النظام الإيراني والتضييق على فقهاء أهل السنَّة

https://rasanah-iiis.org/?p=27123

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

يعتقد المرشد الإيراني بشمولية ولايته، لتجمع الشيعة والسنَّة، فقهاء وعامّة، ومِن ثَمّ يظنّ أنَّ مِن صلاحياته أن يتحكم في فقهاء أهل السنَّة باعتبارهم داخلين تحت ولايته. ولذا فإنَّ الإعلام الإيراني عادةً ما يستعمل مصطلحات شمولية في وصف المرشد، مثل: «إمام المسلمين»، «القائد»، «ولي أمر المسلمين»، ونحو ذلك من مصطلحات تدلّ على الوصاية والاستبداد، دون اعتبار رضا الناس أو من تشملهم الولاية.

وقد انعكست تلك القناعات على تعامُل النظام مع الأقلَّيات الدينية والمذهبية بالبلاد، بالتدخّل الدائم في شؤونها، والوصاية على شعائرها وطقوسها، وهو ما قام به ممثل المرشد الإيراني في محافظة گلستان مؤخرًا، عندما عزَل الشيخ السنّي محمد حسين غرغيج، خطيب الجمعة في مدينة آزادشهر، وقرر تعيين المولوي مشعوف، الذي رفض تسلُّم عمله احتجاجًا على عزل غرغيج، فاعتقلته استخبارات الحرس الثوري، وصدر قرار العزل والتعيين دون مشاورة أحد من زعامات وعلماء أهل السنَّة، مما أثار احتجاجات كبيرة في المحافظات السنِّية.

هذا الحادث يسلّط الضوء على وضع علماء أهل السنّة في إيران، فليست هذه أول مرة يتدخل فيها النظام ضد جماعة من فقهاء أهل السنّة، بل قيَّد منذ فترةٍ تحركاتهم داخل إيران إلا بإذن السلطات، وقال غرغيج حينئذ معلقًا على هذا القرار: «إنّ إيران تدّعي الحرّية بداخلها، لكن لا يحقّ لعلماء السنّة المشهورين السفر إلى كل المحافظات».

لكن دلالات هذه الإستراتيجية تجاه علماء أهل السنّة مهمّة، لأنها أولًا تشير إلى دولة الخوف التي يعززها وينسجها النظام الإيراني، وتؤكد ثانيًا هشاشة النظام الإيراني، وخشيته من تأثير علماء السنّة في الجمهور الإيراني من الشيعة والسنّة على السواء، وبالتالي خوفه من أي تمردات مذهبية أو سياسية ضده في مناطق نفوذ أهل السنّة، لا سيّما أن مواقع تمركزهم إستراتيجية، فهُم في الغالب متمركزون في محافظات الأطراف، مثل كردستان وسيستان والأحواز، على الحدود مع بلدان ذات أغلبية سنّية.

أيضًا فإنّ النخبة الحاكمة تدرك تأثير الدين في عموم الشعب الإيراني، وبالتالي فلا تريد من علماء وفقهاء السنّة المشاركة في تشكيل العقل الجمعي الإيراني عمومًا أو التأثير فيه. والأهمّ من ذلك أن النظام لا يريد وحدة حقيقية بين الشيعة والسنّة، ويتبع سياسة «فرِّق تسُد» بين المذاهب، ولا يريد من حواضنه أن تفهم أو تسمع إلى الآخَر السنّي في الداخل، فضلًا عن أن تتوحّد مطالب الشعب الإيراني ضد النظام، ومِن ثَمّ فإنّ التخندق الطائفي مهمّ في سياسة النظام وإشعار كل طرف أنّه مُستهدَف مِن الآخَر.

والمفارقة أنّ النظام يرفع شعارات «التقريب» في الخارج، و«البطش» في الداخل، فهو في الخارج يحاول تصدير نموذج التقريب السنّي-الشيعي ويتبنّاه منذ سنوات لتبييض وجهه الطائفي، ويتخده في نفس الوقت غطاءً للنفوذ والتدخّل في شؤون الآخرين، وتغيير الخرائط الديموغرافية والمذهبية، لكنّه في الداخل لا يبالي بحرمان أهل السنّة من حقوقهم السياسية والدينية، والتضييق على علمائهم حتى في حقّ السفر بين المحافظات الإيرانية.

هناك أيضًا مشكلة دستورية في إيران، فوَفْقًا للمادة الثانية عشرة من الدستور، جرى تعزيز الطائفية والتخندق الهوياتي بإعلان المذهب الشيعي الاثنا عشري مذهبًا رسميًّا للبلاد دون غيره، ووَفْقًا للمادة 115 حُصِرَ منصب رئيس الجمهورية في مَن ينتمي إلى المذهب الشيعي الاثنا عشري، ثمّ حُرمَ عمليًّا أهل السنَّة وبقية المذاهب الشيعية أيضًا من كل المناصب العليا والأجهزة السيادية، لا منصب الرئاسة فقط.

لذا فإنّ علماء وفقهاء أهل السنّة يطالبون دومًا بتعديلات جوهرية على الدستور، ومنذ فترة أرسل الزعيم السنّي مولوي عبد الحميد رسالة إلى خامنئي يطالبه فيها برفع التمييز عن أهل السنّة، فردّ عليه خامنئي برسالة اعتبر فيها أن الإطار الذي يعمل المسؤولون وَفْقَهُ لرفع التمييز هو «التعاليم الدستورية»!

هنا مَلْمَح أخير ينبغي ملاحظته، وهو الترهيب الذي يمارسه النظام على علماء وفقهاء السنّة بواسطة محكمة رجال الدين «سيئة السمعة»، فالمحكمة تستدعي علماء أهل السنّة لترهيبهم وكبح تحركاتهم، وقد اعتقلت مِن قبلُ مفتي السنّة في كردستان، الشيخ حسن أميني، بسبب انتقاده للنظام واتهامه بوجود تمييز ضد علماء وعموم أهل السنّة في المناصب الحكومية.

وختامًا، فإنّ النظام لا يعنيه أمر التقارب والتعايش السنّي-الشيعي في الداخل الإيراني، بقدر ما تعنيه مصلحته وبقاء أيديولوجيته، وبالتالي فمن المرجَّح أن تستمرّ سياسة النظام «فرِّق تسُد»، وتهديد الأغلبية بالأقلية، والأقلية بالأغلبية، وإعلاء النفَس الأيديولوجي والطائفي، خشية أيّ توحُّد شعبيّ أو تعاون بين العلماء والفقهاء يتجاوز المذهبية ويقفز على الطائفية، يدرك النظام أنه قد يكون سببًا في اهتزاز أيديولوجيته الحاكمة، ومِن ثَمّ التأثير في شرعيته.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية