على إيران الكفّ عن عدائها.. قبل فوات الأوان

https://rasanah-iiis.org/?p=18437

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا مستمرًا من الجانب الإيراني على عدة مستويات تقود جميعها إلى تقلص الخيارات السلمية في التعاطي مع هذا السلوك الإيراني الخطير. ولم تتحمّل أيّ دولة في العالم هذا السلوك العدائيّ مثل المملكة العربية السعودية، فمنذ قيام الثورة الإيرانية والنظام الإيراني يهدفُ إلى تغيير النظام السياسيّ في السعودية ودولٍ أخرى في الخليج العربي بتصدير الثورة واستخدام الأقليات الدينية وَخلايا التجسس وَتمويل الميليشيات الإرهابية وغيرها لتحقيق أهدافه ومطامعه التوسعيَّة. مؤخرًا قال خامنئي في تصريحاتٍ نُشرت على الإنترنت: «لستُ قلقًا بشأن قيام السعودية بتطوير قدراتها النووية أو الصاروخية؛ لأنها ستقع بيد المجاهدين في نهاية المطاف»، مما يكشف عن نمط التفكير الذي يسيطر على عقلية وتوجهات رأس الهرم في النظام السياسيّ الإيراني.
كما لمْ تأخذ أيُّ دولة في العالم الإلماحات الإيرانية لتحسين العلاقة مع دول الجوار بعين الاعتبار سريعًا-بالرغم مِن الاعتداءات الإيرانية المستمرة-مثلما فعلت السعودية في أواخر التسعينيات، ممّا يدل على جدية السعوديين في الحد مِن التوتر مع إيران وفتح صفحة جديدة معها. ولكن على مر السنوات ماذا حدث خلال هذا الانفتاح العربي على إيران؟ وكيف قرأت إيران هذه الخطوة؟ هل استغلت القيادة الإيرانية هذه الخطوة الإيجابية في تحسين العلاقات وتعزيز استقرار المنطقة؟
على العكس تمامًا، إذ استغلت الدولة الثورية العميقة في إيران-ممثلةً في الحرس الثوري-انفتاح الدول العربية على إيران وعملت على زرع الخلايا التجسسية وتجنيد عددٍ مِن العملاء في عديد مِن الدول العربية والسعي لزعزعة أمنها واستقرارها كما يشهد الواقع في اليمن والسودان والمغرب وتونس والبحرين. فمنذ عام 2011، احتدّ عداء إيران تجاه جيرانها العرب، إذ بدأ خامنئي يحض العرب علانيةً-وخاصة عرب دول مجلس التعاون الخليجي-على التمرد على حكوماتهم في خطابٍ طويلٍ جدًا ألقاه باللغة العربية في إحدى الخطب يوم الجمعة، ووجهه إلى العرب في بلدانهم متجاهلًا عدم إتقان المصلين الإيرانيين للعربية. وحين وصلت موجة الاحتجاجات إلى حليف إيران في سوريا وصفها خامنئي بمؤامرةٍ حاكتها القوى العظمى وإسرائيل والمملكة العربية السعودية لاستهداف ما يسميه بـِ«محور المقاومة» الإيراني والأسد وحزب الله في تناقضٍ واضحٍ للغاية لدعواته إلى التمرد في دول الخليج العربية، ولا تخفى نتائج دعم النظام السوري عن الجميع.
واليوم نشهد في العراق ولبنان احتجاجاتٍ شعبيةٍ واسعةٍ مِن جميع الطوائف والمذاهب عنوانها الأبرز «محاربة الفساد والتخلص من النخبة السياسية الفاسدة» وأبرز شعاراتها التي يرفعها ملايين العراقيين واللبنانيين هي إلقاء اللوم على إيران بصفتها أحد أهم عوامل العجز عن تحقيق التنمية الاقتصادية نظرًا لمناصرتها لنخبٍ مخملية ثرية للغاية استولت على مقدرات الوطن بالفساد المالي والإداري الواسع والممنهج، ففي العراق هتافاتٌ ولافتاتٌ تطالب إيران بالرحيل ووقف تدخلها في الشأن العراقي، كما عبّر العراقيون عن غضبهم بتمزيق صور المرشد الإيراني علي خامنئي وقائد فيلق القدس قاسم سليماني والكتابة عليها وحرقها إضافةً إلى تغيير مسمى أحد الشوارع الرئيسة في النجف الذي كان يحمل اسم مؤسِّس الجمهورية الإسلامية في إيران «الخميني» إلى شارع «شهداء ثورة تشرين».
وخِتامًا، إنَّ على النخبة الحاكمة في طهران أنْ تراجع حساباتها وَتعيد النظر في تعاطيها مع دول الجوار وَالعالم قبل أنْ يفوت الأوان وقبل أنْ يرتفع ثمن أعمالها وتصل إلى مرحلة استنفاد خياراتها. وفي ضوء الأحداث الحالية لا نعتقد أنَّنا سوف نصل في المدى القريب أو المتوسط إلى مرحلةٍ تتحسن فيها العلاقات بين إيران والعالم العربي، ولكنْ وبكل واقعية فإنَّ أقصى ما نتمناه أنْ تكون هناك علاقةٌ باردةٌ بين الجانبين بعيدًا عن التوتر والصراعات المباشرة أو غير المباشرة.
المصدر: عرب نيوز


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية