الوجه الآخر للقوة الناعمة الإيرانية

https://rasanah-iiis.org/?p=12557

بواسطةفراس إلياس

جميع الدول تسعى للحصول على سمعة ومكانة مؤثرة في السياسة الدولية، وفي سبيل ذلك فإنها تنفذ سياسة تهدف إلى تعزيز العلاقات بين الشعوب عبر وسائل دبلوماسية حديثة، وهو ما يُصطلَح على تسميته في الوقت الحاضر بــــــ«الدبلوماسية العامة»، ولهذا نجد أن الوظيفة الأساسية للسفراء والقناصل وغيرهم من أعضاء الطاقم الدبلوماسي قد تغيرت عندهم، وتغيرت أيضًا مفاهيم العمل الدبلوماسي التقليدي، بحيث إن نطاق عملهم لم يعُد يقتصر على التعاملات الرسمية مع الحكومات وأجهزتها، بل إنّ الشعوب هي الأخرى أصبحت تدور في فلك عملهم واهتمامهم.

• مقدمات النفوذ الإيراني الناعم
منذ تأسيس الجمهورية الإيرانية كثورة آيديولوجية، بدأت تُستخدم بفعالية أداوات القوة الناعمة، ولكي يتم تصدير مفهوم الثورة »الإسلامية« تحت تسميات مختلفة، يجب أولًا أن تصل إلى عقول الشعب المستهدف، ولذلك فإن الدبلوماسيين الإيرانيين هم أكثر انفتاحًا مع شعوب المنطقة، وتحديدًا في النشاطات المجتمعية والثقافية التي تعتبر عماد القوة الناعمة الإيرانية، إذ يستخدم الدبلوماسيون الإيرانيون كل الأدوات المتاحة لخلق صورة إيجابية عن إيران في العواصم التي تقع فيها السفارات الإيرانية، فهناك ممثلون ثقافيون ومسؤولون عن الدبلوماسية العامة، وهذا دليل على أن صانع القرار في إيران يخطط لهذه الدبلوماسية بشكل دقيق ومنظم.
فبعد ثورة 1979 تم تغيير اسم وزارة الإعلام والسياحة إلى وزارة الإرشاد القومي، وبعد ذلك بعامين أصبح يطلق عليها وزارة التوجيه الإسلامي، كما أن وزارة الثقافة هي الأخرى قد تم دمجها في وزارة التوجيه، وفي عام 1987 تحولت وزارة التوجيه إلى وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إذ تتكون الوزارة من الأقسام الآتية:
– قسم إدارة الصحافة والإعلام الأجنبي.
– مكتب العلاقات الصحفية.
– العلاقات العامة.
– مكتب البحوث الثقافية.
– مؤسسة الحج.
– المجلس الأعلى الإيراني للثورة الثقافية.
– منظمة التراث الثقافي الإيراني.
– منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية.
– شبكة المساجد الإيرانية.
وفي إيران نجد أن الاضطلاع بمهام الدبلوماسية العامة ليس فقط من قِبل الخارجية الإيرانية، وإنما تلعب وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي دورًا مهمًّا في هذا المجال أيضًا، وبعبارة أخرى فإن وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ليست مسؤولة عن الشؤون الثقافية فحسب، ولكن أيضًا عن نشر «الإسلام الشيعي»، وتقوم الوزارة بهذا الواجب سواء في الخارج أو في الداخل، من خلال المؤسسات التابعة لها. ومن أبرز هذه المؤسسات:
– المؤسسة الإيرانية للسينما والعلاقات السمعية والبصرية.
– منتدى الثقافة الشعبية.
– مركز الثقافة والفنون التطبيقية العلمية.
– مؤسسة إيران للكمبيوتر وألعاب الفيديو.
– المؤسسات الخيرية.
– مؤسسة الثقافة والتبليغ الإسلامي.
– المعهد العالي للثقافة والفنون.
– معهد الثقافة والفنون والاتصالات.
– وكالة الأنباء الإسلامية «إيرنا».
– مجلس أمناء المكتبات العامة.
– الدراسات الثقافية.
– مؤسسة الإمام الرضا الدولية للثقافة والفنون.
– صندوق ائتمان «هونار».
كل هذه المؤسسات تعمل في الداخل والخارج، ويتم التنسيق بين هذه المؤسسات من قبل مؤسسة الثقافة والتبليغ الإسلامي بالتعاون مع وزارة الخارجية الإيرانية والمؤسسات الأخرى، فالغرض من مؤسسة الثقافة والتبليغ الإسلامي، التي أنشئت في عام 1995، هو على النحو التالي:
1. تنشيط ونشر المبادئ والأفكار الإسلامية، من أجل إيصال رسالة الإسلام الحقيقية إلى شعوب العالم.
2. خلق الوعي بين شعوب العالم في سياق مبادئ وأهداف وموقف ودور الثورة الإيرانية على الساحة الدولية.
3. تنمية العلاقات الثقافية مع مختلف الدول والمجتمعات بشكل عام، وخصوصًا مع المسلمين تحت شعار «نصرة المستضعفين».
4. تقوية وتنظيم العلاقات الثقافية القائمة بين جمهورية إيران وبلدان العالم الأخرى والمنظمات الثقافية العالمية.
5. توثيق الصفات الثقافية والجغرافية والتاريخية المشتركة، وكذلك الثقافة والحضارة الإيرانية.
6. توفير الوحدة بين المسلمين، وتحضير الأسس لإنشاء جبهة موحدة بين مسلمي العالم، على أساس مبادئ الإسلام التي لا نزاع فيها.
7. تنظيم المناظرات الأكاديمية ضد المفاهيم المناهضة للثورة، في إطار تحذير المسلمين من مؤامرات الأعداء، وكذلك حماية حقوق المسلمين.
8. تحسين وزيادة الظروف الثقافية والسياسية والاقتصادية للمسلمين.
وكما نرى هنا فإن مؤسسة الثقافة والتبليغ الإسلامي هي المركز الرئيسي للدبلوماسية العامة الإيرانية، ويدعم هذا الرأي السطور الآتية والمنشورة في موقع مؤسسة الثقافة والتبليغ الإسلامي، وذلك على النحو الآتي:
«إيران، البلد الذي يمتلك 7000 سنة من الثقافة والحضارة، كانت تاريخيًّا داعية للتعايش السلمي من خلال الحوار، ما زالت مخلصة لماضيها المجيد، فقد جعل الإيرانيون ثورة 1979 على أساس ثقافتهم الدينية والوطنية، وبطبيعة ثقافتها شرعت هذه الثورة في تعاون متعدد الأطراف مع دول مختلفة، لبناء العالم الثقافي، والتعامل مع الثقافات الوطنية المتنوعة الأخرى، وكجزء من هذه الحركة المقدسة بدأت المؤسسات المختلفة في جمهورية إيران في تنظيم أنشطة متعددة الأوجه في بلدان أخرى، وقد أدت الزيادة والتوسع في هذه الأنشطة إلى جعل السياسات والعمليات الموحدة والمتناغمة ضرورية، وهكذا أنشأت السلطات الثقافية الإيرانية مؤسسة الثقافة والتبليغ الإسلامي في عام 1995/1374، من أجل توجيه الأنشطة الثقافية الإيرانية في البلدان الأجنبية».

• حلقات القوة الناعمة الإيرانية
يشير ذكر ثقافة وحضارة 7000 سنة، في ما تقدم أعلاه، إلى أن الدبلوماسية العامة لجمهورية إيران لم تقتصر على خطاب الثورة الإسلامية، وبعبارة أخرى إيجاد ربط سياسي بين الإسلام والثقافة الإيرانية، وفي هذا الصدد يمكننا النظر إلى أنشطة الدبلوماسية العامة في إيران، ذات البعد الثقافي، على أنها ثلاث حلقات متواصلة ومترابطة معًا.
الحلقة الأولى: هي «الحضارة الإيرانية»، في هذا المفهوم تبرز الحضارة الإيرانية قبل الإسلام واللغة الفارسية، ويجري نشر اللغة الفارسية والأدب الفارسي في الوقت الحاضر، وهذا الخطاب يغطي العالم كله، بسبب طبيعته العلمانية، إذ تقوم مؤسسات مثل المؤسسة الإيرانية للسينما والعلاقات السمعية والبصرية، ومركز الثقافة والفنون التطبيقية، ومعهد الثقافة والفنون والاتصال، المشار إليها أعلاه، بتنفيذ الدبلوماسية العامة من خلال هذا الخطاب.
الحلقة الثانية: هي «الاتحاد الإسلامي»، هنا تلعب إيران دور الدولة العاملة من أجل وحدة العالم الإسلامي، ويستخدم هذا الخطاب «لغزو»قلوب المسلمين السنة، وتقوم بهذه المهمة هيئة الإخطار الإسلامية، والجمعية العامة الإسلامية العالمية الدائمة.
الحلقة الثالثة: تشمل العالم الإسلامي الشيعي. العالمان السابقان يحضران الأرضية للعالم للثالث، وبعبارة أخرى فإنّ الغرض الحقيقي للدبلوماسية العامة الإيرانية هو إدماج إيران بالحواضن الشيعية في العالم، وفي سبيل هذا تلعب العديد من المؤسسات الإيرانية، كـمؤسسة أهل البيت العالمية للثقافة الإيرانية، وجمعية التوجيه الإسلامي، ومؤسسة الإمام الرضا الدولية للثقافة والفنون التابعة لوزارة الثقافة، دورًا فاعلًا في هذا المجال.
باختصار، تتكون القوة الناعمة الإيرانية من هذه الحلقات الثلاث، الهدف من الحلقة الأولى هو خلق صورة إيجابية عن إيران في العالم، والهدف من الحلقة الثانية هو إيصال الدعاية الإيرانية للموقع الرائد في العالم الإسلامي، أما الهدف من الدائرة الثالثة فهو نشر القيم «الشيعية»في كل أرجاء العالم.

• الدبلوماسية الرضوية
حقيقة، إنّ المؤتمر العالمي لأهل البيت يعمل في 90 دولة أجنبية، وتظهر مدى فعالية هذا المؤتمر في الدبلوماسية العامة الإيرانية من خلال الدور الذي تلعبه مؤسسة الإمام الرضا الدولية للثقافة والفنون سنويًّا في إيران والعالم، عن طريق تنظيم «مهرجان الإمام الرضا الدولي للثقافة والفنون»، فعلى سبيل المثال، في عام 2017، نظمت إيران مهرجانًا في 100 بلد، عرضت من خلاله الفنون الإيرانية المختلفة، بحيث أصبحت السلطات الثقافية الإيرانية تسمي هذه المهرحانات بـ«الدبلوماسية الرضوية»، والهدف الرئيسي هنا هو زيادة التأثير الثقافي الإيراني، من خلال شرح مآثر الإمام الرضا بأكبر قدر ممكن، ولتوضيح هذه الدبلوماسية أكثر، يشير عهد جواداني، رئيس دائرة الثقافة في مدينة مازندران، إلى ما يأتي:
«تهدف الدبلوماسية الرضوية إلى إرسال المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء العالم، وهو ما أكده الإمام الخميني، وأضاف أن مؤسسة الإمام الرضا قد عززت من هذا التوجه، ومن خلال التعريف بالأنشطة العلمية والعملية للإمام، يمكن ملاحظة الروحانية والإنسانية للشيعة، وقال أيضًا: في المهرجان الدولي للإمام الرضا، غير الإيرانيين يرون التزامًا في شخصية الإمام، وهو حقًّا أمر مثير للإعجاب، إذ قدمت هذا المهرجانات مفاهيم جديدة للتعاون والمشاركة، خصوصًا أن عالم اليوم مادّي ومتناقض، ومعظم الناس يبحثون عن السلام، في ظل ما سعى إليه الإمام الرضا، والذين يصمتون على الروحانية والمعرفة سوف يرون…».
وفي هذا السياق فإن مؤسسات الثقافة الإسلامية، وهيئات التبليغ في الخارج، تلعب دورًا كبيرًا في إطار الدبلوماسية العامة الإيرانية، فلنا على سبيل المثال في الدور الذي تلعبه القنصلية الإيرانية والملحقيات الثقافية الإيرانية في أغلب الدول الإفريقية، وتحديدًا في دول شمال إفريقيا، إلى جانب دول البلقان، أبرز مثال على ما تقدم.

• العالم الإسلامي السنّي
إنّ إيران لم تدّخر جهدًا في توظيف سياسة التقريب بين المذاهب، من أجل التأثير الفاعل في الجيوبولتيك الإسلامي المحيط بها، من خلال نشرها للكتب الفارسية التي تروّج للثقافة والتراث الديني الإيراني، إلى جانب نشرها للكتب الخاصة بعلماء الدين السنّة المتعاطفين معهم، ذات التحقيق الشيعي، ومن ضمنها كتاب «أبو الشهداء الحسين بن علي عليه السلام»، لمؤلفه عباس محمود العقاد، وغيرها من الكتب، من أجل خلق تصور بأن العالم الإسلامي السني هو أيضًا مؤمن بما تطرحه الثورة «الإيرانية» من مفاهيم وأفكار، ويساعدها في هذا الإطار أغلب التنظيمات الإسلامية السنية القريبة منها، والحديث هنا عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، هذا إلى جانب العديد من الخطابات المتناغمة التي صدرت بين الطرفين، منذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 وحتى اليوم.
فعلى الرغم من الخلافات الفكرية التي اعترت العلاقة بين إيران والتيارات الإسلامية السنية، فإنهما ظلا ينظر بعضهما إلى بعض على أن الآخر يمثل عمقًا استراتيجيًّا للآخر، إذ إنه وعلى الرغم من الدور السلبي الإيراني في أغلب ساحات الشرق الأوسط، إلا أن أغلب حركات الإسلام السياسي السني لم تصدر حتى اللحظة بيان إدانة واحدًا ضد إيران، فتسويق خامنئي لصعود حركات الإسلام السياسي في مصر وتونس على أنها جزء من صحوة إسلامية، وأنها ستشكل الأساس لإقامة شرق أوسط إسلامي بقيادة إيران، لم يأتِ من فراغ، وهو إن دل فإنما يدل على مدى التقارب في الأهداف.
ومن أجل الذهاب أبعد في سياسة التأثير الإيراني في الوسط الإجتماعي العربي، أنشأت إيران العديد من المراكز الثقافية والاجتماعية، هذا إلى جانب إقامة العديد من النشاطات الدينية والثقافية، وتأسيس العديد من منظمات المجتمع المدني، وفتح كثير من القنوات الفضائية والصحف والمجلات والإذاعات، التي تمول أغلبها من قبل السفارات والقنصليات الإيرانية في الخارج، والتي يهدف أغلبها إلى تسويق الصورة الإيرانية، وجذب عديد من الشباب، ومن أجل تحقيق هذه الغاية ذهبت أيران أيضًا باتجاه فتح عديد من البرامج الدراسية للدراسة داخل إيران، كما أنها أطلقت العديد من البرامج الخاصة بتسهيل فرص الحج والعمرة، عن طريق فتح كثير من المكاتب الخاصة بهذا الشأن في الدول العربية والإسلامية، فهي تزود أغلب العوائل البسيطة غير القادرة على الحج ببطاقات مجانية للحج، وإلى جانب هذا تقوم بتزويدهم بالعديد من الكتب والكراسات التي تسترشد بسيرة الخميني وخامنئي، من أجل خلق عناصر تأثير في النفسية العربية والإسلامية.
ومن هنا، يعمل سفراء إيران في الخارج، إلى جانب القنصليات الثقافية، والعلاقات السياسية مع التنظيمات والحركات الإسلامية، كمراكز قوة مهمة في الدبلوماسية العامة الإيرانية، لذلك فمن أجل فهم القوة الناعمة التي تخلقها إيران من خلال الدبلوماسية العامة في بلد ما، نحتاج إلى النظر في عدد التمثيل الثقافي الإيراني في ذلك البلد وأنشطته، وعندها ستتضح أمامنا مديات التأثير الإيراني الناعم وتـأثيراتها السياسية والأمنية والثقافية.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد

فراس إلياس
فراس إلياس
باحث في السياسات والاستراتيجيات الدولية