إيران ومستقبل السّلام في أفغانستان

https://rasanah-iiis.org/?p=22685

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

أثار توجُّه رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنيَّة الأفغانيَّة عبدالله عبدالله إلى طهران مؤخرًا، الكثير من التساؤلات حول الهدف من الزيارة في هذا الوقت الحرج الذي تمرُّ به مفاوضاتُ السّلام بين كلﱟ من حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية وحكومة كابل عبر ما يُعرف بـِ«مسار الدوحة».

فبعد أنْ توصلت الولايات المتحدة مع حركة طالبان في فبراير الماضي إلى اتفاقٍ مبدئي يقضي بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان خلال 14 شهرًا في حال التزمت حركة طالبان بشروط الاتفاق، وهي في الأغلب شروطٌ لا تُشكِّل التزامًا مُحدّدًا على طالبان القيام به مثل إجراء مفاوضاتٍ مع حكومة كابل أو التعهُّد بقطع الصلة بتنظيم القاعدة، وكأنه اتفاقُ انسحابٍ غير مشروط من قِبَل الولايات المتحدة.

في الوقت الحالي  لا يعني خروج القوات الأمريكية من أفغانستان أيّ شيءٍ سوى عودة إمارة طالبان في أفغانستان والقضاء على حكومة كابل. وبناءً عليه، تجري الآن ترتيباتُ وضع أفغانستان في مرحلة ما بعد خروج القوات الأمريكية. ووسط كل هذه التحولات المُتوقعة تُبدي الولايات المتحدة حالةً من الثقة غير المبررة بحركة طالبان، لا يُمكن أن يكون وراءها دافعٌ سوى الرغبة في الخروج من أفغانستان للحفاظ على سلامة من تبقّى من القوات الأمريكية دون النظر لما سوف يؤول إليه الوضع مستقبلًا في أفغانستان.

فأفغانستان مُرشحةٌ بقوة لتكون مركزًا للصراعات الداخليَّة والدوليَّة بعد خروج القوات الأمريكية، فعلى الصعيد الإقليمي سوف يؤثِّر الوضع في أفغانستان على توازنات منطقة جنوب آسيا والتنافس الهندي-الصيني على مسارات التجارة المارة بأفغانستان وآسيا الوسطى، فضلًا عن الصراع الباكستاني-الهندي.  

وداخليًّا، لا شكّ أنَّ قتالًا عنيفًا سيندلعُ بين حركة طالبان وحكومة كابل ونتيجتهُ شبه محسومة لصالح حركة طالبان؛ بسبب تعمُّد الولايات المتحدة إبقاء الحكومة الأفغانية ضعيفة من حيث القدرة القتاليَّة والتسلُّح. ووسط هذه الحرب المُتوقعة سيعاود الإرهاب التمركز في الأراضي الأفغانية مُتّخِذًا منها قاعدةً للانطلاق في الشرق الأوسط.

كما ستتفاقمُ انتهاكات حقوق الإنسان في أفغانستان  وسيتمُّ التنكيل ببعض الأقليَّات الدينيَّة والعرقيَّة من قِبَل حركة طالبان، ناهيك عن حقوق المرأة الأفغانية والتي ما زالت طالبان تنتهكها حتى أثناء مفاوضات الصُّلح.

تفتح زيارة عبد الله عبدالله لطهران الباب للتدخلات الإيرانية على مصراعيه خاصةً وأنَّ إيران تتربصُّ بأفغانستان وتنتظر بفارغ الصبر خروج القوات الأمريكية، ليعود نفوذها في التعاظم من جديد في أفغانستان وربما يكون هذه المرة أكثر تنسيقًا واحترافيَّة بعد شبكة العلاقات القوية التي أقامتها مع حركة طالبان أثناء سنوات التواجد الأمريكي في أفغانستان، فضلًا عن علاقة التحالف القوية مع روسيا، والاختراق للعمق الأفغاني عبر استيعاب وتجنيد أقلية الهزاره الشيعية وتلقِّي عشرات الألوف من أبنائها تعليمهم في طهران وقم.

وسط كل هذه الأخطار المُحدّقة بأفغانستان تأتي زيارة عبد الله عبدالله إلى طهران لتُضيفَ المزيد من التعقيد للمشهد الأفغاني خاصةً إذا ما طرحنا تساؤلاتٍ حول الدوافع الخاصة لعبدالله للقيام بها كمنافسٍ للرئيس الأفغاني أشرف غني.

فعبدالله الذي خاض انتخاباتٍ رئاسيَّة ضد أشرف غني العام الماضي لم يعترف بهزيمته في الانتخابات ونصَّب نفسه رئيسًا لتُصبح أفغانستان دولةً برئيسيْن طيلة الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020م لتنتهي الأزمة باتفاقٍ لاقتسام السلطة فيما بينهما في مايو 2020م  بالاعتراف برئاسة أشرف غني على أن يتولى عبدالله تعيين بعض الوزراء وإسناد مِلف المصالحة مع  حركة طالبان له، مع ترقية عبد الرشيد دوستم لرتبة مارشال، إلى هنا ومع ظهور دوستم في المشهد السياسي الأفغاني ظهر بوضوح أنَّ الأمر لم يكُن اتفاقُ اقتسام سلطةٍ سياسيَّة فحسب، وإنما هو اتفاقٌ وُضِع على أساس وزن العرقيات الثلاثة الرئيسة في أفغانستان فأشرف غني مُمثلًا للبشتون، وعبدالله مُمثّل الطاجيك الأفغان فارسيوا اللغة، ودوستم مُمثّل الأوزبك، وهذا في حدّ ذاته يُشكل اعترافًا رسميًّا بفشل مشروع الدولة المدنية في أفغانستان، وعودة العرقية والقبلية والتي تظهر فيها الانتماءات العابرة للحدود بوضوح.

فهل كان عبدالله الذي أُزيح كلُّ مؤيديه من جميع الوزارات الأفغانية مُستغيثًا بالدور الإيراني لمعادلةٍ لنفوذ أشرف غني البشتوني وثيق الصلة بباكستان أم كما عبَّر رسميًّا عن أنَّ زيارته لإيران تأتي في إطار التشاور مع دولة جارة تؤثِّر وتتأثَّر بمِلف المصالحة الأفغانية؟

وهل يمكن لعبدالله ورفاقه في حال اكتمال الانسحاب الأمريكي أن يتجاوزوا خلافاتهم مع أشرف غني حتى تقوى جبهة حكومة كابل في مواجهة حركة طالبان ومِن ثَمَّ ينجحون في وضع اتفاقٍ ثنائي يضمن الحفاظ على الدولة الأفغانية المدنيَّة وعدم تحولها لإمارة طالبانية من جديد؟

المؤشِّرات الحالية تُظهر أنَّ أفغانستان على شفا ظهور إمارة طالبانية بما يستتبعهُ ذلك من خللٍ في التوازنات الإقليميَّة والدوليَّة ودمارٍ على المستوى الداخلي في أفغانستان وأنَّ أعضاء حكومة كابل سيكون شاغلهم الرئيس هو الإبقاء على رؤوسهم فوق أكتافهم وليس الحفاظ على كيان الدولة، وسيتّجهُ كلُ فصيل في حكومة كابل إلى طلب العون من عاصمة الدولة التي يتوافق معها عرقيًّا أو لغويًّا.

سوف تتوغل إيران في أفغانستان عبر عرقيَّتيْ الهزارة والطاجيك، فالهزارة الشيعة نجحوا خلال السنوات الماضية في احتلال مقاعدَ في البرلمان الأفغاني تفوقُ بكثير وزنهم السكاني، وأصبحوا أكثر تنظيمًا على المستوى السياسي وأكثر ثراءً وتعليمًا عن ذي قبل، أما الطاجيك السنة الذين يشاركون إيران التحدث بالفارسية فلا شكّ سوف يلجؤون لإيران لمعادلة التفوق العددي البشتوني، بينما يستندُ الأوزبك وقائدهم التاريخي عبدالرشيد دوستم إلى تحالفه مع روسيا، ووسط كل هذا سيكون أمراء الحرب أمثال حكمتيار ورفاقه على مقربةٍ من حركة طالبان التي سوف تتلاعبُ بالجميع قبل أن تلتهمهم.

فهل هذا هو الإنجاز الذي حصلت عليه أمريكا من مسار الدوحة ؟!

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية