان قد أُصلِح في 2016م بقطعٍ محلية الصنع. وعلى الرغم من أنَّ «خارك» نسخةٌ معدَّلة من فئة  «OL» بريطانية الصنع، فإنَّ المملكة المتّحدة لن تزوِّد إيران بقطع الغيار اللازمة بسبب العقوبات المفروضة عليها. الجدير بالذكر أنَّ إيران اشترت «خارك» من بريطانيا في عهد الشاه عام 1974م ومرَّ تسليمها بمشاكلَ بعد الثورة التي قادها الخميني بالرغم من دفع قيمتها بالكامل.     

وسيكون غرق السفينة «خارك» الواضح من صور الأقمار الصناعية موقفًا محبطًا يدفع البحرية الإيرانية لأخذ عمليَّات الإصلاح والتجديد بمزيدٍ من الجدية، فقبل أكثر من عام خسرت البحرية الإيرانية أيضًا سفينة الدعم اللوجستي «كوناراك» إثر تعرضها لنيرانٍ صديقة، ونجم عن الحادث مقتل 19 بحارًا كانوا على متنها. كما خسرت البحرية الإيرانية مؤخرًا  الفرقاطة الخفيفة «دماوند» التي تُعَد جزءًا من خسائر إيران البحرية المهمَّة، إذ ارتطمت بكاسرات الأمواج في يناير 2018م في ميناء بندر أنزلي في الشواطئ الجنوبية ببحر قزوين، بما لا يقبل إصلاحها.

وتُعَد «خارك» سفينة تدريب لعددٍ يتراوح ما بين 300 إلى 400 طالب بحري، وحين اشتعلت النيران فيها كانت في مهمَّة تدريبٍ وعلى متنها ما يقرب من 400 طالب كانوا سيشاركون في غضون أسابيع في تدريبٍ بحري مع البحرية الروسية، كما أنَّ السفينة تشكِّل عنصرًا أساسيًّا لتحقيق حلم إيران في التحول إلى قوة بحرية تعمل في «المياه الزرقاء»، إذ أبحرت إلى البحر الأبيض المتوسط في عام 2011م، وكانت جزءًا من محاولة البحرية الإيرانية العمل في خليج المكسيك في عام 2014م. أمّا «مكران« (وهي سفينة كُلّفت حديثًا وعُدّلت محليًّا وتبحر حاليًّا باتجاه فنزويلا) فربّما لا تثق بها البحرية الإيرانية كما كانت تثق بـِ «خارك» من ناحية الرحلات البحرية الطويلة. وفي السنوات القادمة ستظل «مكران» سفينة الدعم الأساسية وقاعدة الانطلاق البحرية الأمامية للبحرية الإيرانية، إلَّا أنَّه لا يمكن مقارنتها إطلاقًا بـِ  «خارك»، فهي ناقلة نفط تحولَّت حديثًا إلى سفينة دعم وحاملة طائرات مروحية وأسلحة دفاعية أخرى، كما أنَّها قادرة على حمل البضائع والقوارب والغواصات وإرسالها. وفيما قد تبدو «مكران» متطوِّرة جدًّا ظاهريًّا، إلَّا أنها بعيدة جدًّا عن الإمكانيات التي تقدِّمها قاعدة متنقلة استكشافية إلى القوات البحرية الأخرى.

ونظرًا لأهمية رحلة «مكران» إلى فنزويلا فلم تستدْعها إيران للمشاركة في التدريبات البحرية مع القوات البحرية الروسية، إذ ستوصل «مكران» زوارق صواريخ «ذو الفقار» الإيرانية إلى فنزويلا إلى جانب ما يمكنُ رؤيته من صور الأقمار الصناعية. وفي السنوات الأخيرة أصبحت فنزويلا الغنية بالمعادن إحدى أكبر المقبلين على شراء المُعدَّات والبضائع والخدمات العسكرية الإيرانية وتدفع في الغالب المقابل بالذهب. وبعيدًا عن رمزية تحدِّي إيران للتحذيرات الأمريكية فإنَّ إصرارها على إكمال رحلة «مكران» إلى فنزويلا –بالرغم من خسارة «خارك»-يعكسُ وجود التزاماتٍ طويلة المدى مع كاراكاس وفوائد ماليَّة متعلقة بالحمولة الموجودة على متن السفينة. 

ويفكر الإستراتيجيون الإيرانيون حاليًّا في خياراتٍ لملء الفراغ الذي خلَّفهُ غرق «خارك»، وقد يكون الخِيار الأيسر هو تحويل ناقلة نفطٍ أخرى إلى سفينة دعم لوجستي، فشراء إيران لبديل من أحدث الطرازات خيارٌ لن يكون ممكنًا سوى خلال نصف عقد تقريبًا بغض النظر عن مسألة حسم الاتفاق النووي ورفع العقوبات من عدمها. ومن المرجَّح أن تتخذ طهران – إدراكًا منها للقيود التكنولوجية والمالية والدبلوماسية التي تواجهها- خِيار تعديل ناقلة نفطٍ أخرى لتكليف «مكران2».         وسيشكِّلُ تمويل الحكومة الإيرانية للبحرية الإيرانية لإعادة تصميم سفينة أخرى قضيةً جدلية، إذ جرت العادة على إعطاء الأولويَّة للقوات البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني حين يتعلق الأمر بتخصيص اعتماداتٍ في الميزانية. ويعتمدُ شراء إيران حاليًّا للمعدَّات العسكرية على رفع العقوبات التي فُرضت في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والامتثال بالاتفاق النووي. وبصرف النظر عن الموارد الماليَّة المتاحة لإيران في المستقبل فستتأثَّرُ احتياجاتها العسكرية الأكثر إلحاحًا بتطورات الوضع الإقليمي، أكثر من تأثِّره بإمكانية انفتاحها وتواصلها مع العالم. وبعد أن تعود الولايات المتّحدة إلى الاتفاق النووي، لن تحتاج إيران إلى استعراض قوتها في المحيط الأطلسي، مِمَّا سيحدُّ من اضطرارها وطموحها المتعلقان بتكليف سفنٍ حربية وسفن دعمٍ كبيرة وباهظة الثمن.   

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير