الآثار الكارثية لحيازة «حزب الله» موادّ متفجرة على السِّلم والأمن الدوليَّيْن

https://rasanah-iiis.org/?p=21751

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

استيقظ لبنان على وقع مشهدٍ مأساويّ هزَّ ضمير البشرية في كافة أصقاع الأرض، بوقوع انفجاراتٍ مروعة في مرفأ بيروت 04 أغسطس 2020م، راح ضحيتها أكثر من 135 قتيلًا و5 آلاف جريح و3 آلاف مشرد وعشرات المفقودين في حصيلةٍ أولية للانفجارات، مع وقوع تداعياتٍ كارثية على لبنان طالت المنازل ودور العبادة والمستشفيات في بقعةٍ امتدَّت لنصف بيروت تقريبًا.

لم تقف التداعيات الكارثية للانفجارات عند حد الخسائر البشرية، بل تسببت أيضًا في أضرار مادية فادحة قدَّرها محافظ بيروت مروان عبود ما بين 3-5 مليارات دولار؛ وهو ما استدعى إعلان بيروت مدينةً منكوبةً في سيناريو أعاد للأذهان هول المشهد المرعب للانفجارات النووية قبل نحو 75 عامًا، ومشهد مدينة الأشباح التي خلفتها كارثة تشيرنوبيل النووية الشهيرة 1986م.

وبغض النظر عن التكهنات حول الطرف المتورط في اندلاعها، وتوافر إشاراتٍ لتورط إسرائيل لمنع حزب الله من الحصول على نوعٍ جديدٍ من الأسلحة، أو ارتفاع درجة الحرارة بما أسفر عن اندلاع حرائقَ تسببت في التفجيرات، أو أنها عمليةٌ إرهابية، إذ ما زال الخبراء في طور التخمين، كما خلا بيان حزب الله من اتهاماتٍ لإسرائيل بالوقوف وراء الحادث وذلك لأنَّ اتهام إسرائيل يُكلفه ضرورة الرد.

لكن تضع الانفجارات المأساوية الناجمة عن اشتعال نحو 2750 طنٍ من نترات الأمونيوم-يستخدمها الحزب في صناعة القنابل والمتفجرات-والتي كانت مخزنة في الميناء منذ 2014م، حزب الله اللبناني في دائرة الاتهامات وتحمّلهُ مسؤولية التفجير؛ وذلك لامتلاكه تاريخًا كبيرًا في تخزين الأمونيوم حول العالم، فعلى سبيل المثال اعتقلت تايلاند عام 2012م عناصر تابعه للحزب لاستحواذهم على 290 لترًا من الأمونيوم، وفي 2015م ضبطت قبرص 420 صندوقًا من نترات الأمونيوم تعود لحزب الله، وخلال العام ذاته اعتقلت الكويت 3 أشخاص تابعين للحزب بتهمة تخزينهم أكثر من 40 ألف رطل من الأمونيوم، كما اعتقلت بريطانيا عناصر من الحزب لتخزينهم أطنان من الأمونيوم بلندن، وخلال 2020م كشفت ألمانيا التي صنَّفت الحزب جماعةً إرهابية أنَّ سبب حظر أنشطته لتخزينه كميات من الأمونيوم في مخزن جنوبي ألمانيا.

وفي مؤشراتٍ إضافية على علاقة الحزب بمادة الأمونيوم، تداول نشطاء فيديو قديم للأمين العام للحزب حسن نصرالله يعود للعام 2016م يُلوّح فيه بإمكانية تفجير حاويات الأمونيوم في ميناء حيفاء الإسرائيلي بقوله: «بعض الصواريخ من عندنا بالإضافة إلى حاويات الأمونيا في ميناء حيفا نتيجتهم تعادل قنبلة نووية»، وإنْ حمل حديث نصرالله تهديدًا بالقول لإسرائيل غير أنَّ الفعل هو وقوع التفجيرات في بيروت وليس في إسرائيل.

وفي هذا المقام لا يمكننا تجاهل اعتماد الحزب على مرفأ بيروت في إدارة الاقتصاد الأسود، كما أشارت العديد من التقارير أنَّ غالبية الأسلحة القادمة من إيران للحزب تمر عبر المرفأ، وكذلك أشارت مصادر أمريكية أنَّ الميناء يخضع لسيطرة غير رسمية للحزب الذي يحتفظ بمواد قابلة للانفجار في المرفأ، ومن المعروف أيضًا أنَّ ضاحية بيروت تقع تحت سيطرتة المباشرة.

هذه الانفجارات حتمًا ستلقي بظلالها السلبية على مستقبل لبنان وتفاقم أزماته الاقتصاديَّة والسياسيَّة التي تَعُد سياسات حزب الله وحمله السلاح في الداخل ومغامراته في الخارج مرتكزًا رئيسًا في اندلاعها وتفاقمها:

– اقتصاديًّا: ستزيد معاناة لبنان واقتصاده الهشّ جراء التكلفة الضخمة لإعادة إعمار عاصمته في وقتٍ يعاني فيه من أزمةٍ ماليَّة تسببت في اندلاع احتجاجات حاشدة، كما أنَّ لبنان سيفقد العوائد الماليَّة للميناء الذي يُعَد الرئة الاقتصادية الأهم، وكذلك ستلقي انبعاثات الانفجارات بظلالها على الأوضاع الصحيَّة لأشهر قادمة لاستمراريتها وتلوث الهواء في بيروت.

– سياسيًّا: ستزداد فرص التشرذم السياسي بين تحالفي 8 آذار المؤيد لحزب الله، و14 آذار الرافض لأنشطته، وخصوصًا أنَّ العلاقة بين التحالفين متأزمةٌ منذ صدور قانون قيصر، وبدأت ملامحها الأوليَّة بتصريح سعد الحريري «قتلوا لبنان بالأمس»، كما أنَّ الانفجارات ستزيدُ من فرص اشتعال الاحتجاجات من جديد ضد الحزب بما يؤدي إلى خلط الأوراق.

كشفت تداعيات التفجيرات، والتي قدرها محللون عسكريون بتداعيات حربٍ تدميرية، عن نتيجة لطالما نوهت إليها الدول الراغبة في إرساء الأمن بتحجيم النفوذ الإيراني والميليشياوي وهي أنه عندما تقبل الدول بوجود ميليشيات منفلتة تعمل خارج سلطتها حتمًا ستتحول إلى دولةٍ فاشلة بل إلى دولةٍ منكوبة كما أعلنت لبنان بيروت مدينةً منكوبة بعدما كانت عروس البحر المتوسط، وستتحمّل تلك الدول كافة التبعات الكارثية نظير وجود ميليشيات مسلحة تعمل خارج سلطتها، وهو ما يضع العراق أمام تحدي سرعة السيطرة على المواد القابلة للانفجار بمستودعات ميليشيات الحشد الشعبي الموالي لإيران في العراق بما يحفظُ أمنه واستقراره.

وختامًا، يضع هول التفجيرات الدول والمجتمع الدوليّ والأمم المتحدة بكافة أجهزتها أمام مسؤولياتهم باتخاذ خطواتٍ جادة تجاه المخططات التدميرية لإيران وحزب الله وما يصاحبها من دمارٍ مماثل ذاقته البشرية في مراحلَ ما قبل تدشين المنظمة الدوليَّة، والتعاون الجاد بل ودعم الدول في المنطقة وخارجها التي تقفُ في وجه المخططات الإيرانية، وإلا فإنَّ تكرار المشاهد المرعبة التي ستقفُ وراءها إيران وميليشياتها في العواصم العالميَّة سيكون من بين سِمات القرن الواحد والعشرين.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية