الخِيارات الصعبة في مواجهة إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=16957

بلغت حدّة التوترات في منطقة الشرق الأوسط أوجها، إذ يتوقع محلّلون اندلاع حربٍ شرسةٍ في المستقبل القريب، ولا سيما في ظل تزايد الحشد العسكري الأمريكي في منطقة الخليج العربي. ويتوقّع معظم المحللين أن تنطلق شرارة الحرب بتوجيه الولايات المتّحدة ضربةً عسكريةً ضيقة النطاق تستهدف الميليشيات الوكيلة التابعة لإيران في العراق أو قوّات الحرس الثوري الإيراني أو منشآتها.
وقد أثارت التطورات الأخيرة ردود فعلٍ غاضبة من جمعٍ من مسؤولي النظام الإيراني، إذ كتب رئیس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني “حشمت الله فلاحت پیشه” يوم الخميس الموافق 16 مايو على حسابه في تويتر: إنَّ “زيادة الوجود العسكري للولايات المتّحدة الأمريكية في المنطقة سيقودها إلى الانتحار، وسيستقبلُ القوّات الأمريكية وحلفاءها الإقليميين آلافٌ من المقاتلين غير الإيرانيين فَقَدَ كل واحدٍ منهم أحد أفراد عائلته بسلاحٍ أمريكي”.
ولا يفتأ المسؤولون الإيرانيون يوجّهون تصريحاتٍ ناريةٍ وتهديداتٍ خطيرةٍ ضد الولايات المتّحدة وإسرائيل ودول الخليج العربي ولا سيّما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة. إذ صرّح المرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي” مؤخرًا “تُوفّر دول الغرب الإمكانات النووية لتلك الدولة وأعلنت أنها ستبني هناك مفاعلًا نوويًا ومعاملًا لتصنيع الصواريخ، ولا مانعَ في ذلك لأن السعودية دولة تابعة وهي تابعة للغرب، ولن يزعجني حدوث ذلك لأنني أعلمُ أنها ستقع في قبضة المجاهدين قريبًا”. ومن الواضح أن “خامنئي” يقصد بكلمة “المجاهدين” الميليشيات الموالية لنظام الملالي في طهران.
إنّ ما يتردد اليوم على مسامعنا من تهديداتٍ إيرانيةٍ ما هي إلّا صدى تصريحاتِ الرئيس الإيراني حسن روحاني أثناء زيارته لسويسرا قبل عدّة أشهر التي لاقت استحسان المرشد الأعلى الإيراني وقادة الحرس الثوري، وأدلى عديدٌ من كبار مسؤولي النظام الإيراني بتصريحاتٍ مماثلة منذ ذلك الحين. وكما يُستشفّ من حديث خامنئي فإنَّ النظام الإيراني يواصل اتّباع سياسة الاختباء خلف ميليشياته الإرهابية الوكيلة المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة التي تنفّذ توجيهات الحرس الثوري الإيراني، ومن خلال تبنّي إيران لتلك السياسة فإنها تتفادى تحمّل المسؤولية المباشرة تجاه جرائم تلك الميليشيات وآخرها هجوم ميليشيا الحوثي بطائرةٍ مسيّرةٍ على منشآتٍ نفطيةٍ وسط المملكة العربية السعودية بقصد رفع أسعار النِّفط بعد عرقلة الإمدادات النفطية للأسواق العالمية.
وقد بعث ذلك الهجوم رسالةً واضحةً من نظام الملالي في إيران مفادُها أنه في حال منع إيران من تصدير نفطها فلن تُصدّر أي دولة إقليمية نفطها أيضًا. إنَّ رفض النظام الإيراني للاعتراف بمسؤوليته تجاه تلك الميليشيات إلى جانب تساهل المجتمع الدولي مع نشاطاتها وعجزه عن اتّخاذ خطواتٍ مناسبة وضرورية لوقف هجماتها عواملٌ شجّعت النظام الإيراني على مواصلة اتّباع تلك الإستراتيجية التي تُضّر كثيرًا بالسلم والأمن الدولييْن. وفي حال استمر المجتمع الدولي في غض الطرف عن تلك الانتهاكات فإنَّ ذلك سيجر الشرق الأوسط دون شكٍ إلى خياراتٍ خطيرةٍ قد تخلّف انتشار الدمار في جميع دول المنطقة ومنها إيران. وبينما تحترم دول المنطقة التزاماتها بموجب المعاهدات والمواثيق الدولية وتتّبع سياسة حسن الجوار فإن المجتمع الدولي يتبنّى سياسة تجاهل تصرفات إيران المزعزعة للاستقرار ورفض مواجهة نظامها.
والسؤال المطروح هنا: هل سيؤدي المجتمع الدولي واجبه الأخلاقي والأمني والعسكري قبل أن يفوت الأوان؟ نأمل أن تكون الإجابة “نعم”، إذ تتطلّب إستراتيجية النظام الإيراني المتمثلة في الاعتماد على الميليشيات ردّ فعلٍ واضح ومباشر من دول العالم يركّز على ميليشيات إيران الوكيلة التي تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من أجهزة النظام الإيراني، إذ تشكّلها طهران وتُموّلها وتُسلّحها وتُدرّبها بقصد مساعدتها في تنفيذ أجندتها التخريبية في المنطقة. وفي حال لم يقم المجتمع الدولي بواجبه في اتّخاذ ردّ فعل جماعي فبإمكان دول المنطقة أن تتبنّى سياساتٍ أكثر صرامة تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل بهدف إجبار قادة إيران على إعادة النظر في حساباتهم. ولا شك بأن تلك الخطوة ستكون الأولى والأقل خطورة مقارنةً بالخيارات الأخرى. كما ذكرت الصحافة الأمريكية والإسرائيلية احتمال قيام سويسرا وعُمان بدور الوساطة بين واشنطن وطهران بهدف خفض التوترات بينهما. وفي حال نجاح جهود الوساطة فمن المهم أن يقترن استئناف المفاوضات باتّخاذ النظام الإيراني خطواتٍ عملية على أرض الواقع للتعبير عن حسن نيّته، كما يجب أن تكون فترة المفاوضات قصيرة لإحباط أي محاولات إيرانية لإضاعة الوقت، إذ إنَّ إستراتيجية النظام الإيراني حاليًا واضحة فهي تقوم على المماطلة حتى انعقاد الانتخابات الأمريكية عام 2020 على أمل أن تكون رئاسة الولايات المتّحدة من نصيب إدارةٍ يمكن التفاوض معها. وحتّى ذلك الحين فإن النظام الإيراني يتبنّى أسلوب المناورة ويسعى إلى إبقاء باب المفاوضات مفتوحًا بقصد تخفيف العقوبات والضغوط عليه. وقد تُسفر أي جهودٍ تبذلها إدارة ترامب للتوصّل إلى اتفاقٍ أفضل مع النظام الإيراني إلى وقوع واشنطن في فخّ طهران بعد أن يتفادى نظام خامنئي تقديم أي تنازلاتٍ جوهرية.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية