الأهمِّية الكامنة وراء التطوُّرات الأخيرة في العلاقات الإيرانية – الأفغانية

https://rasanah-iiis.org/?p=22952

عقدَ رئيسُ المجلس الأعلى للمُصالحة الوطنية الأفغانية عبدالله عبدالله، اجتماعاتٍ مع الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف ومسؤولين كبار آخرين، خلال زيارته الأخيرة إلى طهران. وأشارَ عبدالله إلى أنَّ التعاون مع دولِ الجوار مِثل إيران مهمٌّ للاستقرار الإقليمي. وجدَّد التأكيدَ على أنَّ التطوُّرات الأخيرة ووفقًا للوثيقة الشاملة للتعاون الموقَّعة بين إيران وأفغانستان ستُفيد البلدين. وجاءت زيارةُ عبدالله في مرحلةٍ بالغةِ الأهمِّية، وعلى خلفيةِ مفاوضات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية، وتُعتبرُ مهمَّةً بالنَّظر إلى نفوذِ إيران ومصالحها في أفغانستان.

وكان عبدالله قد خاضَ الانتخابات الرئاسية الماضية، وأعلن نفسهُ رئيسًا رغمَ خسارته في الانتخابات. وتوصَّل الرئيس أشرف غني وعبدالله لاحقًا إلى اتفاقٍ لتقاسُم السُلطة، بعد شهورٍ من عدمِ الاستقرار السياسي؛ ووفقًا للاتفاقية، سيبقى غني رئيسًا بينما يقودُ عبدالله محادثاتِ السلام مع حركة طالبان، وسيُعيِّن كُلٌّ منهما حصَّةً متساوية من الوزراء مِن بين الموالين للحكومة الأفغانية. ويأتي اتفاقُ تقاسُم السُلطة، في أعقابِ اتفاق الولايات المتحدة وطالبان الموقَّع في فبراير من هذا العام في الدوحة؛ وعلى الرغم من هذا الاتفاق الهشّ، تُشير عدَّةُ تقارير إلى أنَّ «طالبان» زادت من هجماتها على القوّات الأفغانية في الأشهُر الأخيرة، وأنَّ العنفُ امتدّ إلى ما يقرُب من 24 مقاطعةً في أفغانستان؛ ما أثار تساؤلاتٌ حولَ التزامِ طالبان باتفاقيةِ السلام.

وكان لإيران علاقةٌ معقَّدة مع أفغانستان في الماضي، وركَّزت طهران بشكلٍ أكبر على الحفاظ على مصالحها لدى الدولة التي مزَّقها الصراع، وقد اتّبعت طهران الحذر الإستراتيجي في أفغانستان، حيث إنَّ لدى «طالبان» وإيران بعضَ وجهاتِ النظر المُتقاربة فيما يتعلَّق بالولايات المتحدة، على الرغم من أنَّهما يشتركان في تاريخٍ طويل من الخلافات الأيديولوجية والسياسية، وتتعاونُ إيران مع الحكومةِ الأفغانية المدعومةِ من الولايات المتحدة و«طالبان» في وقتٍ واحد. وفي مقابلةٍ له في العام الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إنّه من المستحيل أن يكون لديك مستقبلٌ في أفغانستان دون أن يكون لـ «طالبان» دور، لكنّه صرَّح بأنَّه لا ينبغي أن يكون لـ «طالبان» دورٌ مهيمن؛ ولعلَّ تعامُل طهران مع «طالبان» يؤكِّد بشكلٍ أساسي دعمَ إيران للجماعات القادِرة على معارضة المصالح الأمريكية، إذ تُشير العديدُ من التقارير إلى أنَّ إيران قد دعمَت سرًّا مقاتلي حركة طالبان بالتدريب والأسلحة.

يعكسُ المشهد السياسي في أفغانستان استقطابًا عرقيًا عميقًا؛ حيث يمثِّل البشتون أكبر مجموعةٍ عرقية في أفغانستان، يليهم الطاجيك والأوزبك والهزارة؛ ولطالما كانت هناك صراعٌ بين البشتون والطاجيك. إذ كانوا يتنافسون للحصول على قوّةٍ ونفوذٍ أكبرَ في السياسة الأفغانية، وكانوا خصومًا لدودين خلال الحروب الأهلية التي اندلعت في البلاد في التسعينات، ولطالما عارضَ الزُعماءُ السياسيون الطاجيك الرئيسَ غني وانتقدوه، لإبدائه المُحاباة للبشتون. وفي السياق السياسي الحالي لأفغانستان، أصبحَ الاستقطابُ العرقي في البلاد أكثرَ وضوحًا مع اعتماد عبدالله بشكلٍ أساسي على دعمِ الأفغان من الطاجيك، بينما يعتمدُ غني على البشتون بشكلٍ أساسي من المقاطعات الجنوبية. كما أنَّ ترقية عبد الرشيد دوستم، الذي قضى بعضَ الوقت في المنفى والمتّهم بارتكاب جرائمَ حرب وانتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، إلى رُتبة مُشير في الجيش الأفغاني، تُعَدُّ مؤشِّرًا على الانقسام العرقي في السياسة الأفغانية. ويستمدُّ دوستم الدعمَ إلى حدٍّ كبير من الأوزبك بالمقاطعات الشمالية من البلاد؛ وبذل المبعوث الإيراني الخاص لأفغانستان محمد طاهريان جهودًا للقاء سياسيين أفغان بارزين من مختلف الفصائل، حيث تقومُ إستراتيجيةُ إيران على التفاعُل مع كابول، بينما تُعزِّز من نفوذها بين الفصائل السياسية الأفغانية، ونفوذُ إيران لا يُستهان به، على الرغم من تصريحات عبدالله الأخيرة بعد أن زارَ إيران وباكستان وأوزبكستان، عندما قال: «لدينا ماضٍ مختلف في علاقاتنا مع هذه الدول، وأكَّدوا أنَّهم لن يتصرَّفوا مثل الماضي، ولن يكون لهم الأفضليةُ في أفغانستان، وسيقبلون السلام الذي يحظى بموافقةِ الأفغان».

وعزَّزت الحكومة الإيرانية نفوذَها بين طائفة الهزارة الشيعية في أفغانستان، وتشتركُ هذه الأقلِّية في علاقاتٍ ثقافيةٍ ودينيةٍ طويلة مع إيران، وتقعُ بعض أكبر مشاريع إعادة الإعمار والاستثمار في البُنية التحتية في إيران بمناطق الهزارة المُكتظَّة بالسُكّان في البلاد؛ وإذا لزمَ الأمر، قد تنقلُ إيران ميليشيا لواء فاطميون -وهي ميليشيا أفغانية تتألَّفُ من مقاتلين شيعية يقاتلون بالوكالة عن إيران في سوريا- إلى أفغانستان لمحاربة الجماعاتِ المناهضةِ للهزارة في أفغانستان.

كما تمسَّكت إيران بنفوذِها القوي بين الطاجيك الناطقين باللغة الفارسية في أفغانستان، ولقد دفعَ الاستقطابُ العرقي في البلاد كُلَّ فصيلٍ للبحثِ عن دعمٍ خارجيٍ قوي، ووسَّع عبدالله نفوذَه العرقي من خلال دعم أُمراء الحرب البارزين في الهزارة، مثل محمد محقق ومحمد كريم خليلي؛ وتلقَّى عبدالله دعمًا من الأحزاب السياسية الرئيسية، مثل الجمعية الإسلامية التي يُهيمنُ عليها الطاجيك، ويُسيطرُ الهزارة على «حزب الوحدة»، بالإضافة إلى «حزب الحركة الوطنية الإسلامية الأفغاني» بقيادة عبد الرشيد دوستم.

وتُراقب طهران التطوُّرات الجارية وسطَ مخاوفٍ بشأن التزامِ حركةِ طالبان باتفاقيةِ السلام الموقَّعة مع الولاياتِ المتحدة، وتصاعُد هجمات المتمرِّدين في أفغانستان. وشدَّد عبدالله في مقابلةٍ أُجريت معه مؤخَّرًا على أنَّه إذا فشلت «طالبان» في التحلِّي بالمرونةِ في المفاوضات مع الحكومة الأفغانية، ستنشُب حربٌ لسنواتٍ عديدة في البلاد، وسوف تتفاقمُ التوتُّرات العرقية والعنف؛ وتحرصُ إيران على ضمان الأمن على طول الحدود الإيرانية – الأفغانية المشتركة، وإبعادِ التهديداتِ الإرهابية المُحتمَلة.

وتُشير التطوُّرات الأخيرة إلى أنَّ إيران تحرصُ على أن تبُقِي سريانَ الحسابات الإستراتيجية الإقليمية لصالحها، وتحرصُ أيضًا على تثبيطِ الانتفاضات والصِراعات المناهضة للشيعة، فضلًا عن تقليصِ الوجودِ الأمريكي في أفغانستان، وقد يدفعُ تدهوُر الوضع الأمني في أفغانستان الطاجيكَ والهزارة إلى السعي للحصول على المزيدِ من الدعم الخارجي؛ وبالتالي ترسيخ نفوذ إيران في البلاد، والسماح لها بالحفاظ على مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية طويلةِ المدى في أفغانستان.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير