المحادثات النووية والعقوبات.. توقعات بالاستمرار في عهد رئيسي

https://rasanah-iiis.org/?p=25224

 عندما يؤدي إبراهيم رئيسي القَسَم في الثالث من أغسطس المقبل؛ سيكون الرئيس الثالث عشر لإيران، وحينها سيدخل تخصيب إيران لليورانيوم غير الخاضع للرقابة بمستوى يزيد عن 60% شهرهُ السابع. ومنذ 23 فبراير الماضي، لم تتمكَّن الوكالة الدولية للطاقة الذريِّة- بحسب ما نقلته عنها وكالة «أسوشيتد برس»- «من الحصول على البيانات من مراقبي التخصيب على الإنترنت في إيران والأختام الإلكترونية، أو أنَّها تمكَّنت من الوصول إلى سجلّات القياس عن طريق أجهزة قياسها المُثبَّتة». وقد استبعد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرِّية رافائيل غروسي حدوث أيّ تغيير في الوضع الراهن، حتّى يتولَّى الرئيس المُنتخَب حديثًا السُلطة، إذ أُجِّلت مفاوضات فيينا (بين إيران ومجموعة 5+ألمانيا) إلى موعد غير محدَّد، بعد ستّ جولات من المحادثات دون أيّ انفراجاتٍ مُعلَنة رسميًا، كما لم تُضمَّن الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية كطرفٍ في هذه المفاوضات.

وبعد الجولة الأخيرة من المحادثات، كان مساعد وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين عباس عراقتشي متحفِّظًا في تفاؤله بشأن المفاوضات، إذ قال: «نحن الآن أقرب من أيّ وقتٍ مضى إلى اتفاق، لكن الهُوَّة بيننا وبين الاتفاق لا تزال قائمة، وسدُّها ليس بالمهمَّة السهلة، ويحتاج إلى قرارات، والتي يجب اتّخاذها في الغالب من قِبل الأطراف الأُخرى». وفي هذه الأثناء، تواصل الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية محادثاتها مع إيران؛ لتمديد اتفاقية المراقبة المؤقَّتة الموقَّعة مُسبَقًا.

وحتّى الآن، لم تقدِّم إيران ردودًا مُفصَّلة على استفسارات الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية، فيما يتعلَّق بأنشطتها النووية المشبوهة، إذ وردَ عن تقريرِ الوكالة: «بعد أشهر عديدة، لم تقدِّم إيران التفسير اللازم لوجود جزيئات المواد النووية في أيٍّ من المواقع الثلاثة، التي أجرت الوكالة فيها عمليات تفتيش تكميلية».

وقد أكَّدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنَّ إيران لم ترُدّ على دعوتها لتمديد اتفاقية المراقبة الأوّلية، التي انتهت في 24 يونيو الجاري، فيما نقلت وكالة «تسنيم» للأنباء عن مندوب إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية كاظم غريب أبادي قوله: إنَّ «إيران غير مُلزَمة بالامتثال» لطلب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرِّية.

وبعد العملية التي نفَّذها «الموساد» الإسرائيلي في استهداف مستودعٍ بطهران كان يُستخدَمُ لتخزين ملفَّاتٍ خاصَّة ببرنامج إيران النووي في عام 2018م، ثمَّة تساؤلاتٌ كبيرة حول البرنامج العلمي الإيراني المُسمَّى «مشروع آماد».

 وعدا عن فضح خطَّة إيران واستعدادها لإجراء «اختبار بارد» للمكوِّنات الرئيسة للقنبلة النووية؛ فقد سلَّط الأرشيف الضوء أيضًا على تفويض بـ «تطوير جهاز متفجِّر نووي». فعندما أُبرِم الاتفاق النووي الإيراني، كان لدى إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما معلوماتٌ استخباراتية حول برنامج إيران النووي، لكنَّها لم تتمكَّن من الوصول إلى كمّ المعلومات التي حصلت إدارة جو بايدن عليها الآن. كما تبنَّت طهران نهجًا مُعلَنًا وتدريجيًا في انتهاك التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي، وليس بغرض تعزيز قوَّتها في التفاوُض فحسب، بل أيضًا لتعزيز كفاءتها النووية باستمرار.  

ولم تقتصر انتهاكات إيران للاتفاق النووي على جانب إنتاج اليورانيوم، بل شملت تركيب عشراتٍ من أجهزة الطرد المركزي المتطوِّرة، وهذا يعني أنَّها قادرةٌ على تخصيب اليورانيوم بوتيرةٍ أسرع بعشر مرات من الجيل الأوَّل المسموح به من أجهزة الطرد المركزي «آي آر-1». وليست القفزة التي حققَّتها إيران في تخصيب اليورانيوم نوعيةً فحسب بل كمِّيةً أيضًا؛ لأنَّ إيران كانت تستخدم -بموجب الاتفاق النووي- 5060 جهازًا للطرد المركزي من الجيل الأوَّل من طراز «آي آر-1». وبحسب ما ذكرَ رئيسُ منظَّمة الطاقة الذرِّية الإيرانية علي أكبر صالحي، فإنَّ إيران تعمل على تطوير أجهزة طردٍ مركزي أسرعَ 50 مرَّةً من الجيل الأوَّل من أجهزة الطرد المركزي من طراز «آي آر-1».

وفي فبراير الماضي عندما بدأت طهران تخصيب اليورانيوم بنسبةٍ تتجاوز 60% كانت مخزوناتها من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 20% تزنُ حوالي 3000 كيلوغرام، بينما كان الحدّ المسموح به يبلغ 202.8 كيلوغرام، وكان الحدّ الأقصى لتخصيب اليورانيوم المنصوص عليه في الاتفاق 3.67%. ولا تزال كمِّية اليورانيوم عالي التخصيب الذي خزَّنتهُ إيران اعتبارًا من يونيو الجاري عند نسبة تخصيبٍ تزيد عن 60% مجهولة، إلى جانب المواقع النووية غير المُكتشَفة التي قد تشغِّلُها إيران.

ويبدو من غير المُرجَّح أن تغيِّر الإدارة الأمريكية والقُوى العالمية الأُخرى نهجها تجاه إحياء الاتفاق النووي، بعد تولِّي رئيسي السُلطة في إيران، ويجمعون عمومًا على أنَّ المحادثات النووية وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وأنشطة إيران ورعايتها للوُكلاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط من اختصاص مكتب المرشد الأعلى. ويزداد استياءُ دول المنطقة من الإحياء المحتمَل للاتفاق النووي بنفس وضعه الحالي، إذ مارست الدولُ العربية ضغوطًا على القُوى العالمية في هذا الصدد، بينما لجأت إسرائيل إلى عملياتٍ تخريبية لعرقلة خُطى إيران السريعة نحو امتلاك القوَّة النووية، من خلال استهداف علمائها ومواقعها النووية. ويبدو أن آخر عملية إسرائلية استهدفت إيران في سلسلة هجماتها كان هجومًا فاشلًا أو مُحبطًا على مبنى تابع لمنظمة الطاقة الذرية في طهران. وفي حال واصلت واشنطن الضغط من أجل إحياء الاتفاق النووي دون إلقاء نظرةٍ أشمل وأقرب للوضع في إيران، فمن المُرجَّح أن تتزايد الهجمات التخريبية الإسرائيلية متعدِّدة الجوانب. ففي 19 يونيو الجاري، أغلقت إيران محطَّة بوشهر للطاقة النووية بشكلٍ مؤقَّت إثرَ «عطلٍ تقني»، إذ توقَّف المفاعل المُمتثِل لمعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية، والذي تبلغ طاقته 1000 ميغاواط، في ظلّ ظروفٍ غامضة، ولم يتمّ تحديد موعدٍ لاستكمال إصلاح المفاعل وإعادة تشغيله.

 وبينما يُتوقَّع استئناف المحادثات النووية في أغسطس المقبل، يُتوقَّعُ أيضًا أن تكون بوتيرةٍ فاترة، رغم أنَّ عباس عراقتشي قد يواصل دورهُ ككبير المفاوضين الإيرانيين. وبالتزامن مع ذلك، أكَّدت وزارة الخارجية الإيرانية تشكيلَ لجنة تتمثَّل مهمَّتها في مراجعة نصّ الاتفاق النووي المُحتمَل لينظُر فيه المرشد الأعلى.

 طيَّات هذا المشهد تعكس رغبة إيران القوية في العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها، لكن رئيسي لن يقدِّم تنازُلات في سبيل ذلك؛ ما يعني استمرارَ المأزق بما يتعارضُ مع إرادة إدارة بايدن. والأمر الذي ازدادَ وضوحًا الآن، هو عدمُ مرونة طهران فيما يتعلَّق بصواريخها الباليستية وبرنامجها الفضائي.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير