حصة إيران من كأس العالم بين الواقع والمأمول

https://rasanah-iiis.org/?p=29616

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

منذ أكثر من عشر سنوات وحين أُعلن عن فوز قطر باستضافة كأس العالم للعام 2022م، بدأت الدول المجاورة للدولة المستضيفة للمونديال بالتخطيط لتحصيل مكاسبَ اقتصادية من هذا الحدث الضخم الذي تشهدُه المنطقة للمرة الأولى في تاريخها، فيما شرَعَ المسؤولون الإيرانيون كعادتهم بالحديث عن أحلام ورؤى طموحة للغاية، لكن اتَّضح في نهاية المطاف أن كُل تلك الوعود قد تبخَّرت، حالها كحال الوعود التي تُطلق أثناء الحملات الانتخابية. تعاقَبَ خلالَ هذه المدة ثلاثة رؤساء على السلطة التنفيذية في إيران، هم: محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني وإبراهيم رئيسي، وأعرَبَ كلٌّ منهم في مناسبات مختلفة عن استعداد بلاده للمساهمة في إقامة المونديال.

كرَّر روحاني خلال مكالمتين هاتفيتين على الأقل مع أمير قطر استعدادَ إيران للمشاركة في تشييد البنية التحتية والمرافق المزمعة وتزويد قطر بما تحتاجهُ خلال كأس العالم. وأعربَ رئيسي عن استعداد إيران لتقديم كلّ أنواع المساعدة اللازمة لإقامة كأس العالم.

وإذا كانت تصريحات الرؤساء الثلاثة هُلامية ووعودهم مبهمة، فقد كانت تصريحات نوّاب الوزراء وكبار المديرين والمسؤولين تحوي تفاصيلَ مذهلة، منها الحديث عن مشاركة إيران في استضافة المونديال وإقامة بعض المباريات على الأراضي الإيرانية، استضافة المنتخبات المشاركة في كأس العالم في الجزر الإيرانية القريبة من قطر مثل جزيرة كيش؛ لإجراء معسكراتهم وإقامة مبارياتهم الودية فيها، إمكانية استقطاب خمسة بالمئة من مشجعي كأس العالم وتحصيل مكاسب اقتصادية بقيمة نصف مليار دولار تقريبًا، استضافة مشجعي بعض الدول بالتحديد مثل المكسيك والسنغال وغانا في كيش، استقبال المشجعين القادمين من دول آسيا الوسطى وروسيا شمالَ إيران ونقلهم بالحافلات إلى جنوبها، ومن ثم إلى قطر عبر السفن، استضافة مشجعين من دول إسلامية في إطار برامج السياحة الحلال، وإقامة رحلات سياحية منخفضة التكلفة لعشَّاق كرة القدم الإيرانيين إلى قطر، وإطلاق خطوط بحرية وتجهيز سفن لنقل المشجعين من وإلى إيران، وغيرها عشرات الوعود.

لكن قُبيل انطلاق البطولة ببضعة أسابيع، اتَّضح أن جميع تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح، ولم يتحقَّق أيٌ منها. فقد أعلن اتحاد أصحاب الفنادق أن عددَ تذاكر الطيران التي بيعت وعددَ الغرف التي حُجِزت من قِبل مشجعي كأس العالم الأجانب في إيران كان صفرًا. وقال عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الإيرانية-القطرية المشتركة محمد ميرزائي: «حصة إيران من سوق السياحة في المونديال صفر». كما أعلن عن إلغاء الرحلات البحرية المزمعة بين إيران وقطر. فيما أشار البرلماني بيجن نوباوة، إلى أن «جزيرة كيش غير مهيأة في الوقت الراهن لاستقبال الضيوف الأجانب خلال فترة المونديال»، بل ذهبت وكالة «فارس» المقرَّبة من الحرس الثوري أبعدَ من ذلك، وقالت بأن «هذه الجزيرة غير مهيأة لاستقبال المراسلين والمشجعين الإيرانيين الذين يريدون الذهاب إلى قطر خلال هذه الفترة». كما اتَّضح أنه لم يكن هناك زيادة في صادرات إيران من المواد الغذائية إلى قطر خلال الأسابيع الماضية.

وكما هي العادة، كانت الذرائع والحُجج جاهزةً لدى المسؤولين لتبرير فشلهم في استغلال هذا الحدث. فقد ألقت حكومة رئيسي اللومَ على الحكومات السابقة، حيث اتَّهم وزير الشباب والرياضة الحالي حكومةَ روحاني بالتقاعُس في أداء مهامّها، مؤكدًا أنه كان ينبغي البدء بالعمل قَبل سنوات لتحقيق الفائدة المرجوَّة. واتَّهمت أجهزةٌ حكومية مؤسسات أُخرى بالتقصير، فقد ألقى المدير التنفيذي لمنطقة كيش الحرة اللومَ على وزارة السياحة لتقصيرها في القيام بالتنسيق اللازم مع الجانب القطري. وذهب بعضهم أبعدَ من ذلك، فتذرَّعوا بالاحتجاجات الحالية واتَّهموا المُحتجين بتضييع الفرصة على البلاد لتحقيق مكاسبَ اقتصادية، وحمّلَ مساعد وزير التراث الثقافي المسؤوليةَ لبعض الدول التي أوصت رعاياها بعدم السفر إلى إيران عشيةَ المونديال. فيما اتَّهم آخرون الجانبَ القطري بعدم إبداء التعاون المطلوب.

 ليس من المبالغة القول إن المسؤولين الإيرانيين يتفوَّقون على مسؤولي باقي الدول في إطلاق الشعارات الرنّانة والوعود الزائفة، لكن شتان بين التصريحات وبين السجل المتخم بالإخفاقات.

لدى النظام الإيراني باعٌ طويل وقدرةٌ مدمرة على تأسيس الميليشيات وزعزعة الاستقرار في المنطقة والعالم، وليس لإقامة مشاريع التنمية والبناء والإعمار. حيث بات الفساد وسوء الإدارة والتخطيط وانعدام الكفاءة وسيطرة المحسوبيات والوساطات آفة تنخُر جسدَ هذا النظام، وتُثقلُ كاهلَ المواطنين الإيرانيين. يكفي لتأكيد ما ذهبنا إليه الإشارة إلى أنه بحسب أرقام هيئة التخطيط والموازنة في العام الماضي، كانت هناك 232 شركة خاسرة من بين 382 شركة حكومية في مختلف القطاعات.

لكن لماذا يُصرُّ المسؤولون الإيرانيون على إطلاق شعارات رنّانة ووعودٍ يُدرك المراقب للشأن الإيراني أنها لن تتحقَّق؟ في الحقيقة، تعيش شريحةٌ من المسؤولين الإيرانيين في عالمٍ متخيل، وتعاني من أوهام العظمة والقوة وتفتقر للقدرة على فهم حقائق الأمور في إيران والعالم. لو كان لدى هؤلاء تصورٌ صحيح عن الواقع، لنظروا إلى أعداد السياح الأجانب الذين يزورون إيران سنويًا وقارنوها بأعداد السياح الذين يزورون الدولَ المجاورة، ولأدركوا أنه لا يمكن -في ظل السياسات التي ينتهجها النظام والقيود والرقابة الصارمة والتدخل في تفاصيل حياة الناس وشؤونهم- استقطاب السياح، فضلًا عن مُشجعي كأس العالم.

في المقابل، يُدرك كثيرٌ من المسؤولين مستوى الأوضاع الكارثية في البلاد وضُعف قُدراتها وتآكُل بنيتها التحتية، ويَعونَ حجمها وإمكانياتها مقارنًة بغيرها من دول العالم. لا يتوقَّع هؤلاء حدوثَ معجزة تؤدي إلى تحقيق إيران مكاسب اقتصادية من المونديال، ويدركون تمامًا أن الأمر يتطلَّب فضلًا عن الكثير من التخطيط والعمل والجهد لتحقيق بعض المكاسب، تغييرًا جذريًا في نهج البلاد وسياستها. ومع ذلك، يصرُّون على إطلاق الشعارات ويواصلون سياسةَ بيع الأوهام وتقديمَ الوعود غير القابلة للتطبيق، والإيحاء بأن هناك إنجازات تتحقَّق من منطلق بثّ الأمل -وإن كان زائفًا- والثقة في نفوس من تبقَّى من أنصارهم، والرهان على خداع الشعب الإيراني، خشيةً من انتفاضة الشعب والإطاحة بالنظام.

اثنا عشر عامًا لم تكن كافيةً لينجح النظام الإيراني باستقطاب مشجعٍ واحد من مئات ألوف مشجعي كأس العالم، في حين نجحت أذربيجان التي تفصلها مسافةٌ كبيرة عن قطر في استقطاب جزءٍ من مشجعي المونديال للإقامة على أراضيها، بحسب أحد المسؤولين الإيرانيين. والآن وبعد أن تبخَّرت كلُّ تلك الوعود، باتت هناك شكوكٌ لدى المشجعين الإيرانيين الذين اشتروا تذاكر لمباريات كأس العالم إن كانوا سيتمكون من الوصول إلى قطر أم لا.

بقي أن نُشير إلى نُقطة مهمة هنا وهي أن مشاركة المنتخب الإيراني في مونديال هذا العام مختلفةٌ تمامًا عن مشاركاته السابقة، حيث كانت غالبية الإيرانيين في الداخل والخارج تُشجع المنتخب وتتابعه بكل حماسة، لكن شرائح غير قليلة من الإيرانيين طالبت هذه المرة باستبعاده من المونديال باعتبار أن مشاركته الحالية لا تخدم سوى النظام الذي يواصل قتلَ المتظاهرين وقمعَ المحتجين واعتقالهم. كما أن رفضَ ثلاثة من أشهر اللاعبين السابقين في المنتخب الإيراني دعوات الفيفا والاتحاد القطري لكرة القدم لحضور مباريات كأس العالم في قطر تضامنًا مع المحتجين خيرُ دليلٍ على ما ذهبنا إليه.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية