أزمة مياه في إيران تؤدي إلى اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بأصفهان

https://rasanah-iiis.org/?p=26874

أسفر شحُّ المياه إلى خروج المزارعين الإيرانيين للشوارع في احتجاجات كبيرة خلال نوفمبر، شهدتها محافظة أصفهان.

وكانت المحافظة قد شهِدت احتجاجات سلمية على شحِّ المياه المستمر في فترات سابقة من العام الحالي، وخلال الاحتجاجات الأخيرة شنَّت قوات الأمن الإيرانية حملة قمع على المتظاهرين، أثناء تجمعهم حول مجرى نهر زاينده رود الجاف، الذي كان يمدُّ أراضي إيران الزراعية بمياه وفيرة.

وكانت الدعوات تتعاقب إلى الاحتجاجات، رغم تحذير السلطات الإيرانية من التجمعات، إذ تجمعت أعدادٌ تتراوح بين 300 و 400 مزارع في حوض النهر -على الرغم من التحذيرات- ويمثل المزارعون 450 ألف عضو في النقابات الزراعية المحلية، وانتهى الاحتجاج بسلام بعد تسليم المزارعين لقائمةٍ بمطالبهم إلى السلطات المحلية، غير أن التوترات عادت من جديد، بعد أن ظهر الدعم الشعبي للمزارعين. وبحسب ما ذكره قائد الوحدات الخاصة في قوات إنفاذ القانون حسن كرامي، تجمَّع ما بين 30 ألفًا و40 ألف شخص، في غضون أيام قليلة، في حوض النهر.

واتهمت السلطات المحلية عددًا من المتظاهرين بحمل المتفجرات ورمي الحجارة على شرطة مكافحة الشغب، التي اشتبكت مع المتظاهرين واعتقلت عشرات منهم، وبحسب الإحصاءات الرسمية فقد اُعتقِل 67 محتجًا، غير أن منظمات حقوق الإنسان في إيران ترى أن عدد المعتقلين يفوق ضعفي هذا العدد، على أقل تقدير.

وبحسب ما ذكره شهود عيان، فقد ازداد قمع قوات الأمن بعد أن حجبت إيران الإنترنت، وجاءت هذه الخطوة ردًا على الهتافات التي ردَّدها المتظاهرون؛ حيث عارضت النظامَ السياسي الإيراني وتوقَّعت سقوطه. وصرَّحت شرطة أصفهان أنها تمكَّنت من إعادة إرساء الهدوء في المدينة، إلا أنها -بحسب ما أفادت تقارير إخبارية- أطلقت الرصاص المطاطي على المتظاهرين، وأصابتهم في أعينهم، واستخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، إذ دخل متظاهرون يتراوح عددهم بين 16 إلى 30 شخصًا إلى المستشفيات المحلية، بعد إصابتهم بتمزُّق في القرنية، من بينهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم 18 عامًا، كما أفادت تقارير طبية أنَّ بعضهم أُصيب بالعمى بسبب الرصاص البلاستيكي.

وأعربت وزارة الخارجية الأمريكية والحكومات الغربية عن قلقها البالغ إزاء حملة القمع الشديدة، التي يواجهها المتظاهرون الإيرانيون، إذ منعَ ضباط أمن يتخفَّون بملابس مدنية عددًا كبيرًا من المتظاهرين من الاحتجاج على قاع النهر.

وفي 25 نوفمبر، تدخَّلت الشرطة مرةً أخرى وأحرقت الخيام التي استخدمها المتظاهرون ليلًا، بعد أن ردَّد بعضهم شعارات مناهضة للنظام، كما فرضت الشرطة حظر تجولٍ ليلي وقيودًا على حركة المرور، وبلغ الأمر إلى إلغاء صلاة الاستسقاء السنوية، التي تُقام في أصفهان في فصل الخريف خلال صلوات الجمعة.

ورفضت الحكومة الإيرانية تبنّي المسؤولية حول حملة القمع التي تشنُّها، وقالت إن الاحتجاجات كانت مدفوعةً بجماعات معارضة للنظام تعيش في الخارج، وأذاعت -من خلال تلفازها الرسمي- اعترافات لأشخاص بتلقيهم دعمًا خارجيًا، لكن بالنظر إلى سجل إيران الحافل، فمن من المرجح أن تكون هذه الاعترافات قد سُجِّلت بالإكراه.

وفي دلالة على أن الاحتجاجات الأخيرة تشكل تهديدًا كبيرًا لاستقرار النظام السياسي الإيراني، حشدت الموالين للحكومة ضد المزارعين، إذ ألقت صحيفة «جمهوري إسلامي» «الإصلاحية» باللوم على المزارعين، على أنهم مبالغين فيما قاموا به، فيما ذهبت صحيفة «كيهان» المتشددة إلى حدِّ وصف المتظاهرين بـ «مثيري الشغب المرتزقة»، وأنهم «دُفِعوا بوساطة أعداء في الخارج؛ لإثارة الاضطرابات في البلاد».

وتفاقمت أزمة المياه في إيران في السنوات الأخيرة، ولا يقتصر السبب فيها على الجفاف الشديد، بل يتجاوزه إلى سوء إدارة المياه، إذ أعادت الحكومة الإيرانية تحويلَ المياه إلى مناطق أخرى معرَّضة للجفاف في البلاد، كما تُقِر وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية بأن سوء إدارة المياه على مدى العقدين الماضيين هو السبب الرئيس في تفاقم الأزمة. وعلى مرِّ السنين تفاقمت مشكلة المياه في أصفهان؛ بسبب الأرباح الطائلة التي تعود للدولة من إنتاج البلاط والأسمنت والصلب، وهذه الصناعات امتصَّت الكثيرَ من مياه المقاطعات على حساب المزارعين.

ويحذر الخبراء من أنه بسبب العوامل المذكورة أعلاه، فلن يكون إحياء نهر زاينده رود ممكنًا قبل خمس سنوات أخرى على الأقل، إذ كان تدفُّق مياه النهر في الأشهر الخمسة عشر الماضية منخفضًا جدًا، ولم يوفر المياه للزراعة سوى لمدة 20 يومًا، فيما لم تقدم الحكومة الإيرانية حتى الآن أيَّ دلالة على الكيفية التي ستحلُ بها شكاوى المزارعين أو قائمة مطالبهم التسعة، التي على طهران تلبيتها في غضون ثلاثة أشهر لمنع قيام مزيد من الاحتجاجات. وستحتاج طهران أيضًا -إذا ما أرادت إخماد الاحتجاجات- إلى إعادة توجيه تدفُّق المياه إلى أصفهان بسرعة، ووقف إمداد المشاريع الصناعية، التي تهدف إلى جني أرباح أكبر بمقدارٍ كبير من المياه.

غير أنَّ الحكومة الإيرانية قالت إنها غير قادرة على تلبية مطالب المزارعين، ولن توقف الصناعات كثيفة الاستهلاك للمياه، كما قالت: إنَّ لديها ميزانيةً محدودةً لمعالجة الملوثات الصناعية التي تضرُّ بالمياه في أصفهان. وتضم محافظة أصفهان عديدًا من المدن الصناعية؛ ما حوَّل مدينة أصفهان إلى أكثر المناطق الحضرية تلوثًا في إيران في العامين الماضيين. وعلى الرغم من الواقع القاسي للمياه في المحافظة، تقول الحكومة الإيرانية: إنه على سكان أصفهان التكيف مع أزمة نقص المياه الجديدة، فيما تحاول السلطات المحلية إدخال تقنياتٍ جديدة؛ لتقديم مزيد من الحلول المتعلقة بإيجاد مياه صالحة للشرب على الأقل لسكان المحافظة.

وعلى الرغم من ذلك، فمن غير المرجح أن تمنع هذه المبادراتُ الاحتجاجاتِ في المستقبل؛ ما سيهزُّ النظام السياسي الإيراني بشكل أكبر، ويزيد من احتمال نشر قوات مكافحة الشغب مرةً أخرى؛ لقمع الاحتجاجات ومنع انتشارها إلى محافظات أخرى.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير