الديموقراطيون مستعدون لتكرار أخطاء الماضي مع إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=23455

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

في تصريحاتٍ لقناة «سي إن إن» الأمريكية الأسبوع الماضي، انتقدَ مُستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي المُنتَخَب جو بايدن جيك سوليفان، تعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع المِلف الإيراني، وقال إنَّ «إيران أصبحت أقربَ مِن الحصول على ترسانةٍ نوويَّةٍ ولم تتوقَّف عن تصرفاتها المُضِرّة بالمصالح الأمريكية في المنطقة». وذكر سوليفان أنَّ بايدن سبقَ وَأنْ تعهّد بالعودة إلى الاتفاق النووي في حال عودة إيران مِن جانبها إلى كامل التزاماتها بموجب الصفقة، مُشيرًا إلى أنّهُ يجبُ تهيئةِ أرضيَّةٍ لازمة لاستئناف التفاوض بين واشنطن وطهران. وتابع سوليفان: «وبصدد الصواريخ الباليستية، فموقفُنا يقضي بضرورة أن يُطرحَ برنامج إيران الباليستي على الطاولة كجزءٍ مِن المفاوضات المستقبليَّة». ويضيفُ أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية سوف تعودُ إلى الاتفاق النووي إذا امتَثَلت إيران له، وسيتمُ في المفاوضات اللاحقة لذلك وضعُ مِلف برنامج إيران للصواريخ الباليستية وسلوك إيران الإقليميّ على طاولة المفاوضات، وكذلك سوف تنخرطُ الدول الإقليميَّة في المفاوضات القادمة.

انطلاقًا مِن هذا التصريح، يبدو أنَّ الإدارة الأمريكية القادمة، حتّى قبل توليها المنصب رسميًّا، تكرر نفس الأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. وهي أخطاءٌ تزيد من حِدّة التوتر وتمنحُ إيران مساحةً لرفع حالة السلوك العدائي للميليشيات وَالحرس الثوري في الإقليم.

مِن جانبٍ آخر، هذا التوهُّم من الإدارة الأمريكية الجديدة يقوم على حُسن الظنّ غير الواقعي، فإذا ما عادت الولاياتُ المتحدة الأمريكية للاتفاق النووي وتمَّ رفعُ كافة العقوبات الأمريكية الأُحادية عن طهران فما الذي يدفعُها للتفاوض حول برنامج الصواريخ وسلوكها الإقليمي العدائي؟

الواقع أنَّ إيران مُقتنعةٌ بالحد الأدنى مِن الالتزام بالاتفاق النووي لتنفيذ إستراتيجيّتها الإقليميَّة واستمرار تطويرها لبرنامجها النووي، ولن تنخرطَ في أيّ مفاوضاتً أخرى اختياريًّا.

ولقد جاء الرد الإيراني سريعًا على هذه التصريحات، حيث قالت الخارجيَّة الإيرانية ردًّا على مستشار بايدن: «فيما يتعلقُ بالقوة الدفاعيَّة الإيرانية لم يُجرَ مِن قبل تفاوضٌ ولن يُجرى أبدًا. تتمُ متابعة القوة الدفاعيَّة الإيرانيَّة على أساس احتياجات إيران وبصورةٍ مُستقلة. لقد ورد موضوع الصواريخ مرةً واحدةً في خطّة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وكذلك في قرار 2231 وانتهى أمره»، كما أعلنت طهران بذاتِ الوقت رفعَ نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20% في انتهاكٍ جديدٍ للاتفاق النووي.

ندركُ جيّدًا أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة تريدُ تحقيق إنجازٍ دبلوماسيٍ سريعٍ وسهل في هذا الاتجاه، لكن أيّ خطواتٍ مُتعجِّلة ستكون بمثابة الضوء الأخضر لطهران بمزيدٍ من العربدة في الإقليم والمزيد مِن الدعم للميليشيات وتدريبها وتمويلها، ولعلّ تجربة 2015م خيرُ دليلٍ على ذلك، فلقد توجّهت كافة الأموال التي تمَّ الإفراج عنها بعد الاتفاق النووي نحو الميليشيات في الخارج. ففِي استطلاعٍ أُجري عام 2017م، قال ما يقرب من 51% من المشاركين في الاستطلاع إنَّ الظروف الاقتصادية لبلدهم «تزداد سوءًا»، في حين أنَّ 43% كان لهم مِثل هذا الرأي في الاستطلاع السابق. وهذا يشيرُ إلى ارتفاعٍ بنسبة 8% في هذا الموضوع. إضافةً إلى ذلك أكَّد 75% تقريبًا مِن المشاركين (يعني أكثر من 7 أشخاص من بين كل 10 أشخاص) على أنَّ الاتفاق النووي «لم يحسّن من ظروف الناس المعيشيَّة».

لذا، إنَّ الحل يكمن في ربط المِلفات الثلاثة ببعضها البعض وكذلك ربطُ أيّ رفعٍ للعقوبات بعد العودة للاتفاق النووي بمدى تقدُّم المفاوضات في المِلفيْن الآخرين وَفق إطارٍ زمنيٍ قصير.

تحتاجُ دول المنطقة العربيَّة والخليجيَّة تحديدًا إلى تنشيط دبلوماسيتها بشكلٍ مُكثَّف خلال الفترة القادمة وبخاصّة مع دول مجموعة «5+1»، وأنْ ينخرطَ سفراؤها في كافّة العواصم ذات الثقل السياسيّ والدبلوماسي المُهم في حواراتٍ ولقاءاتٍ لإيضاح خطورة اِتّخاذ قرار العودة للاتفاق النووي دونَ معالجة المِلفيْن الآخرين المرتبطيْن به، والتأكيد على أنَّ التجارب السابقة أظهرت بأنَّ رفع العقوبات عن النظام الإيراني في هذه المرحلة دون أيّ إنجازٍ يُذكر هو بمثابة حالةِ إنعاشٍ للنظام الإيراني وإعادة الحياة إليه ليستمرَّ في نشاطه العدائي في المنطقة وبمباركةٍ أُمَميَّة.  

المصدر: Arab News

الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية