المعالجة الفكرية لإنقاذ أطفال اليمن من الفكر المتطرّف

https://rasanah-iiis.org/?p=16418

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

شاركتُ مؤخرًا في ورشةِ عملٍ دوليّةٍ حول القيادة والأمن نظمتها جامعة الدفاع الوطني الباكستانية في إسلام آباد، واستمرت الورشة لـ9 أيامٍ تخللها إلقاء محاضراتٍ عن موضوعاتٍ شتّى تتعلق بالقيادة والأمن وعن موقف باكستان من القضايا الإقليمية والعالمية وعلاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع دول المنطقة، كما شمل برنامج الورشة اجتماعًا مع قادةٍ سياسيين وعسكريين، فيهم رئيس هيئة الأركان المشتركة ورئيس أركان الجيش الباكستاني وكذلك رئيس وزراء باكستان عمران خان. وشمل أيضًا زياراتٍ لمراكز قيادة القوات الجوية والبحرية الباكستانية، ولميناء جوادر المطل على خليج عمان الذي تطوّره الصين وتحوّله إلى مركز توزيع اقتصادي كجزء من مبادرة «حزام واحد – طريق واحد»، كما اطّلع المشاركون في الورشة على موقع مصفاة النِّفط التي من المقرر أن تنشئها المملكة العربية السعودية كجزء من استثمارات المملكة في هذا الميناء الواعد، وزاروا «ممر خيبر» الواقع على الحدود الباكستانية-الأفغانية، وكذلك زاروا مقر القيادة العسكرية هناك، وأيضًا وادي «سوات» المعروف على الصعيد العالمي لنشاطات الجماعات الإرهابية فيه، وقد شنّ الجيش الباكستاني خلال السنوات الأخيرة عملياتٍ عسكريةً في مقاطعة «سوات» لتطهيرها من الإرهاب.

كذلك زار المشاركون منشأة غير حكومية فريدة من نوعها تُسَمَّى «مركز سَبَأوْن لإعادة التأهيل» [1] في «مينجورا» في «سوات»، ويُديرها الجيش الباكستاني بالتعاون مع مؤسسة «هُم» -وهي منظمة غير حكومية- واليونيسيف. وفي أثناء مهاجمة الجيش الباكستاني لمسلحي طلبان في وادي «سوات» عام 2009 قبض الجيش على 230 صبيًّا ونقلهم إلى مركز سَبَأوْن. ويقول باحثون إنَّ عناصر طالبان استغلّوا الصبية أو غسلوا أدمغتهم بهدف تجنيدهم أو تحويلهم إلى انتحاريين، مما أسفر عن تأسيس برنامج سَبَأوْن عام 2009. ويعد المركز مثالًا ناجحًا على إعادة تأهيل المقاتلين السابقين والقضاء على نزعة التطرّف فيهم وإدماجهم في المجتمع، إذ يدرك القائمون عليه أن من يُقبِل على برنامج إعادة التأهيل هو ضحيّة صدمات نفسيّة وعاطفيّة قويّة، بخاصةٍ من لُقّنوا الإرهاب، إذ عاشوا أزمة هُوية لفترة طويلة وعانوا من تهميشٍ واضحٍ وشاركوا في أعمال عنف. ويعمل المركز على إعادة تأهيل هؤلاء ليعيشوا حياة طبيعية مستقرة، وتشمل جهود المركز تعليمهم مهارات التفكير الناقد، وتحديد مجموعة من القيم المشتركة لهم ليتبنوها وإدماجهم اجتماعيًّا في المجتمعات المحلية، كما يوفّر المركز شبكات دعم آمنة داخل الأسرة والمجتمع وكبار السن تُمكن من يخضعون لإعادة التأهيل من الاعتماد عليهم في إسداء المشورة والتوجيه المستمر، مما يعطيهم شعورًا بالانتماء والتماسك ويُغلق أي بابٍ للعودة إلى حياة الاضطراب والتطرف.

ونجح المركز منذ تأسيسه عام 2009 في إعادة تأهيل 229 طفلًا وإعادة إدماج 180 شابًّا في المجتمع دون أي حالة انتكاس حتى الآن، وحسب ما ورد في عرضٍ قدّمته إدارة المركز فإنه يجدر بالذكر أن التكلِفة السنوية لكلِّ طفلٍ في المركز لا تتجاوز 2400 دولار، إذ لا تتجاوز التكلِفة الشهرية لكل طفل 200 دولار.

وتُشبه فكرة مركز سَبَأوْن مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية الذي يُعَدّ تجربةً أخرى ناجحة في المعالجة الفكرية للمتطرفين في المملكة العربية السعودية. والفرق الأساسي بين المركزين هو تركيز سَبَأوْن على إعادة تأهيل من تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عامًا، كما أن معظم موظفيه من الإناث. أمّا مركز محمد بن نايف فيركز في الغالب على البالغين، ومعظم موظفيه من الذكور. وعندما زار المشاركون مركز سَبَأوْن استشهدوا بالمبادرة السعودية كتجربة إيجابية.

وبينما كنت أستمع إلى موظفي المركز وهم يتحدثون عنه فكّرت في الأطفال اليمنيين الذين جنّدتهم ميليشيا الحوثي قسرًا وغسلت أدمغتهم وأجبرتهم على القتال بدلًا من الذهاب إلى المدرسة والاستمتاع بطفولتهم والتخطيط للمستقبل بإيجابية. وربما لم يحِنِ الوقت حاليًّا لإنشاء برنامج للقضاء على نزعة التطرّف عند أطفال اليمن، ولكن علينا البدء بإعداد خطة لإنشائه، واستهداف الأطفال المتطرفين ومعالجتهم فكريًّا بعد تحرير مناطقهم من قبضة الحوثيين، وكذا الحال في المناطق المحررة، فيجب إعادة تأهيل أطفالها وتطهيرها من أي فكر قد يعزِّز التطرف والإرهاب مستقبَلًا قبل فوات الأوان. وعلى المنظمات الدولية (كالأمم المتحدة واليونيسيف ومنظمة أنقذوا الأطفال العالمية ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وهيئة الإغاثة الإنسانية الدولية) أن تبدأ التخطيط لهذا العمل الإنساني الذي سيقفُ في وجهِ أي خطط مستقبلية تُعِدُّها ميليشيا الحوثي لاستغلال الأطفال الضعفاء واستخدامهم في مشاريعها التدميرية.

المصدر: Arab News 


  الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد

[1]
سَبَأوْن: أول السَحَر.
د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية