رفع الحظر على شراء إيران للأسلحة .. ومعدّلات الصراع في المنطقة

https://rasanah-iiis.org/?p=20683

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

بحلــول منتصف أكتوبر 2020 تزداد احتمالات دخول المنطقة الشرق أوسطيّة -المضطربة أصلًا- في إتون مرحلةٍ جديدة أكثر ضبابيّة برفع الحظر الأمميّ المفروض على إيران لشراء الأسلحة، وذلك بموجب نصوص الاتفاق النووي الموقّع بين القوى الدوليّة وإيران عام 2015، والتي صدر بمقتضاها قرارُ مجلس الأمن الدولي رقم 2231 للعام 2015 الذي ينصّ على رفع الحظر المفروض على إيران في مجال الأسلحة التقليديّة بموجب القرار رقم 1747.

بيد أنّ لجوء دولةٍ مّا إلى شراء أسلحة متطورة متى شاءت لتحديث أنظمتها الدفاعية لتتواكب والتطورات العالميّة أمرٌ مشروع دوليًّا لدرء مخاطر تُهدد بقاءها، أو لردع القوى الراغبة في احتلالها، أو لحماية أمنها وسيادتها، أما لجوؤها إلى شراء أسلحة هجوميّة متطورة بغية إحداث تحوّل في القوة بما يجعلها دولةً مهيمنةً وقوةً رائدةً في الإقليم الكائنة فيه تُمكنها في النهاية من تنفيذ مخططاتها وتحقيق طموحاتها بالقوة على حساب أمن وسلم المنطقة، فَحتمًا كما تُشير التجارب التاريخية سيُفاقم معدلات الصراع المفضي للحرب، والأخطر إذا كان يتحكّم في هذه الدولة نظامٌ غير مسؤول ولا يعبأُ بالقواعد القانونيّة الدوليّة.

تُعَد إيران، واحدةً ضمن الدول ذات الأنظمة غير المسؤولة بحكم قيادتها من نظامٍ دينيٍّ عقائديٍّ يكترث فقط بتنفيذ أفكاره الدينيّة وتصوراته المستقبليّة لمكانة إيران الإقليميّة والدوليّة، ومغامراته الخارجية في الدول العربية بتقديمه قوت الشعب الإيراني للميلشيات المسلحة لخدمة أغراضه التوسعيّة المذهبية، وتهديداته الدائمة لممرات الملاحة الدوليّة لنقل السلع الإستراتيجية، واعتداءته المستمرة على ناقلات النِّفط الدوليّة في الخليج العربي، وتحريك ميليشياته بصواريخ باليستية إيرانية الصنع ضد أمن وسلامة العواصم الخليجية والعربية الرافضة للمخططات الإيرانية، ونقل وتهريب الأسلحة لميليشياتها المسلحة في مناطق الصراع في سوريا والعراق واليمن ولبنان ضاربةً بعرض الحائط القرارات الدوليّة وثيقة الصلة التي تحظر على إيران مدّ الحوثيين بالأسلحة، فضلًا عن مسؤوليتها في إسقاط طائرة ركاب مدنيّة في يناير 2020.

يبدو أنَّ قادة إيران ينتظرون بفارغ الصبر رفع الحظر لتحديث الترسانة البريّة والجويّة الإيرانية رغم أوضاعها الاقتصاديّة الخانقة بفعل العقوبات؛ وذلك لأنّ سلاح البر والجو الإيراني متهالكين، وإنْ طورت في السنوات الأخيرة نماذج محليّة الصنع من الدبابات السوفيتية والصواريخ الباليستية من الصواريخ الباليستية الروسية والصينية والكورية الشمالية، إذ أعلن خامنئي في فبراير 2020 عزم إيران تحديث قوتها العسكريّة، وكذلك وصف المتحدّث باسم لجنة الأمن القومي الإيراني والسياسة الخارجية في البرلمان حسين نقوي في أبريل 2020 المطالب الأمريكية بتجديد الحظر على شراء إيران للأسلحة بأنه بمثابة انتهاكٍ للقرارات الدوليّة ويصعب تحقيقه بالنظر إلى صعوبة حصول الولايات المتحدة على إجماعٍ دوليٍّ في مجلس الأمن لتجديد الحظر.

وبغضّ النظر عن إمكانية اعتماد إيران على مليارات الدولارات التي تخضع لسيطرة المرشد في تحديث الترسانة العسكرية الإيرانية بعد أكتوبر 2020 رغم عدم توظيفها لتحسين الأحوال الاقتصاديّة والمعيشيّة للمواطنين الإيرانيين في ظل الحصار والعزلة الدوليّة، فهذا شأنٌ داخليٌّ إيراني يُجابَه بتوالي الاحتجاجات الشعبيّة والفئويّة في إيران، تكمُن خطورة شراء إيران لأسلحة متطورة-بموجب رفع الحظر-لا يمكنها صناعتها محليًّا مثل المقاتلات والطائرات الهجوميّة والعموديّة والمنظومات الدفاعية والصاروخية مثل منظومة S-400 والنظم المدفعية والسفن الحربيّة والمركبات والدبابات القتالية المدرعة والأسلحة النوعية المتطورة والأسلحة النوعية وقطع الغيار العسكرية، بالنظر إلى القضايا التالية:

1-تفاوت القوة بما يُفاقم معدلات الصراع المفضي للحرب: حسب نظرية القوة في العلاقات الدوليّة، فإنَّ احتمالات  اندلاع الصراع المفضي للحرب تزداد عندما يتفاوت معدل القوة بين وحدتين دوليّتيْن أو أكثر وتقِل عندما تتقارب القوة بين هاتين الدولتين أو أكثر، ومن ثَمَّ فإنَّ حصول إيران على أسلحة متطورة من شأنه أن يُحدث تحولًا في ميزان القوى الإقليمي لصالح إيران بعد أن كانت القوى الإقليميّة متقاربة القوة، وهو ما يُعلي من احتمالات حدوث صراعاتٍ بل وحروب إقليميّة في منطقة حيويّة للعالم باحتوائها على السلع الإستراتيجية للاقتصاد الغربي، إذ تُدرك إيران حينها بتفوقها على بقية القوى الإقليمية ومن ثَمَّ رفع مستوى تهديداتها لأمن الملاحة الدولية، وتكثيف عدوانها على ناقلات النِّفط في الخليج العربي بما يضر باقتصاديات الدول المصدرة والمستوردة للنِّفط، وتحريك ميليشياتها لإعاقة مرور السفن وناقلات النِّفط عند باب المندب، وهو ما يدفع الدول المتضررة بالردّ وحينها ستدخل المنطقة المضطربة براثن حروب لا تُحمد عقباها.

2-تعزيز قوة الفاعلين من غير الدول على حساب الدول: بحصول إيران على حقّ شراء الأسلحة، فإنَّ ذلك من شأنه تغيير قواعد اللعبة في دول الصراع لصالح وكالائها الفاعلين غير المسؤولين، وذلك من خلال تهريب أو بيع الأسلحة المتطورة التي حصلت عليها بموجب رفع الحظر بشكلٍ أكبر بكثير مما نشهده الآن مثل الطائرات المسيرة لميليشياتها المسلحة في المنطقة في سوريا والعراق ولبنان واليمن بما يُمكنها من تعزيز ضرب أهدافٍ نفطيّة في البر أو البحر، أو خارج المنطقة في بعض الدول الإفريقية أو الآسيوية ذات النفوذ الإيراني مثل باكستان وأفغانستان على ضوء سعيها لفتح قنوات تواصلٍ مع حركة طالبان، وهو ما يُعزز  قوة ومكانة الميليشيات المسلحة في المعادلات الداخلية لتلك الدول على حساب الدول الوطنيّة بما يخدم الأهداف الإيرانية من ناحية، ويزيد من معدل الصراع داخل تلك الدول بما يُمزقها ويجعلها ملاذًا آمنًا وتربة خصبة مستمرة لولادة الأشكال الجديدة من التنظيمات الإرهابية، ويؤمّن وجودًا إيرانيًّا إقليميًّا مهيمنًا وترسيخًا للحضور العسكري الإيراني ويجعل من مطالب إخراج ميليشياتها من سوريا بلا جدوى.

كما تُشير التجارب أنّ الأنظمة العقائدية مثل النظام الإيراني هي الأسوأ على الإطلاق بين الأنظمة من حيث سرعة اتخاذ القرارات واستخدام أشد الأسلحة فتكًا، فمثلًا لو أصدر المرشد الإيراني قرارًا مجنونًا باستخدام أيّ نوعٍ من أنواع الأسلحة المتطورة فإنّه من الصعب تردد القادة العسكريين ولو لحظةٍ في تنفيذ الأوامر لعدها أوامرَ دينية مقدّسة صادرةٌ من القائد الأعلى نائب الإمام الغائب، وبالتالي فلا يجوز التردد في تنفيذ الأوامر أو الاعتراض عليها أو حتى مناقشتها؛ لأنها صادرةٌ من قائد مقدس ذو سلطة إلهيه، ليس هذا فحسب، بل تنفيذ الأوامر تُعَد بمثابة مهمةً ربانيّة مقدّسة ومشاركة دينية لتمهيد الأرض لقائد الزمان، ومن هنا تنبع الخطورة من امتلاك إيران لأسلحة متطورة.

هذه السرعة في تنفيذ الأوامر لم يُعمل بها حتى في أسوأ أنواع النُّظم الديكتاتورية العسكرية إذ لن يستجيب القادة العسكريون لاستخدام الأسلحة المتطورة بسهولة بل يترددون كثيرًا لاستخدامها؛ خوفًا على حياتهم من ردٍ هجوميٍّ مضادّ من الدولة الخصم ما يتسبب في قتل أو ضرر الجميع، فعلى سبيل المثال شكّل الخوف من الرد النووي المضاد أحد أهم المفسرات الهامّة التي منعت اندلاع مواجهاتٍ نووية بين قطبي النظام الدولي الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق أثناء الحرب الباردة؛ لمسؤولية الطرفين الأمريكي والسوفيتي تُجاه الحفاظ على حياة المواطنين في القطبين على بقاء الحياة، وهو ما لم يعني النُّظم الدينية كالنظام الإيراني؛ وهو ما يفسر توافر متغير الإدراك لدى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوضع إستراتيجية الضغوط القصوى لمنع إيران من تحقيق المكاسب المؤجلة لإيران بموجب نصوص الاتفاق النووي، حيث قادت الإدارة الأمريكية حملةً دبلوماسيًةً دوليًة لتوضيح المكاسب التي ستجنيها إيران عند رفع الحظر المفروض عليها لاستيراد وبيع الأسلحة، من حيث حقّ بيع الأسلحة للوكلاء، مما قد يُفاقم من معدلات سباق التسلح في المنطقة من ناحية، ويزيد من حالات الصراع القائمة بالمنطقة من ناحية ثانية.

ولذلك، فإنَّ تجديد قرار الحظر على بيع وشراء الأسلحة لإيران من شأنه الحفاظ على تقارب القوة بين القوى الإقليميّة ومنع وصول الأسلحة لوكلاء إيران ويمنع سباق تسلح محموم في منطقة حيويّة للعالم، ويساعد في الوصول إلى إرغام النظام الإيراني على تعديل سلوكه بما يحدّ من مغامراته الخارجيّة ويرضخ للضغوط الدوليّة لتعديل الاتفاق النووي والحدّ من برنامج الصواريخ الباليستية إذا ما استمرت العقوبات المكثفة على نحوٍ يدفع إلى استمرارية الاحتجاجات الداخلية الرافضة لسياسات النظام في الداخل والخارج التي جلبت لهم أوضاعًا اقتصاديّة ومعيشيّة كارثية، ولربما يقول قائل إنَّ بكين وموسكو سيحُولان ضدّ قرار تجديد الحظر، هذا وارد، ولكنْ يضيفان لسجلهما دليلًا جديدًا لدعمهما الدول المارقة من ناحية، وتوسيع دائرة الدول المستاءة من سياساتهم الداعمة لإيران من ناحية ثانية، والدولتان من يُقرران أولوية إيران أو أولوية الحفاظ على مصالحهم في منطقة الشرق الأوسط إذا ما اندلعت الحروب.

المصدر:Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية