مع نهاية العام.. تتجمع غيوم عاصفة فوق إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=26929

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

لم يكن عام 2021م مليئًا بالأحداث الودودة بالنسبة إلى إيران، فعلى الرغم من قدوم إدارة أمريكية جديدة حسب ما تمنّاه الإيرانيون، وقدوم رئيس إيراني حسب ما أراده النظام الإيراني أيضًا، وكان من المتوقع أن يتغير الواقع الإيراني إلى الأفضل، خصوصًا على مستوى العلاقات الدولية والوضع الاقتصادي.. فإنّ منحنى التحديات استمرّ في الصعود والتعقيد، ولم تسمح تعقيدات البيئة الدولية بأن يصبح هذان الحدثان ميزة بالنسبة إلى إيران، فتداعيات الأحداث أربكت الإدارة الجديدة في إيران وجعلت طموحاتها مجرد وعود انتخابية ليس لها فاعلية في ظل الواقع المعيش.

وقد أدرك النظام الإيراني تآكل أفكار الثورة وتعارض أدبياتها مع طموح أجيال ما بعد الثورة، ولذلك ظهر اهتمام النظام الإيراني بتجديد خطاب الثورة من خلال الحديث عن إدماج الأجيال الشابة في الأفكار الثورية لمحاولة إيجاد بنية فكرية لاستمرار الخط الثوري. وقد أتت العملية الانتخابية بهدف إعادة ضبط إيقاع المجتمع وإحياء أفكار الثورة من خلال ما يمكن تسميته هندسة الانتخابات باتجاه خط محافظ يتوافق مع أفكار المرشد الأعلى ويؤسس لجيل شاب يحمل أعباء استمرار المفاهيم الثورية، وكذلك التهيئة لمرحلة ما بعد خامنئي كما يراها البعض. ومع تولي رئيسي رئاسة الجمهورية فقد تمكّن النظام من تسكين العناصر المرغوبة على رأس السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ سبق هذه الخطوة تولي محمد باقر قاليباف رئاسة البرلمان الإيراني الذي يحوي أيضًا أغلبية متشددة.

على صعيد أداء الحكومة، وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهُر على تولي رئيسي منصب الرئاسة، بدأت تظهر ملامح تململ من أداء الحكومة الإيرانية، برزت هذه الملامح في الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، وارتفاع مستويات البطالة والفقر، ونتيجة لذلك ظهرت الانتقادات للحكومة في عدم تمكّنها من تحقيق وعودها الانتخابية المتمثلة في تحسين مستوى الاقتصاد، وتحسين العلاقات مع دول الجوار، وخلق علاقات دولية تحسّن الواقع الإيراني وترفع العقوبات، وكذلك الفشل في التصدي لجائحة كورونا، مما يراه البعض استمرارًا لنهج الحكومة السابق، الأمر الذي حدا بظهور أصوات في البرلمان تنتقد مسؤولية حكومة إبراهيم رئيسي بسبب تراجع البورصة والخسائر الكبيرة التي حلت بأسهم المواطنين، وعدم سعي الحكومة لتحقيق وعودها الانتخابية، بالإضافة إلى عدم معالجة ظاهرة الفقر والبطالة، مما يرفع المخاوف من تزايد حدة الاحتجاجات نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية وانقطاع الخدمات.

         وفي الجانب الأمني، ونتيجة لصعوبة الأوضاع في أفغانستان، ازدادت حدة الهجرة والنزوح من أفغانستان، وما صاحب ذلك من تهريب للمخدرات، مما زاد معاناة الاقتصاد الإيراني، والضغط على القوات الأمنية، كما توترت العلاقات الإيرانية-الأذرية، الأمر الذي اضطر إيران إلى رفع وتيرة استعدادها تحسبًا للمخاطر المحتملة، ومن أبرزها الحضور الإسرائيلي في أذربيجان. وقد تعرضت إيران لهجمات سيبرانية استهدفت محطات الوقود، مما رفع الانتقادات حول ضعف القدرات التقنية للتصدي لتهديدات الهجمات السيبرانية، بالإضافة إلى استمرار أزمة المياه، وانقطاعات الكهرباء، الأمر الذي قاد إلى تجدد الاحتجاجات في أصفهان، مما ينذر بعدم ارتياح شعبي في عديد من المناطق.

         وفي الجانب الاقتصادي، ورغم تبنّي السلطات الإيرانية إستراتيجية تطوير اقتصاد مرن وقادر على تحمُّل الأزمات والتعافي منها، وإصلاح مؤسسات الأعمال المملوكة للدولة والقطاعين المالي والمصرفي، فإن إيران تجد صعوبة في التعامل مع تأثير أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، في ظل الحظر المفروض عليها، إذ إنّ إيران تعتبر الدولة الأكثر تضررًا في منطقة الشرق الأوسط. وكان لذلك تأثير شديد على الوظائف والدخل في كثير من الأنشطة والخدمات، وارتفاع معدل البطالة والفقر.

لم يختلف الوضع الاقتصادي خلال النصف الثاني من عام 2021م مع قدوم حكومة رئيسي عن الوضع السائد خلال حكومة روحاني، فمؤشرات الاقتصاد الكلية كلها تشير إلى وضع متأزم ومتدهور: نموّ اقتصاديّ ضعيف بعد ركود طويل، عجز موازنة كبير ومتزايد نتيجة استمرار تحجيم مصادر الدخل الرئيسية للبلاد، سواء الدخل القادم من صادرات النفط بسبب العقوبات الأمريكية أو دخل الضرائب نتيجة لتأثيرات كورونا على قطاع الأعمال، مع اتجاه حكومي متزايد نحو بيع الأصول بالبورصة والاستدانة من البنوك ومؤسسات الضمان الاجتماعي، وتقليل المتاح من رؤوس الأموال من ناحية، وزيادة ضخ السيولة الموجهة إلى الاستهلاك من ناحية أخرى. وانعكست هذه الأوضاع على سعر العملة المحلية فانخفضت إلى معدلات غير مسبوقة خلال العام، وعززت ارتفاع معدلات الأسعار في البلاد.

اقترب معدل التضخم الشهري خلال العام من نسبة 50% كواحد من أعلى معدلات التضخم على مستوى العالم، الأمر الذي رفع معدلات الفقر المدقع في البلاد حتى أصبح أكثر من ثلث المجتمع الإيراني يعيش في فقر مدقع، وتوسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وارتفعت نسب البطالة بين خريجي الجامعات، وتنامت هجرتهم إلى الخارج. ولذلك فإنّ استمرار تأزم الوضع الاقتصادي هو الراجح على المدى القريب في ضوء تدهور غالبية المؤشرات الاقتصادية، وحتى اتجاهه إلى مزيد من التأزم على المدى المتوسط في حال استمرار الحصار الاقتصادي والعقوبات.

 على الصعيد الإقليمي، لا تزال خيارات النظام الإيراني بشأن رغبته في تحسين العلاقات مع دول الجوار غير واضحة، فلم يحدث أي تقدم في المفاوضات السعودية-الإيرانية، ولم يتغير السلوك العدواني الإيراني تجاه الإقليم، إلا أن الضغوط تزداد على النظام الإيراني في ظل المستجدات في دول الجوار، فهناك مزاج عراقي رافض للهيمنة الإيرانية، بالإضافة إلى تراجع الدور في لبنان واليمن وسوريا نتيجة لضعف قدرة إيران على الاستمرار في دعم الميليشيات التي تخدم مصالح النظام الايراني، بالإضافة إلى بروز تحديات ضاغطة جديدة تتمثل في توتر الأوضاع على الحدود مع كل من أفغانستان وأذربيجان.

وفي البعد الدولي، لا تزال مسألة العودة إلى الاتفاق النووي في حالة غموض تام، نتيجة لارتفاع سقف مطالب كلا الطرفين، فإيران تطالب برفع جميع العقوبات، وتقديم الجانب الأمريكي ضمانات بعدم الخروج من أي اتفاق جديد، وكذلك عدم التفاوض خارج إطار الاتفاق السابق، فيما تنظر المجموعة الدولية إلى وضع اشتراطات صارمة لتحجيم الأنشطة النووية الإيرانية، والسماح الكامل لمفتشي الأمم المتحدة بالوصول غير المحدود إلى المنشآت النووية، ومدّ فترة بند الغروب للاتفاق النووي لمدة أطول من الفترة السابقة التي تنتهي في 2025م، كما أن هناك ضغوطًا دولية لتحجيم أنشطة إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي. وللوصول إلى اتفاق يرضى به الطرفان فإنّ من المتوقع أن تستغرق المفاوضات مدة طويلة، قد تستطيع إيران خلالها الوصول إلى العتبة النووية. ومن الجدير بالذكر في هذا الخصوص أن النظام الإيراني استطاع أن يبث قناعة للمجتمع الدولي بعدم إمكانية إدراج تفاهمات إضافية لبنود الملف النووي في ما يتعلق بالبرنامج الصاروخي والتهديدات الإقليمية.

وختامًا فإنّ التحديات التي يمثلها النظام الإيراني في المنطقة والعالم لا تزال قائمة، وليس هناك ما يشير إلى نهج إيجابي مغاير من النظام الإيراني لحلحلة المسائل العالقة، التي من أبرزها استمرار إيران في نهج تغذية الصراعات، ودعم الميليشيات الإرهابية، ورفع وتيرة التهديدات العسكرية في المنطقة من خلال الصواريخ والطائرات المسيرة والأسلحة البحرية، وتزويد الميليشيات بتقنياتها، بالإضافة إلى المخاطر البيئية والأمنية للبرنامج النووي الإيراني، الأمر الذي سيزيد سباق التسلح وانتشار الفوضى في المنطقة، ويؤثر في الإمدادات النفطية والحركة التجارية العالمية، ويبقي المنطقة أسيرة للصراعات، وإفشال مساعي الدول الراغبة في النهوض وتجنيب شعوبها مهددات الفقر والبطالة والتخلف العلمي والتقني، وضعف القدرة الاقتصادية.

ورغم أن إيران تبدو كأنها لا تقبل الإملاءات في ما يتعلق بالمفاوضات الجارية في فيينا مع دول 5+1، فإنها لن تعدم الحيلة في حال اضطرت إلى إيجاد مبررات للقبول بما تتبناه الدول العظمى، إذ يبدو أنّ الحلول تنتهي إلى طريق مسدود، ولن تستطيع روسيا أو الصين التماهي مع نزعة إيران المتصلبة. لكن من المتوقع أن يكون للمفاوضات مدى طويل، أملًا من طهران في الحصول على ثغرات تمكنّها من بعثرة الجهد الدولي وإضعاف الموقف الأمريكي.

ولا بدّ من ممارسة ضغوط إعلامية ودبلوماسية على ما يشكله برنامج إيران النووي، وسلوكها الإقليمي، وصواريخها طويلة المدى والطائرات بلا طيار، على الأمن الإقليمي والدولي، استشهادًا بالهجوم على السفن في عرض البحر، الأمر الذي يعوق الملاحة الدولية، واستخدام الصواريخ والمسيرات لتهديد دول الجوار وأمن الطاقة العالمي.

ونظرًا إلى أن التفاوض يجري وفق توجهات ومقاربات يقررها المرشد الأعلى ومجلس الأمن القومي، فإنّ من المتوقع أن تستمرّ السياسة الإيرانية على نهج مقارب لسابقتها في تعاطيها مع الشأن الدولي، وربما أكثر تشددًا، إذ تتطابق رؤى الحكومة برئاسة رئيسي مع توجهات المرشد، ما لم يحدث عامل ضغط مؤثر يجعل إيران تتجنب تصعيدات قد تؤدي إلى إشعال مزيد من السخط الداخلي الذي يخشاه النظام.

المصدر: Arab News

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية