الانتخابات الإيرانية وتعزيز التيار «المتشدد»

https://rasanah-iiis.org/?p=24937

 لم يجذب السباق الرئاسي المُزمع عقده في 18 يونيو الحالي كثيرًا من الاهتمام العام في إيران، ومن الواضح أن طهران ليست قلقةً بشأن ما يعتقدُه الجمهور بعد ظهور قائمةٍ من سبعة مرشحين نهائيين الأسبوع الماضي. أجرت طهران تصفيةً دقيقة لمرشحي الرئاسة، فاستبعد مجلس صيانة الدستور معظم المرشحين للرئاسة لتمهيد الطريق لمرشحٍ «متشدِّد» للفوز في الانتخابات. أما المرشحون الذين وافق عليهم هم في الأساس «متشدِّدون» موالون للمرشد الأعلى علي خامنئي.  وعلى الرغم من حملةٍ واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو إلى مقاطعة الانتخابات تحت وسم «لن أصوّت»، قال مجلس صيانة الدستور: إن الانتخابات ستكون ذات شرعية ولو كانت نسبة المشاركة منخفضة، وتُشير استطلاعات الرأي الإيرانية إلى أنّ 26 مليون ناخب سيُدلون بأصواتهم في الانتخابات.

يستعدُ إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية، للفوز في السباق الرئاسي؛ إذ تَنحَّى بعض المرشحين الرئاسيين البارزين في الأيام الأخيرة لتمهيد الطريق أمامه، ومنهم وزير الدفاع الإيراني السابق حسين دهقان. ويصرُّ دهقان على أنَّ رئيسي هو أنسبُ رجلٍ للرئاسة لأنه المرشحُ الوحيد الذي يُمكنه توحيد البلاد وزيادة قوة إيران ومكانتها على الساحة الدولية، ويعتقد عددٌ من المحللين الإيرانيين أنه إذا حصل رئيسي على أكثر من 16 مليون صوت أو ما يقرُب من 16 مليون صوت (العدد الذي حصل عليه عندما ترشح للرئاسة في عام 2017م)، فسيبدو انتخابُه أكثر شرعية. أمّا المرشحون الرئاسيون الآخرون ذوو القُدرة على إضعاف قاعدة تصويت رئيسي، مثل رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، فقد استُبعِدوا من خوض السباق الرئاسي. ويقول خصومُ رئيسي إنه متطرف للغاية حتى بالمعايير «المتشددة»؛ والواضح أنه يفتقر إلى الخبرة في السياسة الخارجية، ولا يمتلك خلفيةً في إدارة الاقتصاد، وعلى الجانب الآخر يُعارض أنصار رئيسي الاتفاق النووي الإيراني ويُصرّون على أن إيران يجب ألَّا تثِق بالولايات المتحدة ولا تعملَ معها.

ومن بين المرشحين الآخرين في السباق الرئاسي، المفاوضُ النووي الإيراني السابق سعيد جليلي، الذي وعد بتقديم خارطة طريق لإحياء إيران، كما انتقد الطريقة التي أُديرت بها المحادثات النووية في عهد الرئيس حسن روحاني. لكن منتقديه يعتقدون أنه متطرفٌ للغاية؛ ويُعتبر جليلي شخصًا واثقًا بنفسه، رغم اتهامه سابقًا بتضليل الشعب الإيراني. ومن المتنافسين الأوائل المتبقّين في السباق الرئاسي حفنةٌ من التكنوقراط من الدرجة الثانية، يُعتبرون أقلّ شهرةً بكثير لدى العامّة، ويُعتبر محسن مهر علي زاده المرشَّح «الإصلاحي» الوحيد في السباق الرئاسي الذي يتمتعُ بخلفيةٍ في الإدارة الرياضية، ومن المفارقات أنه لم يحصل على موافقة «الإصلاحيين» الإيرانيين لتمثيل التيار بالانتخابات لكونه غير معروفٍ نسبيًّا، ومن غير المرجح أن يُثير علي زاده اهتمامًا عامًّا كبيرًا، لكن يبقى أن نرى هل بإمكانه توحيدُ «الإصلاحيين» في إيران خلال حملته الرئاسية أم لا.

أما المرشح الرئاسي ومحافظ البنك المركزي الإيراني عبدالناصر همتي، فيُنتقدُ في إيران لفشلِه في الالتفاف على العقوبات الأمريكية، ويُتّهم بطباعة مبالغ طائلة من النقود الورقية لتغطية التصدُّعات في الاقتصاد الإيراني. أما أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، فهو مرشَّحٌ رئاسي حاول تصوير نفسه على أنه رجلُ دولةٍ متمرِّس لكسب احترام الشعب الإيراني، وقد شارك في ثلاثة سباقاتٍ رئاسية سابقة دون نجاح.

ومن غير المرجح أن يجذب أيٌّ من أمير حسين غازي زاده هاشمي وعلي رضا زاكاني -وكلاهما طبيب- كثيرًا من الاهتمام العام خلال السباق الرئاسي. قضى هاشمي معظم حياته المهنية خارج السياسة، فيما تَرأّس زاكاني لجنةً برلمانية للتحقيق في الاتفاق النووي، كما استُبعد زاكاني مرتين عندما حاول خوضَ السباق الرئاسي في الماضي. ويعكسُ هؤلاء المرشحون للرئاسة رغبةَ المرشد الأعلى في ضمان حكومة «متشددة» في طهران. قد تحاولُ الحكومة الجديدة إحياءَ الاتفاق النووي، لكن لا شكّ في أنها ستهدف إلى رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران ومقاومة الضغط الدولي من خلال السعي لبناء حكومةٍ مركزيةٍ أقوى وأكثر توحُّدًا، تدعمُها وسائلُ الإعلام «المتشدِّدة» المملوكة للدولة والمؤسسة العسكرية الهائلة في البلاد.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير