خارطة الأحزاب الإيرانية عام 2016

https://rasanah-iiis.org/?p=637

خارطة الأحزاب الإيرانية عام 2016م
حدث تغير كبير في الأحزاب السياسية الإيرانية مع انهيار الإصلاحيين أمام التيار المحافظين الجدد بزعامة أحمدي نجاد ولم يكن هذا الانهيار دفعة واحدة، وانما بدأ التراجع مع هزيمتهم في برلمان 2004م ثم الانتخابات الرئاسية 2005م ثم حدث الانهيار التام في الانتخابات الرئاسية 2009م وما تبعها من تظاهرات ختمت بحل جبهة المشاركة، ومنع غالبية الأحزاب الإصلاحية من ممارسة العمل السياسي، حتى جاء حسن روحاني، ليضم بين مؤيديه المعتدلين مما تبقى من الإصلاحيين مع كثير من المعتدلين من المحافظين التقليديين، الأمر الذي أعاد تشكيل خريطة الأحزاب الإيرانية من جديد، وإن كانت لم تتضح معالمها، إلا مع انتخابات مجلس الشورى الإسلامي عام 2016م

تتغير تنويعات الأحزاب الإيرانية بشكل متسارع ليس من ناحية التحالفات والتوازنات كغالبية الأنظمة السياسية فحسب، وإنما من حيث التكوين والنشأة كذلك، مما يجعلها تحتاج لمراجعة دورية متتابعة لرصد ما يعتريها من تبدل وتغير خاصة لدى كل عملية انتخابات برلمانية تجرى في إيران، كما أن التفاعلات الحزبية الإيرانية لها سماتها التي تؤثر على مجريات الحياة الحزبية ومجمل العمل السياسي في إيران.
من سمات الأحزاب السياسية في إيران، سرعة الانشقاق، وتكوين الكيانات المتوازية، فمن رحم “جامعه روحانيت مبارز” جمعية رجال الدين المناضلون الفصيل المحافظ الأشهر الذي يضم معظم علماء قم المنخرطون في العمل السياسي من ذوي التوجهات المحافظة، خرج “مجمع روحانيون مبارز” من نفس القاعدة المجتمعية ولكن يضم من لهم توجهات اقتصادية تميل للاقتصاد الحكومي الموجه المؤيد لحقوق العمال أي أن له أفكار اقتصادية أميل للاشتراكية، ثم أصبح فيما بعد من أهم فصائل الإصلاحيين.
قصر العمر السياسي للأحزاب الإيرانية فسرعان ما تتشكل الأحزاب الإيرانية، قبيل العمليات الانتخابية وتحل بعدها، ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا القليل المستند على قاعدة فئوية وليست مجتمعية عامة.
انعدام صفة الالتزام الحزبي، حيث يجوز للسياسي الإيراني أن يكون عضواً في عدة أحزاب سياسية في ذات الوقت، كما أنه لا يلتزم برأي الحزب في معظم القضايا، بل يعبّر عن رأيه الشخصي.
غياب المواقف الحزبية في معظم القضايا السياسية، إذ أن الأحزاب الإيرانية نادرا ما تصدر بيانات معبرة عن مواقفها عبر الأمانات الحزبية، وإنما تترك الموقف الحزبي يتكوّن نتيجة لتصرفات الأفراد، وهذا نابع من عدم وجود لائحة تأسيسية لمعظم الأحزاب الإيرانية وبالتالي غياب الأيديولوجية الحزبية بل والقناعات الفكرية والتوجهات الاجتماعية كذلك.
محورية الفرد في تأسيس الأحزاب الإيرانية، فبدلاً من انضواء الأفراد تحت مظلة حزب ما تبعاً لأهدافه وبرامجه، تتكوّن الأحزاب في إيران بوجود شخصية مركزية يقوم عليها الحزب، وتزداد مكانة الحزب بموقع الفرد من السلطة أو العمل السياسي العام، وينهار الحزب بانهيار هذا الفرد.
بالتالي لا تتكوّن كتل انتخابية ثابتة في المجلس، وإنما تحل وتتشكل عدة مرات في الدورة الواحدة بعيداً عن الانتماء الحزبي، مما يجعل الحياة البرلمانية الإيرانية تختص بحالة من السيولة وتبدل المواقف وفق المصالح الشخصية والفئوية.
الأحزاب السياسية المشاركة في انتخابات 2016م:
1- التيار المحافظ
عانى المحافظون من انقسامات حادة فيما بينهم في عهد أحمدي نجاد، فعلى الرغم من امتلاكهم الأغلبية، انقسموا إلى فرقتين عرفتا بالمحافظين الجدد والمحافظين التقليديين، ووصل الأمر بينهما إلى تعطيل عمل الحكومة برفضهم التصديق على تعيين الوزراء ورفض اعتماد الموازنة، وكان بأسهم فيما بينهم أشد من بأس الإصلاحيين عليهم، إلى حد أصاب إيران بالشلل السياسي في العام الأخير من حكم أحمدي نجاد.
نجح من عرفوا بالمحافظين التقليديين في نهاية عهد أحمدي نجاد في تكوين جبهة موحدة تضم معظم فصائل المحافظين بعيداً عن التيار الداعم لأحمدي نجاد تحت اسم (جبهه متحد اصولگران)، أي الجبهة الموحدة للأصوليين.
ثم انقسم المحافظون على أنفسهم، وكانت شرارة البدء دعوة جبهة الصمود (جبهه پايداري) العضو بالجبهة الموحدة للأصوليين و التي يتزعمها آية الله مصباح يزدي باتباع سياسة تصفية الأصوليين من أدعياء الأصولية، فانقسمت جبهة الصمود إلى فريقين الأول انضم إلى حزب سالكو طريق الثورة (راهپويان انقلاب اسلامي)، الذي يتزعمه فريد الدين عادل ابن غلام علي حداد عادل، والفصيل الثاني الذي جذب بقية المنشقين من أعضاء جبهة الصمود هو جمعية المؤثرين (جمعيت ايثارگران) المؤيدة لغلام علي حداد عادل، لكنها لم تجعل من معارضة روحاني محوراً لها، وخفت دور الجبهة الموحدة للأصوليين في تنظيم العمل السياسي لفصائل المحافظين، فأصبح الفصيلين سالكوا طريق الثورة وجمعية المؤثرين أبرز فصائل التيار المحافظ، وإن كان الأخير يتبنى مواقف أكثر عقلانية وأقل معاداة لروحاني تحت زعامة غلام على حداد، ثم يأتي حزب سالكو طريق الولاية (راهپويان ولايت) بزعامة علي لاريجاني، وهو فصيل أصولي على خلاف مع حداد عادل وعلى وفاق نسبي مع روحاني يمكن تصنيفه كفصيل معتدل، وكان قد حصل على أهم المقاعد الوزارية في حكومة روحاني مثل الدفاع والداخلية والعدل والاستخبارات، إذا يتوزع غالبية المحافظون إلى أربع فصائل، تتدرج من أقصى اليمين شديد العداء لروحاني وهو الفصيل المؤيد لأحدي نجاد المعروف برائحة الخدمة، ثم فصيل سالكوا طريق الثورة بزعامة آية الله مصباح يزدي، ثم جمعية المؤثرين بزعامة غلام على حداد عادل، ثم سالكوا طريق الولاية بزعامة على لاريجاني[1].
مع توزيع بعض الحقائب الوزارية في حكومة روحاني على بعض المحافظين المعتدلين، أثيرت حفيظة المحافظين الذين كانوا على علاقة طيبة بحكومة أحمدي نجاد، والبالغ عددهم ما بين سبعين وتسعين عضوا بالبرلمان، فبدأوا بعرقلة عمل حكومة روحاني، وبالتالي كان هدف روحاني في هذه الانتخابات التخلص من أولئك النواب أكثر من تحقيق الفوز على التيارات المحافظة الأخرى هو ما حصل عليه بالفعل[2].
هذه الجماعات السياسية التي سبق ذكرها وهي؛ سالكو طريق الثورة الإسلامية، وسالكو طريق الولاية، وجمعية المؤثرين وجبهة الصمود، فضلاً عن بعض التنظيمات المحافظة التقليدية الأخرى اندرجت لفترة تحت مسمى ائتلاف الأصوليين (فراكسيون اصولگرايان) وترأسه غلام علي حداد عادل، ومعروف عن هذا الائتلاف عدم التوحد في مواقفه وآرائه إلا في رفض بعض بنود الاتفاق النووي، ورفض المسارعة في التصالح مع الغرب، والرغبة في زيادة التدخل الإيراني بشؤون دول الجوار.
أخذ تيار (سالكو طريق الولاية) يبتعدون عن ائتلاف الأصوليين لتباين موقفيهما فيما يتعلق بتأييد روحاني مع تمتعه بالتزام حزبي أكبر، وشكل تياراً منفصلاً وأخذ في التوسع والتمدد، حتى استطاع الحصول على أغلبية البرلمان في دورتيه الثامنة والتاسعة، بينما استطاع ائتلاف الأصوليين جذب فصائل محافظة أخرى مثل جمعية المؤتلفة الإسلامية وجبهة أتباع خط الإمام وغيرهما.
1- بقايا الإصلاحيين
الأحزاب السياسية التي دخلت انتخابات البرلمان عام 2016م وسميت بالإصلاحيين هي في الحقيقة الأحزاب المعتدلة التي كانت موجودة قبل تجربة الإصلاحيين وتحالفت معهم في الانتخابات الرئاسية عام 1997م، وهي جمعية رجال الدين المناضلين (مجمع روحانيون مبارز) ومنظمة مجاهدو الثورة الإسلامية (سازمان مجاهدين انقلاب اسلامي) وكوادر البناء والتعمير، فضلاً عن أفراد كانوا منتسبين لجبهة المشاركة التي تم حلها عام 2009م، وقد سعوا إلى استعادة هويتهم الحزبية والحصول على بعض المناصب الحكومية ما دون المقاعد الوزارية في حكومة روحاني، مثلت هذه الانتخابات عودة الروح لهذه التنظيمات الإصلاحية، وأحيت فيهم الأمل، صحيح أنهم دخلوا الانتخابات وهم لا يفكرون في الفوز بأي حال، ولكن هدفهم كان فتح الطريق للعودة التدريجية، وربما على أكثر تقدير تحقيق الأغلبية في دوائر طهران، للوصول إلى مقعد رئيس بلدية العاصمة، وهو ما أوشكوا على تحقيقه بالفعل، وقد دخلوا الانتخابات بتنظيمات محدودة ذات طبيعة خاصة من حيث ماضيها الثوري الطويل واستحالة طعن المحافظين في ولاء هذه التنظيمات لنظام الجمهورية الإسلامية وشخص الولي الفقيه.
– اتحاد رجال الدين المناضلين (روحانيون مبارز)
تكوّن من انشقاق الأعضاء ذوي التوجهات الاقتصادية اليسارية في جمعية رجال الدين المناضلين المحافظة (روحانيت مبارز) عام 1987موكان من أهم التنظيمات السياسية للإصلاحيين في عهد خاتمي، وبعد أن أمضى فترة في حالة الصمت والكمون السياسي بعد 2009م، عاد من جديد وساند روحاني في الانتخابات الرئاسية، وحصل أحد أعضائه مجيد أنصاري على مقعد ممثل الحكومة في البرلمان.
– منظمة مجاهدو الثورة الإسلامية
من أقدم التنظيمات السياسية في الجمهورية الإسلامية، انتهجت أسلوب المعارضة المسلحة والعمل السري ضد الشاه، وقامت بدور محوري في تكوين الحرس الثوري، وتمثل في أعين كثير من الإيرانيين صورة النقاء الثوري، كانت عضواً في جبهة المشاركة الإصلاحية، لكنها كحزب لا يوجد لها الآن نشاط سياسي ملحوظ، أما الشخصيات التي كانت منتمية لها، فعادت للنشاط من جديد، وأغلبهم يمارسون عمل التحليل السياسي ومؤثرون في مجال التثقيف السياسي للمجتمع الإيراني.
– كوادر البناء والتعمير:
هو الأب الروحي لكثير من الأحزاب الإصلاحية، أسسه هاشمي رفسنجاني عام 1995م في السنة الأخيرة من فترة رئاسته الثانية للجمهورية، وهو الحزب السياسي الوحيد الذي تشكل من داخل الحكومة، فقد أسسه 16 وزيراً من حكومة رفسنجاني، وكان على اتساق وثيق بروحانيين مبارز، وكان يضم بعضاً من أعلام الإصلاحيين مثل خاتمي وكروبي ومهاجراني وغيرهم.
المعتدلون، التيار المؤيد للدولة (جريان حاميان دولت)
هو التيار الذي انضوت تحت رايته جميع الفصائل السياسية المؤيدة للرئيس حسن روحاني بشكل كامل، وقد عمل روحاني على تجميعها تحت مسمى جبهة التدبير والأمل، وهو الشعار ذاته الذي كان قد اختاره لحكومته في بداية توليه السلطة، ومن أهم فصائل هذا التيار:
حزب الاعتدال والتنمية، أسس في عام 1999م قبيل انتخابات الدورة السادسة للمجلس، ووفق ما يعلنه الحزب عن نفسه، يقوم حسن روحاني بدور المرشد للحزب منذ يوم تأسيسه، كما يتمتع الحزب بدعم هاشمي رفسنجاني، كما أن ابنته فاطمة أحد أعضاء الهيئة المؤسسة للحزب، وعبر منابر الحزب شن كل من روحاني ومحمد باقر نوبخت حملتيهما في الهجوم على أحمدي نجاد بدءاً من عام 2006م، ويقدم الحزب نفسه على أنه التجسيد الحقيقي لمفهوم الاعتدال في إيران، وقد أدمج بشكل كامل في جبهة التدبير والأمل [3].
– جبهة التدبير والتنمية التي يترأسها محمد باقر زاده، وقد رفضت صلاحية معظم مرشحيها من قبل مجلس الرقباء (صيانة الدستور)، فعمدت إلى ضم المرشحين المستقلين الذين حصلوا على صلاحية الترشح [4].
من خلال استعراض هذه التيارات الثلاثة التي شاركت في انتخابات الدورة العاشرة لمجلس الشورى الإسلامي، يتضح أن جوهر المنافسة الانتخابية اتخذ من شخص الرئيس الإيراني حسن روحاني محوراً يتم تصنيف القوى السياسية الإيرانية على أساسه، بوضعه في المركز وجعل الأصوليين، كقوى يمينية، تتدرج من أقصى اليمين القابع فيه (جبهة الصمود) بزعامة آية الله مصباح يزدي، ثم سالكو طريق الثورة الإسلامية، بزعامة فريد الدين حداد عادل، ثم جمعية المؤثرين، ثم أقرب الأصوليين لروحاني وهو فصيل (سالكو طريق الولاية) بزعامة علي لاريجاني الذى خرج منه كثيرون انضموا فعلياً لتيار الاعتدال المؤيد للدولة، ثم يأتي مؤيدو روحاني، وفي أقصى اليسار تأتي فصائل الإصلاحيين التي سبق ذكرها.
كل حزب أو تيار شارك في هذه الانتخابات ادعى الفوز بها، وإن كان الصخب الذي أحدثه الإصلاحيون حول فوزهم هو الأشد والأكثر حضوراً في وسائل الإعلام، ولعل ذلك راجع إلى كثرة المرشحين المستقلين من جهة، وكيفية تصنيف الأحزاب المشاركة من جهة أخرى، فعلى الرغم من قلة الإصلاحيين الذين سمح لهم مجلس صيانة الدستور بالدخول في المعترك الانتخابي، إلا أنهم يعتبرون أن كل أعضاء قائمة الداعمين للدولة أو ما يعرف بقائمة الأمل (ليست اميد) إصلاحيون، والأدهى من ذلك يعتبرون أن المرشحين المنتمين لائتلاف سالكي طريق الولاية بزعامة لاريجاني إصلاحيون، في حين أن المحافظين يفرقون بين الإصلاحيين والمعتدلين، كما يعتبرون سالكي طريق الولاية من المحافظين، وبالتالي تضاربت الأقوال حول الفصيل الفائز بالانتخابات، إلا أن هناك حقيقتين غير قابلتين للجدل، الأولى الفوز الكاسح للإصلاحيين في محافظة طهران، والأمر الثاني هو الأهم أن الفائز الحقيقي في هذه الانتخابات هو شخص الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي استطاع جمع تأييد ما تبقى من الإصلاحيين إلى جوار تيار الاعتدال المؤيد له شخصياً مع فصل تيار سالكي طريق الولاية الذي كانت له الأغلبية في المجلس التاسع عن التيار الأصولي المحافظ وضمه له، مع تحجيم عدد مقاعد جبهة الصمود المعارضة له، فضلاً عن النواب المؤيدين للرئيس السابق أحمدي نجاد والمندرجين تحت لواء حزب (رائحة الخدمة) المتماس مع جبهة الصمود.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير