آفاق الدور الإيراني في ضوء الانتخابات التشريعية العراقية 2018

https://rasanah-iiis.org/?p=12038

حظيت تفاعلات الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2018 باهتمام إقليمي ودولي غير مسبوق، إذ تُعَدّ الأهمّ منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، بالنظر إلى طبيعة البيئتين، الداخلية التي تشهد صراعًا بين أطرافها وقواها ما بين مطالبين باستقلالية القرار العراقي وعروبته وما بين ساعين لإثارة النعرات الطائفية والمحاصصة المذهبية، والخارجية المعقدة بسباق اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، لا سيما اللاعب الإيراني، للتأثير على مخرجات العملية الانتخابية لصالح الكتل السياسية الموالية. هذا من ناحية، ومساعي إيران لتحويل الحشد الشعبي إلى فصيل سياسي أشبه بدور حزب الله في لبنان، وما يتمتع به العراق من مقدرات نسبية من ناحية أخرى.
وانطلاقًا من أهمية الانتخابات العراقية لعام 2018 وتأثير مخرجاتها على التوازنات، سواء في الداخل العراقي أو في توازنات القوى في المنطقة من واقع توجهات وسياسات الكتلة السياسية الجديدة ذات الأغلبية في البرلمان العراقي الجديد، التي ستقوم بتسمية أعلى منصب تنفيذي في البلاد بما قد يعيد العراق لمحيطه العربي أو لصالح استمرارية الأجندة المذهبية، سوف نقوم بدراسة نتائج الانتخابات وانعكاساتها على الدور الإيراني في العراق، ومستقبله، من خلال المحاور التالية:

أولًا: إيران وملامح البيئتين الداخلية والخارجية للانتخابات
أُجريت الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2018 في توقيت وبيئة مغايرة لبيئات الانتخابات البرلمانية السابقة (انتخابات 2005 أُجريت بعد عامين من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وفي ظل حكومة انتقالية، بينما أُنجزت انتخابات 2010 -انتخابات ترسيخ الطائفية- بعد أن بدأت تتبلور ملامح النظام السياسي العراقي. أما انتخابات 2014 فقد أُجريت بعد الانسحاب الأمريكي من العراق 2011)، وذلك نتيجة للتحول في خريطة القوى السياسية في الداخل، أو للأزمات السياسية أو الأمنية التي مر بها العراق بين عامَي 2014-2018، أو نتيجة لانعكاسات التفاعلات الإقليمية والدولية على الداخل العراقي، وإن كان العنف ملمحًا رئيسيًّا يجمع بين هذه البيئات الانتخابية الأربع كجزء من ملامح المشهد العراقي العام منذ الغزو الأمريكي، وهو ما يلقي بظلاله على المعادلة العراقية الجديدة بعد انتخابات 2018 والدور الإيراني فيها.
داخليًّا، أُجريت الانتخابات عقب ثلاث أزمات ستلقي بظلالها على المشهد الانتخابي، أُولاها أزمة استفتاء انفصال إقليم كردستان في سبتمبر 2017، التي نجحت فيها الحكومة بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي بالتنسيق مع صناع القرار في طهران وأنقرة من خلال بعض التدابير في إجبار حكومة إقليم كردستان على إعلانها تجميد نتائج الاستفتاء[1] رغم تصويت غالبية المواطنين الأكراد لصالح الانفصال بنسبة 92%[2]. وثانيتها إعلان العبادي في نوفمبر 2017 القضاء على تنظيم داعش عسكريًّا[3]، وهو ما أسفر بدوره عن إبادة وتهجير الملايين من أبناء المكون السني. ثالثتها إقرار البرلمان العراقي في نوفمبر 2016 قانون هيئة الحشد الشعبي، ومضمونه إدماج قوات الحشد بالجيش العراقي[4]، وهو ما يمنحها غطاءً قانونيًّا ودورًا رسميًّا لممارساتها الطائفية في الداخل العراقي وخارجه.
إقليميًّا، أُجريت الانتخابات في توقيت تشهد فيه المنطقة مواجهات عسكرية، إذ دخلت سوريا المجاورة للعراق مرحلة جديدة، بتدافع القوى وتبدّل قواعد الاشتباك بين أطرافها نتيجة لتباين منطلقاتهم وأدواتهم وأهدافهم، فضلًا عن تعارض مصالحهم، وذلك لتأمين نطاق نفوذ كل طرف، فها هي إيران تشارك قوات نظام الرئيس بشار الأسد في شن هجمات عسكرية مكثفة على الغوطة الشرقية في محيط العاصمة[5]. وبدورها أعلنت أنقرة السيطرة العسكرية على عفرين في مارس 2018[ 6]، إذ تعدّ أنقرة أن وحدات حماية الشعب الكردي، المدعومة أمريكيًّا، هي امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي، الذي تصنفه أنقرة وواشنطن تنظيمًا إرهابيًّا.
وينوي متخذ القرار الإسرائيلي بالطبع الحصول على نصيبه من سوريا في مرحلة ما بعد داعش من ناحية، وتحجيم الخطر الإيراني في المناطق المصنفة أمنًا قوميًّا إسرائيليًّا من ناحية أخرى، إذ توالي إسرائيل ضرباتها العسكرية على التمركزات الإيرانية في سوريا، آخرها الضربات التي أدخلت المنطقة في أجواء حرب إسرائيلية-إيرانية منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في 8/5/2018، إذ ألقت تل أبيب -بعد ساعة واحدة من قرار ترامب، وبعد يومين من لقاء جمع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين- عشرات الصواريخ على المواقع الإيرانية في سوريا يومَي 8 و12 مايو 2018[7].
ولا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال التطورات الأخيرة في لبنان جراء الانتصار السياسي للثنائي الشيعي (حزب الله-حركة أمل) -المدعوم إيرانيًّا- في الانتخابات البرلمانية 2018، والتي أجريت بتاريخ 6/5/2018، على الدور الإيراني في الاصطفافات الحزبية العراقية خاصة، كما تشهد اليمن معادلة جديدة غاب عنها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بعد تصفيته من قبل حلفائه الحوثيين نظير فضّه تحالفه معهم وإعلانه فتح صفحة جديدة مع الحكومة الشرعية والتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
دوليًّا، هناك انسحاب أمريكي من الاتفاق النووي مع عودة العمل بالعقوبات الاقتصادية على إيران، وتصعيد عسكري أمريكي-أوروبي ضد الأنشطة الإيرانية في سوريا، بدأ بضربات أمريكية متتالية ومكثفة ضد المواقع الإيرانية، ثم انضمت بريطانيا وفرنسا إلى الولايات المتحدة في تسديد ضربة عسكرية ثلاثية ضد المواقع الإيرانية في سوريا بتاريخ 14 أبريل 2018[8]، ومن ناحية أخرى هناك تقاعس روسي عن الضربات العسكرية الإسرائيلية للأهداف الإيرانية، إذ لم تصرح موسكو بتصريح واحد ضد الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية، كما كان الأمر في السابق، وبدلًا من ذلك طالبت الدولتان بحل خلافاتهما دبلوماسيًّا، ويعكس ذلك حقيقة الخلافات الروسية-الإيرانية في ما يتعلق بالتحكم في الميدان والقرار السوري، والفوسفات السوري، وشكل الحكومة السورية الجديدة… إلخ[9].

ثانيًا: خارطة التحالفات السياسية والانتخابية
يستدعي فهم وتحليل خارطة التحالفات فهم وإدراك طبيعة التركيبة الإثنية والطائفية للشعب العراقي. فعرقيًّا، ينقسم الشعب العراقي إلى قوميتين رئيسيتين: العربية والكردية (تشكل الأولى 80% من الشعب العراقي، وتشكل الثانية 15%)[10]، فضلًا عن عرقيات أخرى صغيرة تشكل الـ5% المتبقية كالتركمان، والشبك. وطائفيًّا، ينقسم العراقيون إلى قسمين: مسلمين ومسيحيين، يشكل القسم الأول غالبية الشعب من 95-98%، وينقسم المسلمون بدورهم إلى مكونين: الأول شيعي، ويستحوذ النسبة الأكبر من إجمالي عدد المسلمين ما بين 64-69%، والمكون الثاني سنّي، ويشكلون أقل من تعداد الشيعة من 29-34%. والقسم الثاني، المسيحي، يشكل 1%، وأتباع الديانات الأخرى من والصابئة واليزيدية وغيرها يشكلون الـ1% المتبقية[11](انظر الخريطة رقم-2)[12].
وانطلاقًا من ذلك شارك في الانتخابات العراقية 27 تحالفًا يضمون 143حزبًا، فضلًا عن مشاركة 61 حزبًا آخرين بشكل مستقلّ ليصل إجمالي الأحزاب المشاركة إلى 204 أحزاب. وفي ما يلي أبرز التحالفات السياسية:
1- التحالفات الشيعية: إذا ما أمعنّا النظر في مواقف القوى الشيعية نجدها تنقسم إلى فريقين، الأول يؤيد السيستاني، مثل التيار الصدري، وبعض ممن ينتمون إلى حزب الدعوة الإسلامية، بيد أن السيستاني شخصية مؤثرة في العراق كونه يحظى بشعبية كبيرة، ويعكس ذلك تلبية الآلاف لدعوته بالانخراط لمحاربة داعش، ونسبة تصويت الناخبين الكبيرة خلال انتخابات 2005 بعد دعوته بالمشاركة في الانتخابات والتصويت على الدستور، مقابل نسبة التصويت الأقل خلال انتخابات 2018، والتي تعود في أحد أسبابها إلى تحذير مكتبه جميع الأحزاب الامتناع عن استخدام صورة أو مقتطفات من خطاباته في دعايتهم الانتخابية[13]. والثاني يؤيد خامنئي، مثل منظمة بدر بقيادة هادي العامري، وكل ميليشيات الحشد الشعبي، وتحالف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، الذي يحظى بدعم إيراني واسع. وفي ما يلي أبرز التحالفات الشيعية:
أ‌- تحالف النصر والإصلاح: عابر للطائفية، انشطر من حزب الدعوة الشيعي، ويتزعمه العبادي الذي حقق نصرًا عسكريًّا على داعش، وحافظ على وحدة العراق، ويضم 31 حزبًا من مختلف التيارات، بينها أحزاب سنّية غير مؤثرة مثل حركة بيارق الخير[14].
ب‌- تحالف دولة القانون: طائفي، يضم 8 أحزاب تتقدمها بقايا حزب الدعوة غير المتحالفة مع العبادي، بقيادة المالكي، فضلًا عن تيار الوسط بقيادة النائب الشيعي موفق الربيعي[15].
ت‌- تحالف سائرون: عابر للطائفية، ويضم 6 أحزاب، ويتزعمه حسن موسى العاقولي رئيس حزب الاستقامة، ويحوي تكتلات وأحزابًا مدنية وسنّية وعلمانية، بالإضافة إلى بعض الوجوه الجديدة على الساحة العراقية[16]، وفي حوار له أكّد العاقولي أنه رغم التناقضات الفكرية والتوجّهات المتغايرة بين التيارين الصدري (الشيعي) والشيوعي (العلماني الليبرالي) فإن هناك قواسم مشتركة جمعت بين التيارين، أهمها بناء الدولة المدنية، وأولوية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني من أجل بناء مؤسسات الدولة المدنية، والحكم المدني العراقي القائم على أساس وطني لا على أساس مذهبي، ونبذ الطائفية والمحاصصة سواء كانت الفئوية أو الحزبية الضيقة، واستقلالية القرار السياسي العراقي، وسياسة حسن الجوار الإقليمي[17].
ث‌- تحالف الفتح: شديد الطائفية، يتزعمه هادي العامري الوكيل الإيراني في العراق، ويضم 18 حزبًا من الأجنحة السياسية للميليشيات الشيعية المسلحة، مثل منظمة بدر بزعامة العامري، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، وحركة النجباء بقيادة أكرم الكعبي، وجيش المختار بزعامة واثق البطاطا، وكتائب جند الإمام بزعامة أحمد الأسدي، وفرقة العباس القتالية بزعامة ميثم الزيدي… إلخ.
2- التحالفات السنّية: يأتي المكون السنّي في المرتبة الثانية بعد الشيعي ضمن مكونات المجتمع العراقي، وقد حكم العرب السنّة العراق ضمن حزب البعث طيلة ثلاثة عقود ونصف من الزمان (1968-2003)، وبعد الغزو الأمريكي للعراق تراجع حكمهم لصالح حكم الشيعة[18]. وفي ما يلي أبرز التحالفات السنّية 2018:
أ‌- تحالف الوطنية: عابر للطائفية لتنوع واختلاف القوى والشخصيات المنتمية إليه، ضم 17 كيانًا سياسيًّا، يتزعمه إياد علاوي زعيم حزب الوفاق العراقي، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري الذي أسس حزب التجمع المدني للإصلاح، ورئيس القائمة العربية صالح المطلك[19].
ب‌- تحالف القرار العراقي: ويضم 11 حزبًا سياسيًّا، يتزعمه أسامة النجيفي رئيس البرلمان السابق بالتعاون مع رجل الأعمال خميس الخنجر، وسلمان الجميلي.
ت‌- تحالف بغداد: ويضم كتلًا وتحالفاتٍ سُنّية عديدة، أبرزها الأنبار هويتنا، وديالى هويتنا، ونينوى هويتنا، وصلاح الدين هويتنا، ومن أبرز الشخصيات السياسية المنضوية رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني، والنائبة الكردية القيادية في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني آلاء طالباني التي كانت قد مثّلت مدينة السليمانية وكركوك لثلاث دورات متتالية[20].
3- التحالفات الكردية: خالف الأكراد كل التوقعات حول مشاركتهم في الانتخابات نتيجة أزمة الاستفتاء، معلنين مشاركتهم في الانتخابات. وفي ما يلي أهم التحالفات الكردية:
أ‌- قائمة السلام الكردستانية: وتضم الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة كوسرت رسول علي بالوكالة والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود برزاني والحزب الشيوعي الكردستاني برئاسة كمال شاكر[21].
ب‌- ليستي نشتيمان (القائمة الوطنية): توحّدت فيها أحزاب المعارضة الرئيسية الثلاثة لحكومة كردستان (التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة وحركة التغيير كوران والجماعة الإسلامية الكردستانية) لخوض الانتخابات في المناطق المتنازع عليها: كركوك وسنجار وخانقين وطوز خرماتو وداقوق[22].
4- التحالفات الأخرى: مثل التحالفات التركمانية كجبهة تركمان كركوك التي تضم الجبهة التركمانية العراقية وحزب تركمان ايلي وحزب العدالة التركماني والحركة القومية التركمانية، وائتلاف الرافدين، ويضم الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) والحزب الوطني الآشوري، وائتلاف الكلدان… إلخ[23].

ثالثًا: قضايا الانتخابات العراقية 2018
1- مأسسة الفساد: كانت قضية الفساد واحدة من القضايا الانتخابية التي طرحتها أغلب القوى المتنافسة في الانتخابات، إذ يصنف العراق من أكثر الدول فسادًا في العالم -رغم عوائد تصدير النفط- ويقدر حجم المبالغ المهربة إلى الخارج من الموازنة العراقية خلال السنوات العشر الماضية بنحو 361 مليار دولار، بينما قدرتها مصادر أخرى بأكثر من 500 مليار دولار[24]، وقد أعلنت هيئة النزاهة العامة العراقية مطلع عام 2018 إصدار أكثر من ألفَي أمر قبض تتعلق بتهم فساد خلال 2017 بينهم 290 مسؤولًا حكوميًّا[25].
وتحتل محاربة الفساد أولوية قصوى لدى المواطنين العراقيين لما للفساد من آثار سلبية على مستوياتهم الاقتصادية، وحرمان العراق من الفرص الاستثمارية الكبيرة، مما أدخلهم في دائرة الفقر أو في عداد المهجرين والمهاجرين، فضلًا عن تسهيل إيصال الفاسدين إلى البرلمان والمناصب الوزارية، ونقص الخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه والصحة والتعليم التي دفعت المواطنين نحو الاحتجاج، رافعين شعارات تطهير مؤسسات الدولة من الفساد ومحاسبة الفاسدين، شارك فيها التيار الصدري بقوة.
وتُعَدّ إيران أحد أهم أسباب تفشي الفساد في العراق، فلكي تضمن مد نفوذها اعتمدت على استبعاد الشخصيات الوطنية من مراكز القيادة لصالح بيادق تابعة لها تأتمر بأمرها، وهذا ما قد جرى خلال ولايتَي نوري المالكي، بيد أن محاربة الفساد بكل أشكاله في العراق تبدأ من محاربة الفساد السياسي الذي يترتب عليه فساد مالي وإداري، ومحاربة الفساد السياسي تبدأ من محاربة التوغل الإيراني واقتلاع جذوره[26].
2- عودة النازحين: يكترث الناخبون السنّة في المحافظات ذات الأغلبية السنّية لأزمة النزوح الجماعي بعد احتلال داعش لمعظم المناطق السنّية العربية العراقية، وتم ذلك بشكل ممنهج منذ بداية فترة حكم إبراهيم الجعفري 2005 بإشعاله فتيل الحرب الطائفية وتكريسها، ثم تفاقمت خلال فترتَي حكم المالكي بترسيخه الطائفية، وذلك للتأثير على الكتلة التصويتية السنّية، وبحسب إحصاءات وزارة الهجرة والمهجرين العراقية بلغ عدد النازحين العراقيين ما يقارب 5.5 مليون نازح منذ 2014[27]، وهي نسبة كبيرة ومؤثرة على نسبة التصويت إذا ما علمنا أن عدد المصوتين بلغ نحو 10.8 فقط وتمثل ما نسبته 44% من إجمالي عدد المشمولين في الاقتراع البالغ عددهم 24 مليون شخص[28].
3- إعادة الاعمار: ترتبط بالقضية السابقة، إذ ترتب على محاربة داعش لاسترداد المدن والمحافظات السنّية تحويل تلك المحافظات والمدن إلى مناطق منكوبة، بيد أن العبادي قدّر تكلفة عمليات إعادة الإعمار بمبلغ 100 مليار دولار في يناير 2018[29]، وقد استضافت الكويت في فبراير 2018 مؤتمر إعادة إعمار العراق، وبلغ حجم التعهدات 30 مليار دولار، كما أعلنت الإمارات عن تقديم 6 مليارات دولار لإعادة إعمار العراق، منها 500 مليون دولار للإسهام في الجهد الدولي لإعادة الإعمار، والـ5.5 مليار دولار للاستثمار في العراق[30]، ولكن نجاح جهود الإعمار يتوقف على مدى محاربة الحكومة العراقية الفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
4- الحشد الشعبي: يشهد العراق انقسامًا بين القوى السياسية حول بقاء ميليشيات الحشد الشعبي غير المنضوية تحت لواء الجيش كقوة منفصلة في عراق ما بعد داعش ما بين قوى معارضة تدعو لدمجه ضمن الجيش وحصر السلاح بيد مؤسسات الدولة كالصدر والسيستاني وتابعيهم من التحالفات السنّية الرافضة للحشد[31]، وأخرى مؤيدة لبقائه منفصلًا لخدمة المشروع الإيراني مثل تحالف دولة القانون بقيادة المالكي وتحالف الفتح بقيادة العامري وغيرهم ممن يؤيدون مرجعية قم.
5- هوية العراق العربية: نظرة وإدراك المواطن العراقي لعروبة العراق وحضارته الممتدة عبر التاريخ، كان لها تأثير كبير على نمط التصويت للناخبين العراقيين لصالح التحالفات المولية هوية العراق العربية أولوية في برامجها الانتخابية، فالناخب العراقي ينظر إلى دولته كدولة حضارية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، ففي كنفها ازدهرت وتعاقبت حضارات عريقة كالسومرية والبابلية والسومرية والآشورية وسواها من الحضارات القديمة، ثم الدولة العباسية والعثمانية، وكانت الدولة العراقية الحديثة بعد انحسار المد التركي والفارسي من صنع سنّة العراق العرب، “فالعراق كيان تاريخي عريق منحته العروبة اكثر من 1400 سنة عبقرية الأصالة والمكانة والدور”[32].
في المجمل، شكّلت بعض القضايا السابقة محفزات لدى الناخب العراقي للتصويت لصالح تحالف دون غيره من ناحية (التصويت على أساس محاربة الفساد وإعادة الإعمار وعودة النازحين وعروبة العراق)، ومثلت أيضًا كوابح للتصويت تجاه كل التحالفات من قبل بعض المواطنين العراقيين غير الراضين عن كل التحالفات السياسية (العزوف عن التصويت) من ناحية ثانية، وشكّلت دافعًا للتصويت لصالح تحالفات سنّية أو شيعية (التصويت على أساس المذهب) من ناحية ثالثة.

رابعًا: أبعاد الدور الإيراني في الانتخابات العراقية
لا يمكننا فصل دوافع الدور الإيراني في الاصطفافات الحزبية العراقية عن الدوافع الإيرانية الكبرى المتعلقة بمركزية العراق في الفكر الاستراتيجي الإيراني، إذ يمثل العراق خطًّا فاصلًا وسدًّا منيعًا ظل لفترات تاريخية طويلة يفصل بين حضارتين، ما يجعله إحدى أهمّ حلقات الممرّ الإيراني المزعوم الذي يربط إيران بالبحر المتوسط، فضلًا عن المكانة الجيوبوليتيكية للعراق بوقوعه على رأس الخليج العربي الذي يكون مع بقية دول الخليج العربي أكبر مصدر للطاقة في العالم.
وارتباطًا بما سبق، يمثل العراق ممرًّا بريًّا وحيدًا بين الشرق الأوسط وآسيا حتى المحيط الهندي، ويقع ضمن الجسر الأرضي الذي يربط القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا، وبرزت هذه الأهمية منذ الحرب العالمية الثانية، وكانت الدافع الرئيسي لاحتلال بريطانيا للعراق عام 1917، ثم للغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وهو ما فطنت إليه إيران ووظفته توظيفًا استراتيجيًّا يخدم مشروعها الإقليمي في الشرق الأوسط، ناهيك بالأهمية الاقتصادية للعراق، إذ يأتي في المرتبة الثانية عربيًا بعد السعودية في قائمة البلدان التي تحتوي على أكبر احتياطي مؤكد من البترول الخام، وتشير الأرقام إلى أن حجم الاحتياطي العراقي المؤكد من البترول يصل إلى 12.5 مليار برميل، أي ما يعادل 11% من إجمالي الاحتياطي العالمي[33].
ولا يمكننا إغفال التركيبة المذهبية للمجتمع العراقي وانتشار المراقد والمزارات الشيعية في النجف وكربلاء، واحتوائه على أكبر المرجعيات الشيعية في العالم، إذ تحتضن النجف أكبر جامعة علمية شيعية وهي الحوزة، ولذلك تسعى إيران لسحب البساط من مرجعية النجف لصالح مرجعية قم، فضلًا عن المكانة السياسية المتمثلة في قوة النظام السياسي العراقي وتوجهاته الإقليمية والأمنية المتمثلة في قدراته العسكرية قبل الغزو الأمريكي، ولذلك شكل إسقاط نظام صدام حسين فرصة لإيران للحيلولة دون ظهور العراق كفاعل إقليمي من جديد، يناطح إيران ويحدّ من قدرتها على مدّ نفوذها وتحقيق أهدافها في الإقليم العربي، إذ يطغى على أذهان صناع القرار الإيرانيين «عقدة التهديد العراقي» منذ الحرب العراقية-الإيرانية.
واحتل العراق مكانة تاريخية مهمّة في العقلية السياسية الإيرانية في مختلف المراحل التاريخية، بدءًا بالإمبراطورية الإخمينية، التي أسسها قورش الكبير، وحتى قيام الجمهورية الإيرانية 1979، ويشكل مركزًا حضاريًّا وثقافيًّا باعتباره موطنًا من أولى الحضارات في التاريخ[34]، فالعراق في المدرك الاستراتيجي الإيراني يحمل أهمية لإيران عبر مختلف العصور، وإذا كان هناك اختلاف فإنه بالوسائل وليس بجوهر الإدراك الإيراني، أي إن العراق وبحكم موقعه الجغرافي وثقله الاقتصادي وأهميته الأمنية والعسكرية سيبقى على الدوام ذا أهمية استراتيجية كبرى لإيران، ولن يتوقف واضعو الاستراتيجية الإيرانية عن وضعه في أولويات بنائهم الاستراتيجي الإقليمي[35].
وفي ضوء ما سبق، أدركت السلطات الإيرانية بعد سقوط نظام صدام حسين أمرين: الأول، وجود حكومة موالية لطهران في بغداد يمنح إيران حدودًا آمنة من الغرب من جهة، ويسمح لها بالتأثير على أسعار النفط العالمية من جهة أخرى، ويحول دون إقامة الأكراد لدولة مستقلة، ما يؤثر على الأكراد الإيرانيين وطموحاتهم من جهة ثالثة. الثاني، وجود حكومة عراقية موالية للولايات المتحدة يعني تطويقًا أمريكيًّا لإيران لخنقها، فهي تتقاسم حدودًا طولها 920 كيلومترًا مع أفغانستان وأخرى طولها 960 كيلومترًا مع باكستان وهما حليفتان للولايات المتحدة[36]، ولذلك بادرت بمد النفوذ بقوة إلى الداخل العراقي حتى أصبحت اللاعب الأبرز على الساحة العراقية.
ويأتي الدور الإيراني في الاصطفافات الحزبية العراقية استكمالًا لما تفتضيه الاستراتيجية الإيرانية لـ«التحكم في عملية صنع القرار العراقي»، القائمة على أن التحكم في قوة وتوجّهات وسياسات العراق داخليًّا وخارجيًّا يتطلب نفوذًا قويًّا واختراقًا حقيقيًّا داخل المؤسسات العراقية العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية، فعسكريًّا نجحت إيران عبر الضغط على حكومة العبادي والبرلمان في إدماج قوات الحشد الشعبي بالجيش العراقي. وإذا ما علمنا أن الجزء الأكبر من قوات الحشد الشعبي (يتألف من 150 ألف شاب شيعي عراقي[37]، موزعين على 66 فصيلًا شيعيًّا مسلحًا) تابعون للولي الفقيه بينما قلة منهم موزعون بين السيستاني والصدر[38]، نصل إلى نتيجة مفادها أن الحشد إحدى الأذرع الإيرانية القوية في العراق لتنفيذ المخطط الإيراني بقوة السلاح.
وقد حققت إيران تقدمًا آخر على الصعيد الاقتصادي في ملف التبادل التجاري (الصادرات/الواردات)، إذ تحتلّ إيران المرتبة الثانية في التجارة مع العراق بنسبة 13%، بينما احتلت تركيا المرتبة الأولى بنسبة 22%، وجاءت الصين في المرتبة الثالثة بنسبة 12%، وتستحوذ إيران على 10-15% من السوق العراقية[39]،وأعلن الملحق التجاري الإيراني في العراق محمد رضا زاده أن التبادل التجاري بين البلدين بلغ 13 بليون دولار، مشيرًا إلى أن صادرات إيران إلى العراق تضاعفت 17 مرة خلال العقد الأخير[40]، بينما توقع رئيس غرفة تجارة طهران يحيى آل إسحاق ارتفاع حجم التجارة ليصل إلى 20 مليار دولار في السنوات المقبلة[41]، لكن على صعيد الاستثمارات لم تحرز تقدمًا، إذ تسعى حكومة العبادي إلى تنويع المستثمرين على المستوى الدولي، بينها الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية.
أما على الصعيد السياسي فتطمح إيران عبر البوابة التشريعية إلى تحقيق اختراق سياسي كون البرلمان العراقي يتمتع باختصاصات واسعة، إذ يختص باختيار رئيسَي الوزراء والجمهورية، والنظر في مشاريع القوانين المقترحة من رئاسة مجلس البرلمان أو مجلس الوزراء بما في ذلك مشروعا قانونَي الموازنة العامة والموازنة التكميلية، فضلًا عن الرقابة على السلطة التنفيذية، ولأعضاء المجلس سحب الثقة من أحد الوزراء بالأغلبية المطلقة، ويُعَدّ الوزير مستقيلًا من تاريخ سحب الثقة، ولمجلس النواب سحب الثقة من رئيس الوزراء بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، وفي هذه الحالة يقدم جميع أعضاء مجلس الوزراء استقالتهم بناءً على سحب الثقة من رئيس الوزراء[42].

خامسًا: نتائج الانتخابات وحصص التحالفات
نستنتج من توزيع حصص التحالفات السياسية حسب النتائج النهائية: عدم حصول أي من التحالفات السياسية على الأغلبية النسبية المتمثلة في 165 مقعدًا لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وبالتالي فالطريق الوحيد للحصول على الأغلبية يتمثل في تشكيل حكومة ائتلافية.


المصدر: إعداد وحدة الدراسات الإقليمية والدولية بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية، بالاعتماد على المواقع التالية: alhurra ، arabic.rt ، arabic.rt

(المرتبة الأولى) تحالف سائرون: احتل تحالف سائرون المرتبة الأولى أعلاه بحصوله على 54 مقعدًا من إجمالي 328 مقعدًا[43]، وفي ما يلي أسباب حصول التحالف على هذه المرتبة التي ستجعل من الصدر رجل المرحلة المقبلة في المشهد العراقي:
» عبوره للطائفية: بتشكيله التحالف على أساس وطني لا على أساس آيديولوجي أو مذهبي لاحتوائه على خليط من القوى السياسية المتناقضة، وعلى شخصيات جديدة شعوبية غير نخبوية.
» إدراكه هموم الشارع العراقي: لامس برنامج التحالف هموم وقضايا وأولويات الشارع العراقي بإعطائه محاربة الفساد أولوية قصوى، ثم إعلائه من البعد الوطني على البعد الطائفي، ثم استقلالية القرار العراقي بما يتناسب والحضارة العراقية[44].
» مطالبته بانفتاح العراق على محيطه العربي: يؤيد الصدر مرجعية النجف ويرفض هيمنة مرجعية قم، ويطالب بحل الحشد الشعبي بعد القضاء على داعش، وأن يكون السلاح بيد الجيش العراقي، ودعوته إيران للانفتاح على بعض القوى في المنطقة، لا سيما المملكة السعودية، وبعد ظهور بوادر تقدم ملحوظ لقوائم التحالف، هتف أنصاره ضد إيران[45]، مقابل انفتاحه على المحيط العربي للعراق بزيارته الإمارات والسعودية، وهو ما ترتب عليه انفتاح عراقي سعودي تجلي في تنامي عدد الزيارات بين قيادات البلدين[46].
» توقعات بقبوله دوليًّا مقارنة بالثنائي العامري-المالكي: رغم أن العبادي هو المرشح المفضل أمريكيًّا فإنّ تقدم الصدر لا الثنائي العامري-المالكي قد يلاقي قبولًا أمريكيًّا لسببين: الأول، معارضة الصدر للهيمنة الإيرانية الإقليمية، وهو ما يدعم مساعي واشنطن لمحاصرة إيران وتقليم أظافرها. الثاني، انفتاح حلفاء واشنطن الإقليميين، خصوصًا المملكة العربية السعودية، على التيار الصدري نتيجة مساعيه لعودة العراق إلى محيطه العربي[47].
(المرتبة الثانية): تحالف الفتح: حصد تحالف الفتح المرتبة الثانية بحصوله على47 مقعدًا، وقد رجع المراقبون ذلك إلى الدور الكبير التي قامت به قوات الحشد الشعبي في القضاء على داعش، وقدرته على تزوير الانتخابات في المحافظات المحررة من داعش، والخاضعة لسيطرتها منذ القضاء على التنظيم الإرهابي[48]، فضلًا عن الانتشار الأمني الواسع للحشد، ما عزز من قدرته على التعبئة.
(المرتبة الثالثة) تحالف النصر: تراجع تحالف الفتح إلى المرتبة الثالثة بحصوله على 42 مقعدًا، وقد يرجع ذلك إلى امتعاض كتلة كبيرة من انضمام قوات الحشد الشعبي رسميًّا إلى الجيش في عهد العبادي[49]، وتركيز برنامجه الانتخابي على قضايا لا تشغل المواطن العراقي في وقتٍ تفاقمت فيه معدلات الفساد وتردّت فيه الأوضاع الاقتصادية، فضلًا عن الاتهامات البرلمانية الموجّهة إلى العبادي بتقصيره في فتح ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين[50].
(المرتبة الرابعة) تحالف دولة القانون: حصد المرتبة الرابعة بحصوله على 26 مقعدًا، وقد يرجع ذلك إلى إدراك شريحة كبيرة من المواطنين العراقيين لاحتلال داعش للمدن والمحافظات السنّية في عهده، وتكوينه ميليشيات الحشد الشعبي، وإعطائه الأولوية لمرجعية قم على مرجعية النجف، وانتشار الفساد في عهده وإعطائه الأولوية لمن ينفذون السياسات الإيرانية، فضلًا عن فصل العراق عن محيطة العربي لصالح الأطماع الإيرانية منذ الغزو الأمريكي للعراق[51].
(المراتب المتأخرة) تحالفات المكوّن السنّي: بحصول تحالف الوطنية على 21 مقعدًا وحصول تحالف القرار العراقي على 15 مقعدًا فقط، وقد يرجع ذلك إلى النزوح الجماعي لأبناء المكون السنّي بكل المناطق السنّية التي شهدت معارك عسكرية للقضاء على داعش، وفقدان أبناء المكون السنّي الثقة في القيادات السنّية المرشحة، فعلى سبيل المثال أثيل النجيفي (أخو أسامة النجيفي) كان محافظًا لنينوى في أثناء دخول داعش إلى الموصل 2014، وقد اتهم بالعمالة لدول أجنبية لتسليم الموصل إلى داعش حسب تقرير لجنة التحقيق التي شكلها البرلمان العراقي للتحقيق معه في ما نُسب إليه من اتهامات[52].

سادسًا: إيران ودلالات العملية الانتخابية
1- إدراك ووعي المواطن العراقي: أهمّ نتيجة توصلت إليها الدراسة هي إدراك ووعي المواطن العراقي لحضارة العراق الممتدة عبر التاريخ وانتمائه لمحيطة العربي، وهو ما يفسر إدلاءه لتحالف سائرون العابر للطائفية، فضلًا عن إدراكه أن إيران سائرة في طريق المواجهات العسكرية، وبعد خوض العراق لحروب متتالية أدت إلى تدمير البنية الوطنية والاقتصادية العراقية فضّل الناخب العراقي النأي بالنفس عن التصويت لصالح التحالفات الموالية لإيران الساعية للصدام العسكري بشكل دائم.
2- سوء الإدراك الإيراني: ترتبط بالنتيجة السابقة، إذ اعتمدت إيران في تمددها في العراق على البعد الطائفي بدعمها المكون الشيعي ضد المكون السنّي ظنًّا منها في استمرارية الشيعة العراقيين بدعم مخططاتها ومشاريعها في العراق، وهذا يعكس سوء إدراك إيراني (miss perception) بمدى تجذر الحضارة العراقية وتاريخها في العقلية الإيرانية، وهو ما كشفت عنه نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2018.
4- دور أكبر للثنائي الصدر-السيستاني: سيلعب الثنائي دورًا في المرحلة المقبلة، وسيستطيع السيستاني تعظيم مكانة الحوزة النجفية، مع تعاظم فرص حل الحشد الشعبي إذا ما دعا السيستاني صراحة، وهو أمر متوقع في ضوء المعادلة العراقية الجديدة.
5- تعاظم فرص رجوع العراق إلى محيطة العربي: نتيجة تقدم ممن يؤيدون عروبة العراق تعاظمت فرص عودة العراق إلى محيطه العربي، لا سيما الخليجي، ومن ثم إمكانية تكثيف الزيارات المتبادلة العراقية الخليجية للتنسيق المشترك، على نحو يعجل بعراق جديد تحت العباءة العربية.

سابعًا: مستقبل العراق بين القلق الإيراني والفرصة العربية
عادة ما يترتب على نتائج انتخابات النظم البرلمانية في العالم تركيبة برلمانية جديدة تسفر عن حكومة جديدة، إما ذات توجهات داخلية وخارجية مغايرة لسابقتها في حالة تبدل التحالفات الحاكمة، وإما استمرارية التوجهات داخليًّا وخارجيًّا حال استمرارية التحالفات الحاكمة، وفي الحالة العراقية جاء تحالف سائرون الأقرب لتحالف العبادي العابر للطائفية، الذي يقف على مسافة بعيدة من التحالفات الشيعية الطائفية مثل تحالفي الفتح ودولة القانون، بيد أنه في حالة تشكيل «حكومة ائتلافية» جديدة لا تشمل تحالفي الفتح ودولة القانون (وهو السيناريو الأقرب في ضوء نتائج وتصريحات قادة التحالفات الفائزة في الانتخابات والمواقف الإقليمية والدولية) نكون أمام معادلة عراقية جديدة ليست في صالح الدور الإيراني في العراق، بل وفي المنطقة، كون العراق الدولة المحورية والمركزية في قلب الاستراتيجية الإيرانية التوسعية.
إنّ تشكيل حكومة عراقية جديدة محتملة غير موالية لإيران من شأنها تحجيم التمدد الإيراني في العراق، فداخليًّا، من المتوقع مطالبة السيستاني بحل الحشد الشعبي، مع طرح مشروع وطني بديل مغاير للمشروع المذهبي يعلي من استقلالية القرار العراقي ويقلل من تأثير المكون الشيعي على عملية صنع القرار العراقي. وخارجيًا، من المرجح تعاظم عودة العراق لمحيطه العربي والانفتاح أكثر على الدول الخليجية، خصوصًا السعودية، مع تراجع الدور الإيراني في الملفات الإقليمية في ضوء الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وعودة العقوبات الأمريكية على إيران، فضلًا عن التحركات الإسرائيلية-الأمريكية-الأوروبية العسكرية لتحجيم الدور الإيراني في سوريا.
وعليه، تمثل نتائج الانتخابات فرصة تاريخية للدائرتين العربية والخليجية للاستفادة من أخطاء الماضي القريب عبر تعزيز العلاقات مع العراق بتبني نهج جديد يرسي أواصر عهد عراقي-عربي جديد من خلال آليات وأدوات متنوعة ومتعددة تعيد العراق إلى محيطه العربي مثل تكثيف عدد الزيارات المتبادلة، ودعم القوى والتيارات ذات النزعة العروبية والقومية سياسيًّا، واستضافة المسؤولين العراقيين في الحكومة الجديدة بهدف التنسيق تجاه القضايا الداخلية والخارجية المشتركة.
علاوة على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع العراق، عليها أن تبدأ بالدخول بقوة في عمليات إعادة اعمار المناطق المحررة من داعش لعودة النازحين، وهذا يمنع ظهور جماعات متطرفة من جديد من ناحية، ويدعم الآراء المطالبة بحل الحشد الشعبي من ناحية أخرى، وهذه أهم نقطة، ثم محاولة التقليل من اعتماد العراق على إيران في مجال الطاقة الكهربائية عبر تقليل إجراءات إنشاء محطات كهربائية، وتفعيل آليات التعاون الاقتصادي العراقي-العربي المشترك، وضخّ الاستثمارات في المجالات الاقتصادية ذات الميزة النسبية والمؤثرة في المعادلة العراقية، وتعزيز ميزان التجارة عبر الدخول بقوة في مجال التجارة العراقي، فضلًا دعم البرامج الثقافية والعلمية العراقية ذات الطابع الحضاري والعروبي.
وارتباطًا بما سبق، وحال شعورها بابتعاد العراق عن إيران وإن كان من الصعب فك الارتباط الإيراني-العراقي بسهولة، يتوقع أن تدعم إيران سيناريو الفوضى في العراق -وإيران قادرة على ذلك من خلال انتشاء ميليشياتها المسلحة- مثلًا من خلال دعمها ظهور جماعات متطرفة أخرى على غرار داعش كذريعة لاستمرارية قوات الحشد التي لعبت دورًا رئيسيًّا في القضاء على داعش، وهذا ما يجب الالتفات إليه وضرورة المسارعة في إعادة إعمار المناطق المحررة، أيضًا مع احتمال عودة سيناريو التصفيات والاغتيالات لبعض المسؤولين العراقيين ممن يرفضون المشروع الإيراني.
ولكن إذا ما زادت الضغوط الإقليمية والدولية على إيران وأنشطتها الإقليمية بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وعودة العقوبات المؤثرة على الاقتصاد الإيراني الذي يمر بحالة تردٍّ، مقابل تنامي حالات السخط الشعبي الإيراني، فستمثل قيودًا أيضًا على الدور الإيراني في العراق حال ابتعاده عن إيران مستقبلًا.

[1]
BBC, Iraqi Kurds offer to 'freeze' independence referendum result, 25 October 2017, http://cutt.us/gUEqo
[2]
The guardian, More than 92% of voters in Iraqi Kurdistan back independence, 27 Sep 2017, http://cutt.us/gZ33X, and for more, look: Kurdistan: 92% voted “yes” for independence from Iraq, http://cutt.us/H5CNu
[3]
Reuters, Iraq to declare final victory over Islamic State after desert campaign, November 21, 2017, http://cutt.us/EUMIh
[4]
جمهورية العراق، مجلس النواب العراقي، قانون هيئة الحشد الشعبي، 26/11/2016، http://cutt.us/H6HaV خبر أونلاين، سرلشکر باقری: به قطعنامه آتش بس در سوریه پایبند خواهیم بود، ۱۳۹۶/۱۲/۰۶ ۱۱، http://cutt.us/xzRu1
[5]
Rudaw, Turkey announces ‘complete’ control of Afrin, 24/3/2018, http://cutt.us/6K27F
[6]
الضربات الإسرائيلية بسوريا في 2018، http://cutt.us/O64EZ .
[7]
موقع برس توداي: بیانیه سپاه پاسداران در محکومیت حمله موشکی به سوریه، http://cutt.us/G7Eyd
[8]
لماذا صمتت روسيا تجاه الضربة الإسرائيلية لإيران هذه المرة؟، http://cutt.us/7PLdC
[9]
Iraq, People and Society, Ethnic groups, CIA, fact book, http://cutt.us/sKJIc
[10]
Iraq, People and Society, Religions, CIA, fact book, http://cutt.us/sKJIc
[11]
التشكيلات السكانية في العراق، http://cutt.us/ynfQO
[12]
مشرق نيوز ، همه چیز درباره مهمترین انتخابات عراق؛ آرایش انتخابات پارلمانی عراق چگونه است/ شانس کدامیک از احزاب برای تصدی نخست وزیری بیشتر است؟ +تصاویر، http://cutt.us/jaaeC
[13]
إذاعة صوت ألمانيا (دويتشه فيله)، الثابت والمتغير في معادلات الانتخابات العراقية، 20/1/2018، http://cutt.us/8U2rK
[14]
خريطة أولية للتحالفات السياسيـة في الانتخابات العراقية المقبلة، http://cutt.us/N19Dx
[15]
العراق: القائمة "النهائية" للتحالفات الانتخابية ومكوناتها الحزبية، http://cutt.us/3Zq7h
[16]
رئيس تحالف "سائرون" العراقي لـ"العربي الجديد": سنبني الدولة المدنية، http://cutt.us/bXe0T
[17]
عبد العزيز بن صالح المحمود، كيف أصبح العراق دولة شيعية؟ http://cutt.us/k1b86، وريناد منصور، المأزق السني في العراق، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، http://cutt.us/wJzMK
[18]
العراق: القائمة "النهائية" للتحالفات الانتخابية ومكوناتها الحزبية، http://cutt.us/3Zq7h
[19]
التحالفات النهائية التي تخوض انتخابات مجلس النواب في العراق، http://cutt.us/xD1z6
[20]
مشرق نيوز، همه چیز درباره مهمترین انتخابات عراق؛ مرجع سبق ذكره.
[21]
إذاعة صوت المانيا (دويتشه فيله)، الثابت والمتغير في معادلات الانتخابات العراقية، 20/1/2018، http://cutt.us/8U2rK
[22]
الكتل والتحالفات المشاركة في الانتخابات العراقية، http://cutt.us/l7b40
[23]
الفساد أعمق من كل حملات محاربة الفساد في العراق، http://cutt.us/QrPNK
[24]
العبادي يعلن إحالة ملفات فساد "خطيرة" إلى القضاء، http://cutt.us/Nc2yT
[25]
مثنى الجادرجي، الحرب الوهمية على الفساد في العراق، http://cutt.us/CrUmB
[26]
الكاتب العراقي عدنان حسين، انتخابات البرلمان العراقي... تكون أو لا تكون، http://cutt.us/umkWW
[27]
إجمالي عدد المصوتين ونسبة المشاركة النهائية في الانتخابات، http://cutt.us/jDACW
[28]
العبادي: إعادة إعمار العراق قد تتجاوز 100 مليار دولار، http://cutt.us/raKzt
[29]
العراق بين الفساد وإعادة الإعمار، http://cutt.us/W3f8W
[30]
السيستاني يدعو لدمج المشاركين في حرب داعش بالمنظومة الأمنية، http://cutt.us/4B0K3 ، وللمزيد: العبادي والتحديات الداخلية بعد داعش، http://cutt.us/lkl0S
[31]
غسان الإمام، هل عروبة العراق في خطر؟، http://cutt.us/kYCUF
[32]
د. علي الغالب، أهمية العراق في الاستراتيجية الإيرانية، http://cutt.us/9o3ZG
[33]
المرجع السابق.
[34]
المرجع السابق.
[35]
Isaac Kfir, 7 Mar 2018, Iraq as a ‘client state’ of Iran, http://cutt.us/nYRvZ
[36]
Newsweek, U.S. SOLDIERS UNDER THREAT AS IRAN ALLIES JOIN IRAQ MILITARY WITH PLANS TO KICK AMERICANS OUT, http://cutt.us/Hte6r
[37]
رشيد الخيون، الحشد الشَّعبي.. لكلِّ زمن حرسه، إقرار الحشد خارج الجيش العراقي زهو للطائفيين، ميدل إيست أونلاين، http://cutt.us/wpw1k
[38]
قناة العالم، إيران والعراق .. علاقات اقتصادية مميزة على أعتاب عام 2017
[39]
شبکه اطلاع رسانی راه دانا ، رایزن بازرگانی جمهوری اسلامی ایران در کشور عراق: حجم مبادلات تجاری ایران و عراق به 13 میلیارد دلار رسید، http://cutt.us/X5DYG
[40]
خبربان، یحیی آل اسحاق، برنامه های روسیه و عربستان برای تصاحب بازار عراق، http://cutt.us/mU6Pb
[41]
مجلس النواب العراقي، النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي، اختصاصات المجلس، http://cutt.us/WobHO
[42]
نتائج نهائية.. كتلة "سائرون" بزعامة الصدر تتصدر الانتخابات البرلمانية في العراق، http://cutt.us/QQV7q
[43]
تحالف "سائرون" يكشف عن "سرِّ فوزه الكبير" في الانتخابات التشريعية العراقية، http://cutt.us/vbCYK
[44]
الصدر يتقدم في الانتخابات.. وأنصاره يهتفون برحيل إيران، http://cutt.us/YKTUc
[45]
الصدر - "صانع الملوك" و"حليف واشنطن الجديد" في العراق؟، http://cutt.us/AcoRN
[46]
الصدر - "صانع الملوك" و"حليف واشنطن الجديد" في العراق؟، http://cutt.us/AcoRN
[47]
الحشد الشعبي يرد على اتهامات بتزوير الانتخابات في المناطق المحررة، http://cutt.us/y9aZr
[48]
انضمام مقاتلي الحشد الشعبي رسميًّا إلى القوات العراقية، http://cutt.us/Bsh07
[49]
النزاهة البرلمانية: العبادي لم يفتح عديدًا من ملفات الفساد المهمة.. وهذه أبرزها، http://cutt.us/DW4m4
[50]
الفساد أعمق من كل حملات محاربة الفساد في العراق، http://cutt.us/QrPNK
[51]
علي موسوي خلخالي، انتخاباتی که پیش بینی می شود به آرامی برگزار شود، ارزیابی فضای سیاسی عراق در آستانه انتخابات، دیپلماسی ایرانی، 28 اسفند 1396، https://goo.gl/shB4oE
د. عبدالرؤوف مصطفى الغنيمي
د. عبدالرؤوف مصطفى الغنيمي
باحث سياسي بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية